الأشعة تخترق ممر المكان وتسقط على وجه رمسيس.. ومنع إله العالم السفلى بسبب الظلام
قبل 150 سنة، لم تتوقع الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد" أنها ستكون صاحبة اكتشاف واحدة من أهم الظواهر الفلكية الدقيقة لدى القدماء المصريين، والتى شيدوا المعبد بناء عليها، وهى ظاهرة تعامد الشمس على قدس أقداس المعبد الكبير للملك رمسيس الثانى بأبوسمبل جنوب مصر.
وحول أسرار هذه الظاهرة وحساباتها الدقيقة وبراعة المصرى القديم فى الهندسة والبناء، يتحدث الأثرى أحمد مسعود، كبير مفتشى آثار أبوسمبل، لـ"اليوم السابع"، عن ظاهرة تعامد الشمس التى لا تتكرر سوى مرتين فقط فى العام الواحد، 22 أكتوبر و22 فبراير.
أكد الأثرى أحمد مسعود، كبير مفتشى آثار أبوسمبل، أن ظاهرة تعامد الشمس من الظواهر المكتشفة حديثًا لدى علماء الآثار، ولكن جسدها القدماء المصريون قبل آلاف السنين بمعبد رمسيس الكبير فى مدينة أبوسمبل، مشيرًا إلى أن اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس يعود إلى شتاء عام 1874، عندما رصدت الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة التى كانت تتابعها وترصدها عندما كانت تستيقظ يوميا مع شروق الشمس وكانت تقيم على مقربة من المعبد، ولاحظت أن أشعة الشمس تدخل فى يومين محددين كدخول ممتد إلى داخل قدس أقداس المعبد وسجلتها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل".
وأضاف، أن العلماء بدأوا يبحثون عن التفسيرات العلمية لهذين اليومين مع محاولة إيجاد حلول لهذه الظاهرة وما الذى يقصده المصرى القديم من عبقرية دخول أشعة الشمس لهذا المكان المقدس عندهم، ودلالة اختيار يومين محددين فقط من السنة تم اختيارهم بعناية، إلا أن المصرى القديم لم يترك نقشًا أو أثر لهذه الظاهرة، مما زاد من حيرة العلماء حول هذه الظاهرة.
وتابع كبير مفتشى آثار أبو سمبل، تصريحاته حول تفسير العلماء للظاهرة، قائلًا: "حاول علماء الآثار تفسير الظاهرة بشكل علمى وكان هناك تفسير يشير إلى ربط هذين اليومين بتاريخ يومين مهمين فى حياة الملك رمسيس صاحب المعبد، وهما يوم ميلاد الملك ويوم تتويجه على العرش"، مضيفا أن هذا الرأى يقابله رأى آخر أكثر قبولًا لدى علماء الآثار وهو أن هذين اليومين مرتبطين بالزراعة لدى المصرى القديم، وهو كان الشغل الشاغل لدى المصرى القديم، لذلك ارتبط التاريخ الأول فى شهر فبراير ببدء موسم البذر أو الزراعة والتاريخ الثانى فى شهر أكتوبر ببدء موسم الشمو أو الحصاد.
وأوضح "مسعود"، أن الظاهرة علميا تحدث وفقا لدوران الأرض حول الشمس وأن هناك نقطة بالأرض يحدث لها تعامد للشمس مرتين فى السنة، والمصرى القديم أدرك هذا الأمر باعتباره كان متقدما فى علم الفلك فاختار يومين بعناية، وهذه النقطة التى تم اختيارها وتحديدها مسبقا، بنى عليها معبده بحيث تكون مقرا لقدس الأقداس الذى يوجد فيه التماثيل التى تسقط عليها الشمس، والذى كان معلوم قبل اكتشاف هذه الظاهرة هو نحت المعبد فى الجبل، ولكن عبقرية بناء المعبد تظهر فى تحديد المسافة التى سينحتها فى الجبل لإقامة المعبد عليها وحسابات دخول الشمس فى يومين فقط.
وقال، إن الظاهرة تبدأ مع شروق الشمس مباشرة، لأن المعبد مطل على بحيرة ناصر، ولا يمنعه حواجز أو مرتفعات، وتسقط أشعة الشمس على واجهة المعبد، موضحا أن عمق قدس أقداس المعبد يبلغ 60 مترًا وهى المسافة من مدخل بوابة المعبد حتى عمقه بالداخل لمنصة قدس الأقداس الذى تحدث فيه الظاهرة، وأشعة الشمس تخترق هذه المسافة عبر الممر الرئيسى للمعبد، لكن فى الخارج يوجد فناء المعبد الخارجى وهو المرفأ المطل على النيل مباشرة، وهذه المسافة بداية من أول اليابسة إلى قدس الأقداس تتسلل أشعة الشمس فيها وصولا إلى قدس الأقداس.
ولفت إلى أن التكوين المعمارى للمعبد، يبدأ من الواجهة التى تتكون من 4 تماثيل يتوسطها مدخل المعبد الوحيد، ثم صالات متتالية بعدد ثلاثة وهم: "صالة الأعمدة الكبرى وكانت مخصصة لعامة الشعب فى التعبد، ويبلغ طولها 20 مترا تقريبا وعرضها 18 مترًا والتماثيل الموجودة بداخلها عملاقة بحجم يفوق الحجم الطبيعى بخمس مرات والمكان مصور تمثل حروب الملك وصراعاته وانتصاراته حتى يضفى نوع من المهابة والطمأنينة للشعب ويعزز ثقتهم فى حاكمهم، ثم توجد الصالة الداخلية بأعمدة صغرى وكانت مخصصة لطبقة أعلى من العامة، ثم الصالة المستعرضة لأفراد الأسرة الملكية وكهنة المعبد، ثم قدس الأقداس والذى كان بمثابة المكان الأكثر قداسة لدى المصرى القديم فى المعبد لأنها بمثابة المحراب فيه، وكان قاصرا فى دخوله على الملك ورئيس الكهنة فقط.
وكشف، عن أن منصة قدس الأقداس، تضم تماثيل لأربعة آلهة وهم من اليسار لليمين: الإله بتاح إله العالم الآخر وإله منف، والإله آمون رع، الإله الرئيسى للدولة ومركز عبادته طيبة، والإله رع حور أخته إله هوليوبلس، والشمس تتعامد على التماثيل الثلاثة دون الإله بتاح إله العالم الآخر السفلى، لاعتقاد المصرى القديم بعدم منطقية سقوط أشعة الشمس على العالم السفلى، ولذلك لم يغفل المصرى القديم ببراعته هذا الجانب ومنع الشمس من التمثال الرابع.
وأشار إلى أن ظاهرة "تعامد الشمس" على تمثال رمسيس كانت تحدث يومى 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبوسمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالى فى بداية الستينيات من موقعه القديم، الذى تم نحته داخل الجبل، إلى موقعة الحالى، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومى 22 أكتوبر و22 فبراير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة