حازم حسين

تائهون فى حقل ألغام.. الغرب الصهيونى واستعادة الوعى بإيقاع أبطأ من طاحونة الدم

الخميس، 26 أكتوبر 2023 01:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليست حربًا؛ على المعنى الدقيق. تنام «غزّة» على القصف وأصوات الصواريخ والانفجارات، وتصحو عليها، ومعيار المُواجهة سقط تمامًا منذ ظهيرة السابع من أكتوبر، وسقطت معه تنظيرات «كلاوزفيتز» عن أن الحروب تمثُّلات خشنة للسياسة. ما يجرى عدوانٌ كاسح من طرفٍ واحد، وعقابٌ وإبادة جماعية للطرف الثانى، وأُفقٌ غائمٌ يُرَاد له أن يتمادى فى حالة الجنون إلى آخرها. يرتعبُ الغرب من مُخاطرة تفجير السكون الحَرج على جبهاتٍ إضافية؛ فيتشدَّد فى التلويح بعصاه الغليظة، وإسدال غطاء السياسة والقوّة كاملاً؛ لتأمين انفراد إسرائيل بالقطاع. والأزمة أن المسارات المُتّبعة لحصار كُرة النار المُحتملة، هى نفسها منشأ التهديد بالتدحرُج إلى المحرقة. وليس مفهومًا إلى الآن ما فى مواقف الغربيّين من خِفَّةٍ وشعبويّة وتناقض؛ إذ لا تنسجم المُمارسات العملية مع مُدوّنة القِيَم، ولا تعيش الدولة العبريّة تحدّيًا وجوديًّا كما يُصوّرونه، وتتعارض تهديداتهم المعلنة لحزب الله مع اتصالاتهم السرّية برأس الجبهة الشيعية «محور الممانعة على الشائع».. كأنّ واشنطن تجرّ حُلفاءها للزحف فى حقل ألغام، ويدّعون الجهل بمكامن الخطر؛ رغم أنهم احتكروا زراعة القنابل قديمًا، ويحتكرون خرائطها إلى اليوم.
 
كشفت جلسة مجلس الأمن حول تطوُّرات الأوضاع فى الشرق الأوسط، أمس الأول الثلاثاء، حجمَ التناقض بين مُعسكر الصهيونية المُعزّزة غربيًّا، وبقيّة العالم تقريبًا. خفتت حِدّة الانحياز قليلاً، وعادت الدول المُحايدة إلى قواعدها، وصار داعمو فلسطين أجرأ وأعلى صوتًا، كما بدت مواقف الأمين العام للأُمم المُتّحدة أكثر توازنًا؛ حتى أن مندوب إسرائيل هاجمه بعنفٍ، وطالبه بالاستقالة، وتردّدت أصداء الهجمة داخل الدولة العبريّة نفسها، فى تصريحات من وزير الدفاع السابق بينى جانتس وآخرين؛ والسبب: قوله إن مواقف المُقاومة ليست من فراغٍ، وما يتعرّض له الفلسطينيون حصارٌ يخنقُ حياتهم، ويسرق بيوتهم، وينتهك القانون الدولى بلا هوادة؛ ثمّ مُطالبته بوقفٍ إنسانى لإطلاق النار فورًا. تكفَّل الأُسبوعان المُنقضيان منذ بداية الهجمة على «غزّة» بتليين المواقف.. يُمكن التماس قدرٍ من التحسُّن فى كلمة اليابان، وفى لُغة البيانات اللاتينية والأفريقية؛ بل وبعض الأُوروبيّة أيضًا. تطوّرت رؤية «جوتيريش» وبدت جادّةً إلى درجةٍ بعيدة؛ ولا يُمكن افتراض أنه كان سيُبادر للذهاب بعيدًا؛ من دون مُعاينة ترمومتر واشنطن أوّلاً.. وراء ذلك إشارة إلى أن التشدُّد الغربى ليس نهائيًّا؛ إذ يقبل الخروج المحسوب عن أجواء الحرب، واجتراح أُطروحاتٍ بديلة تُحاول استعادة التوازن المفقود، وفى الوقت ذاته لا يُعدِّل مواضع أقدامه؛ كما لو أنه مُضطرٌّ للبقاء عند النقطة التى وصلها؛ ترهيبًا للفريق المناوئ، وإرضاءً لشهوة اليمين فى إسرائيل؛ لكنه ليس مُقتنعًا بأن تكون «حالة الاشتعال» تلخيصًا وحيدًا ونهائيًّا للدخول على خطّ الأزمة.
 
يبدو المشهد مُركّبًا بتعقيدٍ عصىٍّ على الاختزال. الدائرة «الأورو-أمريكية» كما لو كانت تتحرّك تحت ضغط الشعور العميق بالذنب: تجاه اليهود قديمًا وقد طردوهم وأحرقوهم، وتجاه الفلسطينيّين اليوم وكانوا سبب نكبتهم وشُهود الصمت والإقرار على عذابهم الطويل، وأخيرًا تجاه أنفسهم بعدما أخفقوا فى أوكرانيا؛ فقرّروا أن يقتصّوا من أبرياء غزّة. العُقدة الأولى تدفعهم إلى المُغالاة فى تعزيز الوحشيّة الصهيونية، والثانية تخلق دائرةً من الإنكار والتعالى، كما أنها أضعف من أن ترُدّهم إلى تحضُّرهم الذى تعوّدوا خلعه قبل الاختبارات الجادة؛ أمّا الثالثة فإنها تُلزمهم بأعباء يستحيل التوفيق بينها: تخويف الميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وإعادة بناء التفوُّق الإسرائيلى دون إرباك التوازنات القائمة، وتطويق فُرص نفاذ روسيا والصين إلى مُختبر بناء المُعادلات الإقليمية المُستجدَّة؛ وأخيرًا والأهمّ ردع الغول الصهيونى عن تطوير الصراع إلى «نقطة اللا عودة»، كأنْ يستفزّ الغريم بعملياتٍ فى العُمق، أو يذهب إلى تنشيط قُدراته النوويّة حال الشعور بالعجز أو فقدان المُبادرة.. بعض الخيارات قد تبدو مُستبعَدةً؛ إلّا أن المنطقة على برميل بارود، وتكفى شرارةٌ واحدة لدفعها نحو المجهول؛ لذا يتطلَّب الظرف أعلى درجات الجاهزية والتحوُّط، وإنقاذ «تل أبيب» من شياطين الداخل، بقدر الاهتمام بحمايتها من أعداء الخارج.
 
لا يُمكن تبرير المواقف الغربيّة على أىّ وجهٍ؛ لكن رغبة الفهم تُوجِب النظر من زاويةٍ أوسع. انقضت حالة الهياج الناشئة عن حجم «طوفان الأقصى» ورسائله المادية والمعنوية، وعاد الوعى إلى التقدُّم؛ لحجز موقعه بين أهل السياسة الذين أُجبِروا عَرضًا على ارتداء سترات الجيش. انحسرت موجة الإسناد غير المشروط لآلة الاحتلال الفتّاكة؛ وتنمو موجةُ الرفض، شعبيًّا ورسميًّا، وإن كانت الحركة بطيئةً إلى الآن: زادت وتيرة التظاهرات، وهبطت مظلّة بايدن على ركيزة «حلّ الدولتين»، وتحدَّث مُمثّل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل عن الأوضاع الإنسانية وأولوية جهود الإغاثة، ودعت رئيسة وزراء فرنسا إلى هدنةٍ تُفضى لوقف إطلاق النار، وصار مُعتادًا أن تتردَّد رسائل أقلّ جنونًا على ألسنة أعضاء الكونجرس وفى منصَّات الإعلام؛ بل يبدو واضحًا الآن أن خطّة الاجتياح البرّى للقطاع تأخَّرت بضغوطٍ أمريكية. صحيح أن ذلك لا يعنى الانصراف عنها تمامًا؛ إلّا أنه يُشير على الأقل إلى انفضاض الإجماع، وأن نتنياهو لم يعُد يحوز «بطاقةً بيضاء» كاملة، فى مساعيه لشطب مليونى فلسطينى من الجغرافيا أو طاولة التسوية المُستقبليّة التى لا مفرّ منها.
 
المُشكلة أن الدائرة الغربية حبست نفسها وراء جدارٍ عالٍ؛ وليس ميسورًا عليها أن تقفزه بسهولةٍ لو أرادت. كان إسباغ توصيف «11 سبتمبر» على عملية غلاف غزّة مُؤشّرًا إلى انحراف القراءة والاستدلال: لقد حوَّلت اللغة المُلوّنة فِعلَ المقاومة؛ حتى لو تضمن بعض التجاوزات، إلى عملٍ إرهابى، وأقرّت للاحتلال بالسلطة القانونية والأخلاقية على أرضٍ مُغتصَبة، ثمّ شرعنت التطرُّف فى الردّ إلى حدِّ التعامى عن الاعتبارات الإنسانية ومُحدّدات النظام الدولى. كأنهم من تلك الذهنيّة كانوا يُقرّون مسارًا إلغائيًّا للآخر، ويُبشّرون بجريمةٍ مفتوحة، كما فى أفغانستان بغطاءٍ أُممىّ، وفى العراق ببلطجةٍ كاملة. وبالمثل فإن وصف «حماس» بالداعشية كان مُقدّمةً للحديث عن تصفيتها والقضاء على سُلطتها، وكان النظر إلى المشهد عبر الجبهة الأوكرانية مدخلًا للتوجُّس من انتصار حُلفاء موسكو فى الشرق الأوسط.. كل تلك التفاصيل تضافرت معًا لتدفع العربة الغربيّة على المُنحدر؛ حتى بات التوقُّف مستحيلاً، والعودة أكثر استحالة، ومُواصلة الرحلة لا بديل فيها عن صدامٍ عنيف. ولعلَّ الأجدى أن يردموا الحُفرةَ لتقليص فروق المناسيب، وإيقاف الاندفاعةِ الشرسة عند نقطةٍ مُتوازنة، لا تكون انتصارًا للعدوّ ولا انكسارًا للصديق، والأهمُّ ألّا تُقوّض حضورَهم فى المنطقة لصالح ترتيباتٍ مُستقبلية، ستتّسع كثيرًا عن جغرافيا غزّة، وستفوق بالضرورة قُدرات الفصائل الفلسطينية جميعًا.
ما فات لا يعنى أننا نقترب من مُقاربةٍ عادلة؛ فالولايات المتّحدة ما تزال على تمسُّكها بإدانة «حماس» وإقرار البطش الإسرائيلى، ولم تتوقَّف مساعيها عن محاولات انتزاع موقفٍ دولى مُساندٍ لتلك الرؤية؛ وربما تدفع بها وشيكًا إلى التصويت فى مجلس الأمن، على أمل تحييد روسيا والصين؛ فيمرّ القرار، أو استفزازهما فيرتفع «الفيتو» ويتساوى الجميع أخلاقيًّا؛ بالنظر إلى أن واشنطن أسقطت مشروعين سابقين؛ حتى بدا أنها تستمتع بالسباحة فى الدم.. لكن إذا كانت المُمارسة ثابتةً على حالها؛ فإنّ بواعثها آخذةٌ فى التغيُّر. كان الطرح الأوَّل محصورًا فى الاصطفاف مع إسرائيل إلى أن يتحقَّق النصر الكامل؛ ولعلّه فى القريب يصير اصطفافًا من أجل تجنُّب الهزيمة الكاملة. كأنّها تُخاطب تل أبيب: نحن معك بالصيغة التى تُريدينها؛ لكننا نرى أنه يتعيَّن عليكِ انتهاج هذه الطريقة؛ خصوصًا مع مخاطر انفتاح جبهة الضفّة أو تعقُّد الأوضاع على محور الجنوب اللبنانى.. سيُقابَل ذلك برفضٍ من الأُصوليّة الصهيونية القابضة على مقاليد السُّلطة والقرار، وقد تمضى الدولة العبرية إلى إنجاز خطّتها؛ من باب الوهم بالقُدرة على شَطب المُقاومة الغزّية المُسلّحة، أو الأمل فى امتصاص حرارة البيئة الداخلية وإطالة عُمر «نتنياهو» السياسى، وفى الأخير ستجد نفسها مُضطرّةً إلى الرضوخ؛ عندما يشتدّ التعرّى، وترتفعُ أصوات النقد، ولا يصير فى مقدور الإدارة الأمريكية أن تنثر مزيدًا من الغبار فى عيون العالم. وليس معنى ذلك أن «حماس» ستخرج فائزةً؛ إذ قد يُفضى التعقيد الراهن إلى إنعاش مُنظّمة التحرير مُجدّدًا، وسيُصعِّب على الحركة حجز مقعدٍ فى أيّة ترتيبات سياسية؛ بينما يرفضها المجتمع الدولى ويُشهِر فى وجهها ورقةَ الإرهاب.
 
أعمقُ التناقضات أنّ الغرب يتورَّط فى إنتاج سرديّةٍ يُفترَض أنه يُعاديها. هو فى أوكرانيا يُحارب الاحتلال، ويدعمه فى غزّة، وربما يتشدَّد فى الفوز هنا تعويضًا عن الخسارة هناك، ورعبًا من شبح الهزيمة المزدوجة؛ لكنه يتسبَّب من حيث لا يُريد فى توحيد الساحتين، حتى أن كل قذيفة يُلقيها على القطاع سيتلقّاها من سماء كييف. عقبةُ «حماس» أنها عضو فى فريق «وحدة الساحات»، وإلى الآن يبدو أنها تفرّقت؛ لكن التمادى فى الخشونة قد يُهدِّد بإعادة تجميعها.. يُمكن فى غفلةٍ من أحد اللاعبين أن يتحوَّل الإقليم إلى «قفص قتال»، ولأنه بيئةٌ مُنتجة للنزاعات بالطبيعة والتاريخ، فمن السهل أن يصير ميدان اختبارٍ مفتوحًا بين الشرق والغرب. إن كان حلفاء إسرائيل قادرين على تعطيل المنظومة الدولية؛ فالخصم الروسى ليس عاجزًا أيضًا، والتطرُّف فى الدعم يعصف بالمُدوّنة الأخلاقية، ويُقوّض فاعلية السباق على إقناع الرأى العام العالمى. ادّعاء جرائم الحرب سابقًا تطوَّر إلى تحريك مُذكّرة بحقّ «بوتين» أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإجرام تل أبيب اليوم يطال الفاعل والمُحرّض والداعمين؛ وإن تيسَّر الإفلات من الإدانة المُؤسَّسية؛ فعلى الأقل لن يظلّ وَصْم الروس فعّالاً، ولا إبراء الصهيونية قابلاً للتمرير المُخادع.
 
تتنازع واشنطن باقة رغبات: الدولة الصهيونية أهمُّ من أن تُترَك جريحةً أو عُرضةً للأضرار طويلة المدى، والمنطقة لا تحتمل المُغامرة بتَركها فى عين العاصفة، والمُنافسة التى تعقَّدت فى أوراسيا وبحر الصين الجنوبى تتزحزح ناحية البيئة العربية، وفاتورة البقاء أكبر من الإبقاء عليها دون خصمٍ أو تعديل. هكذا ستُساند إسرائيل إلى أن ترتوى من دماء غزّة، وتضع بوارجها فى مُواجهة الساعين لتوسعة الحرب، ولن تتهاون فى تحجيم طموحات موسكو وبكين، لكنها ستظل مُرتبكةً فيما يخص الإقامة أو الرحيل. الواضح أن وجودها يصنع الأزمات ويُعمِّق الكراهية، ومُغادرتها ستخنق مصالحها وتخلق فوضى استراتيجية، وعليها الاختيار بين أن تشغل الأرض وتصطلى بالرفض، أو أن تربح القبول وتخسر موطئ القدم؛ لكنهما لا يمكن أن يتحقَّقا معًا.. وأحسب أن سؤال «مُستقبل الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط» أخطر ما يُثار هناك الآن، وسيزداد استفحالاً بحسب التصوُّر النهائى الذى سيرسو عليه «نتنياهو» وائتلافه المُتطرّف بشأن الغزّيين.
يرى الاحتلال أنه لم يبدأ المرحلة الجادة من عمليّته حتى الآن. تجاوز عدَّاد الجثث 6 آلاف أغلبهم من النساء والأطفال، ولا دليل على إيلام «حماس»، ومع كثافة السكان وعشوائيّة القصف؛ يقع الاستهداف على المدنيّين لا على الحركة.. الغرض الواضح أن ينزف القطاع بكامله، وتُعاد بناء «صيغة الردع» من ركام المبانى وأكوام الجثث؛ ليكون الضرر عميقًا وغير قابلٍ للتعافى السريع، وحتى لا يُغامر الفلسطينيّون بتكرار المقاومة العنيفة.. هكذا لو تمسَّكت إسرائيل بالاجتياح البرّى؛ فسيكون غزوًا شرسًا ينتهى باحتلالٍ كاملٍ أو جزئى، أو بتقليص المساحة لصالح اصطناع منطقة عازلة جديدة، وإن نجحت إدارة بايدن فى إبعاد سيناريو التوغُّل، خوفًا من ارتداداته الإقليمية أو مخاطره الحقيقية على الاحتلال؛ فالبديل مزيدٌ من الضربات الجوية والحصار الخانق، وربما إعلان عدم المسؤولية عن القطاع؛ أى أن يصير مقبرةً جماعيّة إن لم يكن بالمتفجرات فبالجوع والعطش.. عند نقطةٍ مُعينة قد يتوقّف الغرب عن سداد الكُلفة الأخلاقية من رصيده الخاص، أو يُجبَر، عندما يقتنع أن عبء التراجع أهون من الاستمرار؛ لكنه حتى الآن لا يعرف سبيلاً إلى تجاوز مأزقه، ولهذا يبدو مُتخبّطًا ويُراهن على الوقت.
 
كُلّما توحّش البطش سيشتدّ ساعد «حماس». العدوان أنجح وسائل التعبئة والتجنيد للحركة؛ بالضبط كما كانت «طوفان الأقصى» طوقَ نجاةٍ لحكومة نتنياهو، بعدما أوشكت على التداعى أمام الرفض الشعبى لانقلابها القضائى. الغربيّون يعرفون ذلك تمامًا، واختبروه من قبل فى الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها. إنهم مدفوعون من جانبٍ لاستكمال المواجهة الأوكرانية فى غزّة، وساعون من جانبٍ آخر إلى تقوية موقف إسرائيل، ولا يُريدون أن تلتحم الساحات «شيعيّة الهوى» تحت راية قضيّةٍ عربية، عالية المقبوليّة والأثر العاطفى؛ لكن المخاوف نفسها يجب أن تكون الحافز على انتهاج سياسات بديلة. رأى البعض فى إرجاء تل أبيب للدراسة الجامعية حتى ديسمبر فقط، دليلاً على تراجع فُرص الحرب البرّية، التى لو وقعت فقد تمتدّ شهورًا؛ لكنه بجانب إشاراتٍ أخرى ربما يكون مُجرّد مناورةٍ للتضليل، وإعادة بناء حالة المُفاجأة. وفى كلّ الأحوال لن تحتمل المنطقة شهرين من الإبادة القائمة، ولا من تسخين البيئة الجاهزة للانفجار أصلاً، وقد صار جنرالات الصهيونية أكثر تطرُّفًا من سياسيِّيها؛ أى لا أمل فى التعقُّل وضبط عملية صناعة القرار داخليًّا.. المُهلة التى يُوفّرها الغرب لحليفته حتى تنفث دخانها كاملاً، تحمل مُخاطرة بأن يتطاير الشَّرر وتتّسع الحرائق، وعلى واشنطن أن تكون سريعةً فى مواقفها الأخلاقية، كما تُسارع فى ضخّ الأسلحة وإحباط مساعى الإدانة أو التهدئة.. مُحاولة الإيحاء باستقامة الضمير لا تنسجم مع المُراقبة الهادئة للمقتلة؛ فالارتباك تواطؤ صريح، والعجز عن الحسم مُشاركةٌ كاملة فى الجُرم.. الإنسانية ما تزال وراء السياسة، وإيقاع التصحيح أبطأ من طاحونة الدم، وإذا كان الغرب مُخلصًا لأُمثولته الحضارية؛ فعليه أن يُطابق المواقف على الشعارات، بسرعةٍ وإتقان؛ بدلاً من حشو بندقيّة القاتل ثم التباكى على قبر القتيل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة