السكّين فى قبضة نتنياهو، والكؤوس فى أيدى بايدن وماكرون وريشى سوناك؛ يذبح الأوّل ويشرب الباقون. لا يُمكن النظر بأىّ شكلٍ إلى جريمة مستشفى المعمدانى فى غزّة إلّا من زاوية أنها حصيلة جهدٍ مشترك بين النازية الصهيونية وحنين الغرب إلى وحشيته القديمة. لولا الإسناد المُتغطرس من واشنطن وحلفائها؛ ما تجرّأت ضباع «تل أبيب» المسعورة على مُواصلة نهش الأجساد والولوغ فى الدماء، والحقيقة أن ذلك لا يبدو غريبًا عليهم جميعًا. قامت إسرائيل على دمٍ وستنتهى بدم، وفى سجلّ الولايات المتحدة صفحات عار طويلة تجاه السكان الأصليّين، والأبرياء فى فيتنام والعراق وأفغانستان وتحت قنبلتى «ترومان» الذرّيتين باليابان، وفرنسا عليها دَينٌ ثقيل فى الجزائر وغرب أفريقيا، ويصعب إحصاء جرائم بريطانيا من الهند إلى مصر وفلسطين وعشرات المحطّات. كان التصوُّر أن العالم الأوّل سار إلى النضج، ويخجل من ماضيه الأسود ولا يودّ أن يستعيد ذكراه؛ لكنه على العكس مضى إلى تكرار فظائعه مُجدّدًا، ويلعب اليوم دورًا دنيئًا وبالغ الحقارة؛ لأنه يُمكّن سفّاحين نازيين، بأشدّ آلات القتل وحشيّةً، من رقاب مدنيِّين عُزّل؛ لا ذنب لهم إلا الوثوق فى أنّ قتلة الماضى يُمكن أن يتوبوا؛ بعدما ارتدوا مُسوح الحضارة، ووضعوا مساحيق المدنيّة، وتمادوا فى التجارة الرخيصة بالتفوُّق الأخلاقى والشعارات الإنسانية.
انفتح فُرنٌ من قَعر الجحيم على المستشفى الأهلى العربى «المعمدانى». حصدت الضربة الجويّة الغاشمة 500 روحٍ وأصابت عدّة مئاتٍ آخرين، على حصرٍ أوَّل يتوقَّع البعض أن يصل إلى ألف شهيد؛ ولأن الفلسطينيين هربوا بأولادهم من آلة القتل إلى ساحات المُستشفيات؛ كان أغلب الضحايا من الأطفال.. الموقع فى حىّ الزيتون إلى الجنوب من غزّة، وهو أكبر الأحياء مساحةً والثانى من حيث السكّان، والهدف منشأة طبيّة تتبع الكنيسة الأنجليكانية مُمثّلة فى مطرانية القدس، والضربة جريمة حرب مُتعمّدة من دون مُواربة؛ إذ سبقها إطلاق قذيفتين، وتهديد المدير فى اتصال هاتفى من جيش الاحتلال. المستشفى أقدم من إسرائيل بأربعة عقود؛ إذ يعمل منذ العام 1904، فلا الحاضر ولا التاريخ ولا الأعيان المدنيّة أو الرمزية الدينية فى منأى من آلة القتل الصهيونية المُتوحّشة؛ كأنهم بالضربة الأخيرة يقصفون «المسيح» نفسه، كما حمَّلوه صليبه على درب الجلجثة، وكانوا وراء محنته قبل ألفى سنة، قائلين وقتها بصلفٍ وانحطاط أمام بيلاطس البنطى: «دمه علينا وعلى أولادنا» بنصّ إنجيل متّى فى إصحاحه السابع والعشرين.. ما من حاجةٍ إلى دليل جديد على سفالة دولة الاستيطان؛ إنما العالم فى أمَسِّ احتياجٍ للبرهنة على أنه ما يزال حيًّا، وقادرًا على تعاطى الإنسانية، وتجنُّب الإخفاق فى امتحانات القِيَم والمواقف الجادة.
الجريمة النكراء ليست بعيدةً من محاولات إخلاء شمالىّ القطاع، والتحضير لاجتياح برّى يكنس الأرض من كلّ معالم الحياة. كان الاحتلال يعلم تمامًا وهو يُصدر أمر القصف أنه يقتل مدنيِّين، من المرضى والأطبّاء والأطفال؛ لكنّه سار عامدًا إلى تكثيف الرسائل الحارقة؛ لرفع الكُلفة الدامية، وإجبار الباقين على النزوح جنوبًا. تقول الضربة بوضوح إن «تل أبيب» لن تتخلّى عن أهدافها المُعلنة، وإنها لا ترى الفلسطينيين إلا من منظار وزير حربها الذى وصفهم بالحيوانات، وتطمئنّ فى ذلك إلى انحيازٍ غربى شديد التبجُّح والفجاجة، وإلى عجز المنظومة الدولية عن ردعها أو كبح شهوتها المُتأجِّجة للدم.. «هتلر الصهيونى» الذى يقود حكومةً من مُشعلى الأفران وخبَّازى الجُثث، ينفخ نار المحرقة إلى آخرها مُتجاوزًا نظيره الألمانى، ومُتفوّقًا فى الإجرام على الهولوكوست، وكلّ رواياته التى ما تزال عمود السردية الظالمة لأهل فلسطين التاريخية. أمَّا العالم فيتلقّى الأشلاء المشويّة كأنها خُبزٌ طازج، ويمضغ مُتلّذذًا بالطبخة الصهيونية.. الحضارة البشرية فى أحطّ مراحلها، والغرب المُتفوّق أخلاقيًّا يثبت من جديد أنه كاذبٌ مُحترف، ومُمثّل فاشل، وحانوتىّ يحترف صناعة التوابيت وحفر القبور؛ خدمةً لنزوات «كلبه الإسرائيلى» العقور.
جرى العُرف أن يُستقبَل الرئيس الأمريكى فى إسرائيل بطقوسٍ خاصة، أهمّها ألا يُحرجه الاحتلال بتجاوزاتٍ، تُلطّخ ثوب البلد الذى يدّعى أنه حارس العدالة والحرّيات.. تلك المرَّة قرر النازى بنيامين نتنياهو أن يُقيم على شرفه حفلة شواء لأجساد الفلسطينيين، ولحم أطفالهم الطرىّ؛ ربّما لأنه مُنِح مُسبقًا موافقته المُطلقة على المحرقة.. إنه «إرهاب دولةٍ» لا يحتمل توصيفًا آخر، واستدعاءٌ توراتىّ صريح لمقتلة يوشع بن نون فى أورشليم، عندما دخل المدينة الكنعانية فأحرقها وأباد اثنى عشر ألفًا، على ما يُورد العهد القديم. كان طبيعيًا أن ينسحب «أبو مازن» من عمّان، وأن يُعلن الأردن بالتنسيق مع القاهرة، أو بضغوط مصرية فلسطينية، إلغاء القمّة الرباعية التى كانت مُقرّرة مع «بايدن»؛ لأنه ليس مقبولاً أن يأكل مع الصهاينة ويتعشَّم فى الهَضْم بين العرب. عار البيت الأبيض؛ إن كان على لونه ولم يَسودّ بعدُ أو يتخضَّب بالدم، يجب أن يحمله ساكنه، ولا يُتاح له مَسلكٌ إلى التحلُّل منه. الطائرة أمريكية، والدعم والذخيرة والقرار والغطاء السياسى، وإن تصاعدت الأوضاع واستفحلت الأزمة وتكاليفها؛ فيجب أن تكون الفاتورة أمريكيّة أيضًا.
عملية المستشفى رسالةٌ إسرائيليّة فى مظروفٍ أمريكى؛ والمعنى أنه لا خوف من التبعات السياسية مهما تمادى الاحتلال فى جرائمه، وأن واشنطن تبصم على ذلك، وتُسدل غطاءها «الناعم والغشوم» بزيارةٍ رئاسية، كما أن «قمّة عمّان» المُلغاة لم تكن لتُلزم تل أبيب بأية إجراءاتٍ عاقلة، ولم يكن من نواياها أن تتعاطى مع رسائلها باحترامٍ لقواعد الصراع ومُحدِّدات القوانين الدولية. يتعزَّز ذلك بالنظر إلى ردود الفعل؛ إذ فى مُقابل موجة إدانةٍ واسعة من العرب وآسيا وأفريقيا، جاءت مواقف الغرب بين التواطؤ أو الرمادية، إمَّا بمزاعم نقص المعلومات عن الهجمة، أو الدعوة إلى التحقيق، وفى أقصى حدود الإنسانية أن يُقدِّم «بلينكن» العزاء للرئيس عباس، مع موفورٍ من عبارات التأسِّى والبلاغة الجوفاء؛ من دون إدانة حقيقية أو توصيفٍ دقيق لجريمة الحرب الماثلة أمام عيونهم. ستكون الوقاحةُ أشدّ تطرُّفًا فى مجلس الأمن، ويُنتظر أن يعقد جلسةً طارئة تتأخّر عن موعد طباعة الجريدة؛ والأرجح أن يسقط مشروع القرار البرازيلى كما سقط سابقه الروسى، وأن يُردّد «الأبيض المتحضّر» روايات جيش الاحتلال، وأقصى ما يُمكن أن تُسفر عنه أن يُدعى إلى تحقيقٍ، لن يصعب عليهم أن يُطمَر تحت ركام الجرائم الجديدة فى القريب العاجل.
كان مؤتمر دانيال هاجارى، مُتحدّث العصابة العسكرية فى إسرائيل؛ تكرارًا سخيفًا لغسل الأيدى بابتذالٍ للمنطق وإهانةٍ لعقل العالم.. زعم أن المسؤولية تقع على عاتق حركة الجهاد الإسلامى جرّاء إطلاقٍ صاروخى فاشل، وأن 450 من صواريخ المقاومة سقطت داخل القطاع؛ لكنه لم يُفسّر سرّ القوة التدميرية التى أحرقت ساحة المستشفى، ولماذا لم تفعل ضربات الفصائل السابقة كلّ ذلك فى غزّة أو المدن الإسرائيلية التى تطالها القذائف. كما اتّهم «حماس» بتضخيم أعداد الضحايا، وتجاهل مئات الصور ومقاطع الفيديو المُكدّسة بالجُثث والأشلاء؛ ثمّ ذهب إلى غرضه سريعًا، عندما جدّد الحديث عن التهجير، وضرورة أن يُخلى سكّان الشمال بيوتهم وملاجئهم الإنسانية، ولم يُقدّم اعتذارًا ولا تفسيرًا لإحراق مواكب النازحين.. لم يكن الرجل معنيًّا بإنتاج خطابٍ مُتماسك، ولا بالوصول إلى براهين مُقنعةٍ بأيّة درجة؛ إذ يطمئنّ إلى أن للرواية جمهورَها الجاهزين لتبنِّيها وتسويقها، وليس عليه إلّا أن ينثر غُبار الشكِّ ويضع صحنَ الأكذوبة على المائدة؛ لتطيب الوليمة البشرية لحُلفائه الجائعين دومًا إلى وصفات الطهى العبرية.
نجمة داود تقطُر دمًا، ومُدوّنة الإجرام الإسرائيلية تزدحم بمئات الحوادث السافرة: فى الطنطورة وقلقيلية وكفر قاسم ودير ياسين وصابرا وشاتيلا، وقصف مدرسة بحر البقر المصرية، وفى انتفاضتى الحجارة والأقصى، وخمسة حروب دامية على غزّة.. تعيش الدولة العبرية على أكباد الأطفال، ولا يحتاج العالم دليلاً جديدًا لإثبات ما يقع فى موقع العقيدة من الذهنية الصهيونية. كان الانكشاف جليًّا عندما طالبوا الغزّيين بإخلاء بيوتهم؛ ثمّ قصفوا قوافل النازحين إلى جنوب القطاع؛ والرسالة أن البقاء على ثغور الشريط الساحلى المُختنق مُجرّد رحيلٌ مُؤجّل، لناحية أنه إقامةٌ على حرفٍ من الموت؛ مهما كُنت مُسالمًا أو عاريًا من السلاح، فالغاية التهجير لا سحق «حماس» على ما يدّعون، والوسيلة أن تصير 360 كيلو مترًا من الجغرافيا السلبية نهرًا هادرًا من الدماء؛ إلى أن يلفظ التراب أنفاسه، برحيل آخر طفلٍ يمنحه الحياة وإرادة الصمود.. السيناريو لم يعد غامضًا، ولا يشغله التشويق والمفاجآت؛ لكن السخرية فى أن جمهور «العالم الأوّل» ما زالوا يقطعون التذاكر، ويتفرّجون على المأساة باندهاشٍ وإنكار وادّعاءٍ للبراءة.
كان السيسى واضحًا فى حديثه مع المستشار الألمانى أولاف شولتس من القاهرة، وموقف الأخير وحكومته ليس أقل انحيازًا من نُظرائه فى واشنطن ولندن وباريس؛ ربما يضعه الابتزاز المُتّصل بذاكرة الهولوكوست تحت ضغوطٍ صهيونية وغربية قاسية؛ إلا أنه لا يصحّ أن يهرب من النازية على الأرض الأوروبية ماضيًا بإسنادها فى بيئة الحاضر الفلسطينى. سخر الرئيس من سرديّة التهجير المؤقت بأن «صحراء النقب» أقرب لسُلطة الاحتلال؛ لو كانت تخاف على المدنيِّين ولا تُخطّط لطردهم الأبدى كما تدّعى، وكان حاسمًا فى القول إن مُمارسات إسرائيل الفجّة تُهدِّد بتفجير الأوضاع، ولا قبول لاستمرار المقتلة أو اجتراح مُخطّط التهجير القسرى، وكلّ الاحتمالات قائمة؛ طالما تمتدّ الرؤية إلى محاولة تصفية القضية، أو تهديد المصالح الاستراتيجية لدول الجوار.. أعلنت مصر الحداد العام على الضحايا، وما زالت تقبض على الموقف الأشدّ طُهرًا وصلابة من العدوان على غزّة، ولصالح القضية الفلسطينية إجمالاً؛ لكنّ الظرف يتطلّب موقفًا عربيًّا ودوليًّا أكثر جدّية، وأن تُعلّق الأجراس فى رقبة المُجرم وداعميه بالتساوى؛ إذ لا فارق بين الحكومة التوراتية الغاشمة فى تل أبيب، والحكومات العلمانية المُتناقضة فى عواصم الغرب.
قال نتنياهو فى حضور الرئيس الأمريكى ما يُؤكّد تمسُّكه بتحويل غزّة إلى مسلخٍ مفتوح، وخنقه بالجوع والظلام وانعدام الحاجات الإنسانية؛ ومهما كانت الردود اللفظية؛ فإن استقلال «بايدن» طائرته الرئاسية إلى البيت الأبيض، مع بقاء الأمور على حالها، وتدفُّق معوناته وجنوده وبوارجه فى شرايين المحرقة الإسرائيلية؛ تدمغ موقفه بإقرار ما جرى فى المستشفى المعمدانى، وكل ما يتبع ذلك من اعتداءاتٍ وجرائم، وبأن واشنطن تمضى فى مُساندة الاحتلال إلى المدى الأقصى، لا فارق لديها بين تجاوز القانون الدولى، ولا السير على أشلاء الأطفال.. إننا إزاء التجلّى الأوقح لغطرسة الولايات المُتحدة وتغوُّلها على كلّ شىء، حتى المنظومة الأُمميّة التى رسمت معالمها بعد الحرب العالمية الثانية. يتجاوز موقفها اليوم ما تورَّطت فيه من مجازر بحقّ الفيتناميّين والعراقيين وغيرهم؛ على الأقل لأنها فى السابق قتلت بيدها، وتحت ستار مصالح سياسيّة مُباشرة؛ لكنها اليوم تُشارك فى نَحر الضحايا عاريةً من المُبرّر والمنفعة المُباشرة، وتقف بكامل جبروتها وميراثها الأخلاقى المُتزعزع «تحت الطلب»؛ كما يليق بأى مُرتزق رخيص؛ كأنها تعود إلى سينما عصابات الغرب الأمريكى، وتُنصِّب أبدان الفلسطينيّين الهزيلة «لوحة تصويب» تُعوّضها عن غياب الهنود الحُمر؛ بعدما وفّقها شيطانها الأبيض إلى إبادتهم بالكامل.
نفَذ الغربيّون إلى حكايتهم من باب أن إسرائيل تخوض دفاعًا عن النفس. إن كان ثمّة دفاع فلا علاقة له بقصف البيوت والمستشفيات ونَحر النساء والأطفال؛ لكن الحقيقة أنها سُلطة احتلال تُدافع عن قَضم الجُغرافيا ومَضغ البشر، بينما يقف القانون الدولى فى صفّ الفلسطينيّين، ولا يسلبهم حقَّ المقاومة المشروعة.. فضلاً على أن «طوفان الأقصى» وكل عمليات حماس وغيرها لا تُبرّر قدرَ الوحشية التى يردُّ بها الاحتلال؛ ناهيك عن أنه لم ينحرف عن ذلك منذ خمسٍ وسبعين سنة، لم تكن الحركات الإسلامية موجودةً فى نصفها على الأقل.. هناك فارق عريض بين الدول والعصابات؛ وإن كانت تل أبيب تتهم «حماس» بالداعشية فعليها أن تُقدّم مُمارسة مُغايرة لا تضعها تحت التوصيف نفسه. الحادث أنها أوغلت فى العنف بما يفوق كل أنشطة الفصائل طوال تاريخها. «داعش» تلخيصٌ لحالةٍ من الأصولية الدينية المُتوحّشة، تُنكِر الآخر وتمضى إلى إلغائه بالأدوات الخشنة، ولا تعرف فارقًا بين المُسالم والمُحارب، كما لا تعنيها المواثيق الدولية وقوانين إدارة النزاعات المُسلّحة؛ وهذا بالضبط ما تفعله النازية الصهيونية.
ائتلاف اليمين المُتطرّف يتصدّع، ونتنياهو يُشرِف على نهايته السياسية. يرفع ذلك منسوبَ الجنون بين حكومة حاخاماتٍ تُعيد إنتاج الرؤية التوراتية فى أشدّ صياغاتها غِلظةً، ورئيس وزراء فاسدٍ يُحاول إنعاش آماله فى البقاء أو الهروب من السجن.. يجب ألّا يكون العالم رهينةً للنازية الصهيونية، ولا أن يُسدِّد فواتير الليكود وزعيمه وحُلفائها السفلة، ولا أن تتسلّط تيارات الصهيونية المسيحية وجماعات الضغط اليهودية على عقل المنظومة الدولية. يتجدّد الاختبار الإنسانى، بينما تحفظ الذاكرة عشرات الإخفاقات السابقة، ومجزرة «المستشفى المعمدانى» صرخةٌ فى بَرّية الصمت والانحطاط، ولطخةُ دمٍ على جبين الدول التى صارت عصاباتٍ كما فى الغرب، والعصابات التى تصير دولاً مثل إسرائيل.. أُنجِز حفل الشواء على شرف بايدن، وأكل وشرب مع صبيانه فى تل أبيب وهو «الصهيونى الأصيل» كما يصف نفسه؛ بينما هلّل المُتحضرون فى لندن وباريس وغيرهما. تُبعَث النازية من جديد، ويشتعل الهولوكوست بأجساد الفلسطينيين، ويُعاين العالم الأول عارَه الذى لن تمسحه الدعايات أو الغطرسة. ربما يدفع الديمقراطيون الثمن فى الرئاسة الأمريكية، وتتكبّده أوروبا فى موجات الغضب والانتقام العنيف، وتلفظ المنظومة الدولية القائمة مزيدًا من أنفاسها لصالح نظامٍ بديل، سيتشكّل مهما طال الوقت؛ إنما سيظل الدم يُلطّخ أياديهم وأفواههم جميعًا، وستظلّ الإنسانية مذبوحةً إلى الوريد، وكُلّما سُئِلت عن جُرحها نظرت إلى خارطة فلسطين، وكُلّما سُئلت عن قاتليها؛ أشارت إلى جبل صهيون وقوس النصر والبيت الأبيض وتمثال الحرّية.