بالرغم مما يبدو من تعقيد وتشابك فى مشهد الحرب على غزة، فإن الدولة المصرية، لم تتوقف منذ بداية تفجر الأحداث، عن بذل كل جهد على كل الجبهات، ومع كل الأطراف، بالسعى لوقف العدوان، واستمرار فتح معبر رفح لتدفق المساعدات، وبالفعل تم دخول أكثر من 60 شاحنة حتى أمس، وقد حرصت المنظمات الأهلية المصرية على تقديم كميات كبيرة من المساعدات، مع وجود زخم شعبى يمثل ظهيرا داعما لتوجه الدولة، وأيضا تأكيدا للعلاقة التى تربط المصريين بالقضية الفلسطينية، حيث تجمع مصر بين الخط الإغاثى والخط المتمسك بأساسيات القضية الفلسطينية، ثم إن مصر لم تنكر أى جهود عربية أو إقليمية، للدفع نحو وقف العدوان أو خروج المحتجزين، بل إنها أيضا تشجع وتدعم دائما وجود موقف عربى يمكن أن يمثل فعلا مؤثرا.
وبجانب الدعم الإنسانى والإغاثة لسكان القطاع تستمر خطوط الاتصال مع كل الأطراف لحلحلة ملف المحتجزين، مع توقع المزيد مما قد يسهل أيضا السعى لإدخال الوقود الذى يمثل هو الآخر أحد أساسيات الحياة، مع الكهرباء والاتصالات التى قطعها الجانب الإسرائيلى ضمن خطوات الحصار، بجانب الدفع نحو خروج الجرحى إلى المستشفى الميدانى والمستشفيات المعدة بالعريش والقناة لتلقى العلاج، خاصة مع تضاعف أعداد الجرحى، وتدهور أحوال المستشفيات فى غزة، هذا عن الشق العاجل، أما الشق الآخر والأهم فهو السعى لوقف الحرب بما يجنب المدنيين التأثيرات المدمرة ومواجهة ويلات الحرب الإسرائيلية التى تسعى للانتقام من دون أن تحقق أكثر من ذلك.
ومثل إطلاق محتجزتين أمريكيتين عبر معبر رفح بوساطة مصرية، خطوة مهمة كاشفة عن تجاوب وثقة الأطراف فى الدولة المصرية والتى نجحت أكثر من مرة فى جهود وساطة، كما أن جهود مصر خلال الفترة الماضية والتى استمرت على كل المحاور انعكست فى تأثيرات متصاعدة، على الموقف الدولى خاصة المعسكر الداعم للاحتلال، ونمو رأى عام أكثر رفضا للعدوان واستهداف المدنيين، وظهر هذا فى تزايد المسيرات والتظاهرات الرافضة للتصعيد الإسرائيلى ووقفه والوصول إلى هدنة.
استراتيجيا تتمسك مصر بطرح صيغة لإحلال السلام بالمنطقة والتمسك بحل الدولتين وحصول الشعب الفلسطينى على حقه فى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1967 وهو ما انعكس فى تصريحات الرئيس الأمريكى بايدن وباقى زعماء أوروبا الذين يدعمون إسرائيل وبدأت تصدر منهم تصريحات ضد التصفية، أو تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، هذا من الناحية العاجلة، أما على مستوى العمل لوقف العدوان، وإحياء السلام، بعد أن حسمت مصر رفض التصفية أو التصعيد، ودعت إلى قمة القاهرة التى مثلت خطوة فى طرح السجال، وتأكيد مواقف الأطراف، وانعكست نتائجها فى تغيرات وإن كانت بطيئة داخل المعسكر الداعم للعدوان.
وكانت مركزية الموقف المصرى، هى التى ضاعفت الثقة فى الدولة المصرية، كونها الأكثر امتلاكا لمفاتيح مهمة، بجانب قدرتها على التواصل مع الأطراف المرتبطة مباشرة، أو الإقليمية والدولية، وهو ما بدا من حجم وعدد الاتصالات التى تلقاها الرئيس، أو الأطراف التى سعت للقاء الرئيس السيسى وآخرها وفد الحزبين الديمقراطى والجمهورى بمجلس الشيوخ الأمريكى، الذى التقى الرئيس ضمن جولة فى المنطقة، وحرص الرئيس على تأكيد موقف مصر الرافض لاستهداف المدنيين وسياسات العقاب الجماعى وتهجير الفلسطينيين، وضرورة تسوية القضية الفلسطينية بالحل العادل والشامل، الذى ينتهى بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ووسط تعقيدات المشهد، وبينما يبدو العنف هو المسيطر على المشهد، فإن مصر تراهن على خروج السلام من قلب المشهد المشتعل.