اشتعلت الأوضاع في غزة منذ السابع من شهر أكتوبر الجاري، مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، وما أعقبها من جرائم وحشية وعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ من شعب فلسطين الشقيقة، وتتصاعد حدة الصراع يوماً بعد يوم في ظل عناد وتغطرس العدو الإسرائيلي والدول الغربية والأوروبية المساندة والمدعمة له وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، دون أي مبالاة لجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني والتي تخالف كافة المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني، جرائم ستظل وصمة عار على جبين الاحتلال والمجتمع الدولي الصامت المتفرج المفضوح الذي يتشدق بالدفاع عن حقوق والحريات وهو أبعد ما يكون عنها وأكثر المدافعين عن منتهكيها بكل بجاحة واستفزاز للشعب الفلسطيني المقهور الذي يقاوم ويدافع عن أرضه ووطنه.
الحقيقة الثابتة أن موقف مصر من الدفاع عن القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير، وكانت وستظل من أكثر المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى مدار الأيام الماضية تقوم الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بموقف مشرف أمام العالم كله في ظل صمت المجتمع الدولي.. مصر قالت كلمتها واضحة وصريحة وقاطعة "لا لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل.. لا لتصفية القضية على حساب دول الجوار.. لا وألف لا لمخطط تهجير الفلسطينيين في غزة إلى سيناء.. سيناء خط أحمر".
تلك الرسائل التي ذكرها وأصر عليها وأكدها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل كلماته منذ بداية الأزمة الحالية وفي لقاءاته مع المسئولين الدوليين الذين زاروا مصر لبحث تطورات الأوضاع في غزة وفي الاتصالات التي تلقاها زعماء وكبار قيادات الدول الكبرى في العالم، وآخرها في قمة القاهرة للسلام التي عقدت في العاصمة الإدارية الجديدة يوم السبت الماضي، بحضور ومشاركة أكثر من 30 دولة، بما يعكس الدور القوي والبارز لمصر كأهم دولة في منطقة الشرق الأوسط.
"أمن مصر القومي خط أحمر"، عبارة محفورة داخل جميع المصريين قيادة وشعباً، لذلك وكعادة الشعب المصري الذي يعي المخططات الصهيونية التي لا تستهدف فلسطين فقط ولكن تستهدف مصر والمنطقة كلها، فخرج الشعب بالملايين بمختلف فئاته وأطيافه المعارض والمؤيد، معلنا التفافه واصطفافه خلف الدولة والقيادة السياسية ودعم أى إجراءات وتدابير تتخذها الدولة للحفاظ على الأمن القومي المصري ودعم القضية الفلسطينية، والتنديد بانتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الغادر.
من هنا نؤكد على أهمية الوعي في التصدي للمخططات والمؤامرات الصهيونية التي ترعاها أمريكا والدول الغربية والأوروبية، مصر الدولة الوحيدة التي تقف بالمرصاد للمخطط الصهيوني بتقسيم الشرق الأوسط، ذلك المخطط الذي يستهدف تدمير وتفتيت وتفكيك دول المنطقة وخاصة العربية لحماية أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي المغتصب للأراضي الفلسطينية، لذلك مصر شعبا وقيادة ترفض مخطط تهجير الفلسطينيين في غزة إلى سيناء، لن نفرط في شبر من أرض سيناء الحبيبة التي ضحى المصريون بدمائهم وأرواحهم دفاعاً عنها حتى استردوها من الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1973 التي شهدت نصرا مبينا للقوات المسلحة المصرية الباسلة، لذلك ستظل مصر حائط الصد المنيع أمام أطماع الكيان الصهيوني ومخططاته، والشعب الفلسطيني الصامد الذي يرفض ترك أرضه ووطنه ولن يرضخ لمخطط الاحتلال الذي يريد إجباره على الخروج من بلده، له كل التحية والتقدير والدعم.
وبات من المؤكد في ظل هذه الظروف والتحديات، ضرورة العمل على تعزيز الوعي لدى المواطن المصري بل والعربي أيضاً، بما يحاك من مؤامرات ومخططات شيطانية، ومخطط الصهيونية العالمية بتقسيم الشرق الأوسط أو ما يطلق عليه "الشرق الأوسط الجديد"، لا بد أن يكون هناك دوراً مؤثرا في قضية الوعي للمثقفين والإعلام والمؤسسات التعليمية والدينية والتربوية والشبابية ومن خلال كافة المنابر والمنصات التي تخاطب المواطنين في مصر والعالم العربي والإسلامي وفي كل دول العالم لفضح هذه المخططات وإجهاضها.
يجب تثقيف وتعريف الأجيال الجديدة بمخطط "برنارد لويس" الذي اعتمده الكونجرس الأمريكي سنة 1983، ذلك المستشرق والمؤرخ البريطانى الشهير برنارد لويس، الذي ينسب له وضعه مشروعه بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، حيث إنه فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، تم وضع مشروع تفكيك الدول العربية، من قبل المستشرق اليهودى، حيث وصل إلى واشنطن آنذاك ليكون مستشارا لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط، وهناك أسس تفكيك البلاد العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضه بعضا، وهو الذى ابتدع مبررات غزو العراق، وهذه المخططات تحدث اليوم، فرأينا الانقسامات والصراعات والنزاعات التي حدثت في العراق وسوريا وليبيا واليمن.
لابد أن يعلو صوتنا في كل مكان لنرسخ في العقول أن هناك مخططات ومؤامرات وأطماع يجب التصدي لها بكل قوة، برنارد لويس وضع مشروعه بتفكيك الدول العربية والإسلامية، وتفتت كل منها إلى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية، وذلك "لضمان أمن إسرائيل"!!، هذا المخطط الذي يستهدف تقسيم مصر إلى أربع دول هى: مسيحية في الصحراء الغربية وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية في الجنوب، وإسلامية في الدلتا، وسيناء والصحراء الشرقية بأن يتم ضمها إلى إسرائيل، رأينا جنوب السودان تنفصل والمخطط يشمل ودار فور، ويشمل تقسيم العراق إلى 3 دول، دولة شيعية ودولة سنية ودولة كردية، ليحققوا مخططهم "من النيل إلى الفرات".
وما يثير جنون الصهيونية العالمية أن مخططاتهم نجحت فى السودان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، ولكن عند مصر "قلبت عليهم الطرابيزة" وأحبطت هذا المخطط الذي اعتمده الكونجرس في جلسة سرية واعتبره خطة استراتيجية منهجية مستقبلية وأنه على الحكومات المتعاقبة تنفيذه بغض النظر عن الحاكم، فهم يستهدفون تدمير ثلاث دول كبرى حول إسرائيل وهى مصر وسوريا والعراق من خلال إحداث نزاعات طائفية ودينية وانقسامات، لابد أن نعي المخطط بإحياء التصور الصهيوني لـ "الترحيل" منذ سنة 1967، وهناك من يجاهرون في إسرائيل بميلهم إلى طرد الفلسطينيين طرداً جماعياً، ولا سيما أهل الضفة الغربية وقطاع غزة، ولقد بدأ تنفيذ هذا المخطط منذ خمسينيات القرن العشرين -وكتب عنه موشيه شاريت- رئيس وزراء إسرائيل في مذكراته 1954م، يقول: "إن تقوية الميول الانعزالية للأقليات في العالم العربي، وإذكاء النار في مشاعرها، وتوجيهها للمطالبة بالاستقلال والتحرر من الاضطهاد الإسلامي، هو عمل إيجابي، يدمر الاستقرار في تلك المجتمعات"، وعن مصر، فقالوا عنها: "إنه إذا تفتتت مصر تفتت الباقون، وهذا هو الضمان الحقيقي لبقاء إسرائيل"، ولكن نقول لهم"هيهات هيهات.. ستظل مصر متماسكة قوية صامدة وحائط الصد المنيع الذي تتحط أمامه أطماعكم وتفشل مخططاتهم".
الوعي أهم وأخطر القضايا التي يجب أن ننشغل بها، وهى مسئولية على جميع المؤسسات الثقافية والعلمية والتعليمية والدينية والتربوية، لتوعية الأجيال الجديدة لحمايتهم من الغزو الثقافي الصهيوني القائم على التزييف والتزوير وتغيير الحقائق، ويجب استغلال التطور التكنولوجي الهائل في تعزيز الوعي بخطورة هذه المخططات وضرورة التصدي لها بكل قوة للحفاظ على تماسك ووحدة الأوطان العربية، ويجب تعزيز دور الدراما والسينما في التوعية.