غزة تفضح معايير أمريكا المزدوجة.. إدانة أمريكية حاضرة لاستهداف المدنيين بأوكرانيا.. تبرير مفتوح لقتل أهالى القطاع بذريعة حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها.. وخبراء لنيويورك تايمز: المحتل سيء فقط حينما لا يكون حليفا

الأربعاء، 25 أكتوبر 2023 03:30 م
غزة تفضح معايير أمريكا المزدوجة.. إدانة أمريكية حاضرة لاستهداف المدنيين بأوكرانيا.. تبرير مفتوح لقتل أهالى القطاع بذريعة حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها.. وخبراء لنيويورك تايمز: المحتل سيء فقط حينما لا يكون حليفا بايدن ونتنياهو
كتبت: نهال أبو السعود

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انحياز فج، وازدواجية معايير لا تعرف نقطة نهاية، حكمت القرار الأمريكى على اختلاف الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل منذ عقود مضت وحتى كتابة هذه السطور، فما بين نفوذ متعاظم للوبى اليهودى وتقدم رموزه صفوف المانحين والممولين الرئيسيين للحملات الانتخابية بداية من الولايات مرورًا بالكونجرس وصولًا إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وما بين السيطرة على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والإعلام وهوليوود.. باتت الولايات المتحدة الأمريكية ـ وعلى امتداد السنين وتعاقب الإدارات ـ إسرائيلية الهوى، يهودية الانحياز، وصهيونية التوجه، لا تعرف الحياد متى كانت إسرائيل حاضرة ضمن أركان المشهد، وبين أبعاد القضية.

ازدواجية المعايير التى حكمت البيت الأبيض، كانت حاضرة بقوة على مدار ما يقرب من 20 شهرًا هى عمر الحرب الروسية ـ الأوكرانية، فمع الرصاصة الأولى والاجتياح الأول من جانب موسكو إلى إقليم دونباس فى الشرق الأوكرانى كانت التوصيفات الأمريكية حاضرة منذ البداية: أوكرانيا تقاوم، وروسيا دولة غازية، إلا أن هذا المعيار لم يكن حاضرًا فى مشهد السابع من أكتوبر الجارى، حينما أقدمت الفصائل الفلسطينية على شن هجوم مباغت ضد مستوطنات كان بنائها محل إدانة المجتمع الدولى برمته، حيث انحازت واشنطن وبشكل فج لجانب إسرائيل ومنحتها "الحق الكامل فى الدفاع عن النفس".

 

أوكرانيا وغزة يفضحان معايير أمريكا المزدوجة

وأسفر الحق الكامل فى الدفاع عن النفس الذى منحته واشنطن لتل أبيب عما يزيد على 5 آلاف شهيد وآلاف الجرحى والمصابين، دون إدانة أمريكية لاستهداف المدنيين فى قطاع غزة، وإنما تبرير ممتد للانتهاكات، ظهر واضحًا فى خطاب الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى ربط خلاله بدعم بلاده لأوكرانيا وإسرائيل، ووصف البلدان بانهم "ديمقراطيتان تقاتلان أعداء مصممين على إبادتهما الكاملة"، وشبه بايدن حماس بروسيا وأدان الهجوم المباغت الذى اسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي.

وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن مثل هذه الاتهامات ليست جديدة فى الصراع داخل الشرق الأوسط لكن ديناميكيات الأزمات المزدوجة تجاوزت رغبة واشنطن فى حشد الدعم العالمى لعزل ومعاقبة روسيا على غزو أوكرانيا.

ويبدوا أن ازدواجية المعايير الأمريكية ستعقد ملف أوكرانيا داخل البيت الأبيض، وهو ما تحدث عنه كليفورد كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، وهى منظمة لتقييم المخاطر مقرها نيويورك، حيث قال أن الحرب فى الشرق الأوسط ستؤدى إلى دق إسفين متزايد بين الغرب ودول مثل البرازيل أو إندونيسيا، وهى دول رئيسية متأرجحة فى الجنوب العالمي.. وهذا سيجعل تعاون مثل تلك الدول مع واشنطن بشأن أوكرانيا، مثل فرض العقوبات على روسيا، أكثر صعوبة.

وبالفعل أدان الرئيس الإندونيسى جوكو ويدودو، الذى لا تعترف بلاده بإسرائيل ما وصفه بـ"الظلم المستمر ضد الشعب الفلسطيني". وأضاف أن حرب غزة لن تؤدى إلا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، مما يهدد بارتفاع أسعار النفط بعد أن أدت حرب أوكرانيا إلى تباطؤ صادرات القمح بالفعل.

وانتقد الرئيس البرازيلى لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا ووصفها بأنها تشجع الحرب لكنه ألقى باللوم على الجانبين فى الصراع وعرض التوسط. وقامت البرازيل، بصفتها رئيسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الشهر، بصياغة مشروع قرار لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية فى غزة، والذى أدان أيضًا الهجمات التى تشنها الفصائل ووصفها بـ"الإرهابية".

وبعد أن استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد القرار لأنه لم يذكر حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، أعرب سفير البرازيل لدى الأمم المتحدة، سيرجيو فرانسا دانيز، عن إحباطه. وأضاف: "مئات الآلاف من المدنيين فى غزة لا يمكنهم الانتظار أكثر من ذلك فى الواقع، لقد انتظروا لفترة طويلة جدا."

وانتقد القادة العرب المعايير المزدوجة لأمريكا وفى مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى ملك الأردن، فى خطاباتهم فى قمة القاهرة للسلام ما وصفوه بالمعايير المزدوجة.

وانتقد الفلسطينيون العواصم الغربية لعدم تعبيرها عن غضبها من قصف غزة على غرار وصفها للهجمات الصاروخية الروسية على المدن والبنية التحتية الأوكرانية بأنها "همجية" و"جرائم ضد الإنسانية".

وفى تصريحات نشرتها نيويورك تايمز، قال نور عودة، المعلق السياسى الفلسطينى المقيم فى رام الله، أنه عندما اندلعت الحرب فى أوكرانيا لأول مرة، كان الفلسطينيون مبتهجين بالموقف الصارم الذى اتخذته العواصم الغربية ضد دولة تحتل أراضى دولة.. لكن يبدو أن الاحتلال يكون سيئًا فقط إذا كان الأشخاص الذين ليسوا إلى جانبك يقومون به".

وعلق ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة على موقف الغرب وأمريكا من حرب غزة قائلا: "إنه صداع كبير للدبلوماسيين الغربيين لأنهم أمضوا الكثير من الوقت هذا العام فى محاولة سحر الجنوب العالمى ومع رد الفعل الحالى فشهدنا بالفعل تراجع الدعم والاهتمام بأوكرانيا بين أعضاء الأمم المتحدة "

وفى أوروبا، دارت المناقشة على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث اتهم بعض المعلقين أوروبا بالنفاق بسبب أساليبها المختلفة فى التعامل مع الحربين فى أوكرانيا وغزة، فى حين لم يعلق سوى عدد قليل من السياسيين بشكل مباشر.

وكتب كارل بيلدت رئيس الوزراء السويدى السابق على موقع اكس أن معظم العالم يرى معايير مزدوجة فى السياسة الغربية بشأن الحربين، وقال: "سواء هذا صحيح أو لا.. هذا شيء يجب التعامل معه"

وقال جوزيب بوريل فونتيليس، كبير دبلوماسى الاتحاد الأوروبى، فى خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبى قبل أسبوع، إن قطع إمدادات المياه يعد انتهاكًا للقانون الدولى بغض النظر عن مكان حدوثه.

وأضاف: "من الواضح أن حرمان مجتمع بشرى تحت الحصار من إمدادات المياه الأساسية يتعارض مع القانون الدولى فى أوكرانيا وغزة".

واقترح بعض المحللين أن العداء تجاه السياسة الغربية فى أوكرانيا فى بعض أنحاء العالم يجب أن يؤخذ على أنه أمر مسلم به، ولكن لا يزال من الممكن التعامل معه بلباقة.

وقال جون هيربست، المبعوث الأمريكى السابق إلى أوكرانيا والدبلوماسى فى إسرائيل، إن الصراع فى غزة قد يجعل كسب الدعم لأوكرانيا "أكثر صعوبة إلى حد ما"، مشيرًا إلى أن هدف إسرائيل المتمثل فى القضاء على الفصائل يصعب تحقيقه، لكنه يمكن أن يضعف إلى حد كبير القدرة العسكرية للفصائل. وتوقع أن تتلقى الولايات المتحدة ضربة قوية فى الرأى العام العالمى بسبب دعمها لإسرائيل اللامتناهي

 

قواعد انتقائية للعبة

وظهرت الانقسامات مباشرة بعد أحداث السابع من أكتوبر، مع انقسام ردود الفعل الدولية بين الدول التى ركزت بالكامل على إدانة الهجوم الصادم الذى شنته الفصائل على إسرائيل من ناحية، وتلك التى أشارت أيضًا إلى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى الأساسي.

وبعد يومين من الهجوم، أصدر زعماء خمس دول غربية - الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا - بيانا مشتركا أعربوا فيه عن دعم ثابت وموحد لإسرائيل، وادانوا حماس، وذكر البيان بإيجاز "التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني"، لكن لم تكن هناك تفاصيل حول كيفية تحقيقها أو ما الذى أخرجها عن مسارها.

ومن ناحية أخرى، أصدرت جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، بيانا فى يوم الهجوم، دعت فيه إلى "وقف فورى للعنف وضبط النفس والسلام بين إسرائيل وفلسطين".

ومن خلال رسم خريطة الانقسامات، قسمت المجلة الجيوسياسية الفرنسية، لو جراند كونتيننت، الردود إلى ثلاث فئات: الدول التى تدعم إسرائيل بقوة، والدول التى تدعو إلى وقف إطلاق النار، وأخيرا، الدول التى تدعم الفصائل الفلسطينية.

وقال ميشيل دوكلو، السفير الفرنسى السابق فى سوريا والمستشار الخاص لمعهد مونتين فى باريس: "إن هذه الأزمة تزيد بلا شك الانقسامات، لأن هذا يعزز رواية الجنوب العالمى عن المعايير المزدوجة للغرب"


الفيتو الأمريكى الصادم

وبينما كان بايدن يقول للصحفيين فى تل أبيب، إنه أقنع إسرائيل بالسماح بدخول مساعدات إنسانية محدودة إلى غزة، كانت الولايات المتحدة تعزف نغمة مختلفة فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك.

وفى خطوة مفاجئة، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى المساعدات الإنسانية لتمكين وصول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر.

وأدان القرار، الذى رعته البرازيل، أعمال العنف ضد جميع المدنيين، بما فى ذلك الهجمات التى تشنها حماس. وصوتت 12 دولة من أعضاء مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة لصالح القرار. وامتنعت روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت.

واستخدمت الولايات المتحدة، العضو الدائم فى مجلس الأمن، حق الفيتو الحاسم.

وكان هذا هو القرار الثانى لمجلس الأمن الدولى بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس الذى يفشل، فقبلها رفض مجلس الأمن مشروع قرار صاغته روسيا يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، وإدانة جميع عمليات قتل المدنيين، الإسرائيليين والفلسطينيين وصوتت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان ضد القرار الروسي.

 

تجاهل الوضع الإنساني

اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش إسرائيل بتعمد تعميق معاناة المدنيين من خلال رفضهم اعادة المياه والكهرباء وعرقلة شحنات الوقود فى غزة، كما اتهمت الولايات المتحدة وحلفاءها بضعف إدانة الأفعال الإسرائيلية فى القطاع.

وقالت فى بيان، إن هجوم حماس فى 7 أكتوبر لا يبرر قيام السلطات الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب فى حق الفلسطينيين، وأضاف البيان أن إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة فى غزة ملزمة بموجب اتفاقيات جنيف بضمان حصول المدنيين على السلع الأساسية، وباعتبارها طرفا فى الحرب يجب عليها تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.

ويشير البيان، إلى أن قوانين الحرب بينما تسمح لأى طرف باتخاذ خطوات لضمان عدم احتواء الشحنات على أسلحة، فإن تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة محظور.

قال توم بورتيوس، نائب مدير البرامج فى هيومان رايتس ووتش، إن اشتراطات القانون الدولى الإنسانى لحماية المدنيين يجب أن تطبق على الجميع، مضيفا أن النفاق والمعايير المزدوجة للدول الغربية أمر صارخ وواضح.

 وتابع متسائلا: "أين الإدانة الواضحة للتشديد القاسى للحصار المفروض على غزة منذ 16 عاما والذى يرقى إلى مستوى العقاب الجماعى وجريمة حرب؟، وأين الدعوات الواضحة والصريحة لإسرائيل لاحترام المعايير الدولية فى هجومها على غزة؟".










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة