وائل السمري يكتب: للحرب أيضا مكاسب.. ربحنا جيلا جديدا يعرف حقه وينتمي لأرضه ومعرفة جديدة بالشعب الفلسطيني العظيم ورموزا جديدة صرنا نتغنى بها وأصواتا جديدة في الفضاء العالمي وأصبح الآن عندنا "القاهرة الإخبارية"

الأحد، 29 أكتوبر 2023 06:18 م
وائل السمري يكتب: للحرب أيضا مكاسب.. ربحنا جيلا جديدا يعرف حقه وينتمي لأرضه ومعرفة جديدة بالشعب الفلسطيني العظيم ورموزا جديدة صرنا نتغنى بها وأصواتا جديدة في الفضاء العالمي وأصبح الآن عندنا "القاهرة الإخبارية"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا سبيل لتجنب الألم، لا سبيل من للإفلات من حصار الأخبار المصبوغة بالدم والرماد، لا سبيل لإيقاف هذا السيل المتدفق من عيون تفزع مما ترى، وتأسى لما تسمع، مشاهد نعجز جميعا عن مواجهتها، لكننا نواجهها كل يوم فيتضاعف الشعور بالعجز، ويتفاقم الشعور بالخذلان، وكيف لنا ألا ننتبه إذا كان لحمنا يقطع، ودمنا يسال، وأرواحنا تطلع إلى بارئها، وقلوبنا تعتصر مع كل قذيفة، وكل شهيد وكل كفن، لهذا كله لا أدين بأي صورة من الصور من يقول صادقا "لماذا تورطنا في هذا الحرب ما دمنا لا نستطيع أن نحسم المعركة؟" لكني في الوقت ذاته لا أعرف أن الثمن لابد أن يكون غاليا إذا كانت الغاية أغلى. 
 
لم تتحرر الأرض "الآن" لكن لماذا يبخل البعض علينا بأن نحلم أن تتحرر غدا؟ وكيف تتحرر أصلا إذا كانت القضية تحتضر والحقائق تغيب؟ والدعوات تنهال علينا ممن ينامون في أحضان العدو ويبشروننا بجمال رفقته الآثمة، ونعيم الإقامة الطوعية تحت أقدامه، نعم نعم لم تتحرر الأرض، لكن جيل جديد قد تحرر من أسر الدعاية الكاذبة، وغياب الوعي والروح والهدف، كسبنا جيلا جديدا، كنا نظن أننا فقدناه إلى الأبد، كنا نظن أنه ذهب إلى حيث لا ندري، ودون أن ندري أيقظت الحرب الدائرة الآن في أبنائنا جينات العروبة والنخوة والكرامة، أيقظت الحرب إيمانا كان مستترا بعظمة الجهاد في سبيل الله والوطن، أيقظت الشعور بالانتماء إلى أمة تتعرض إلى التشرذم، وإلى تاريخ يتعرض إلى التبديد، وهذا الأمر وحده من وجهة نظري بالطبع، يستحق أن يسال من أجله الدماء وأن نضحى في سبيل الوصول إليه بالغالي والنفيس، فخسران المستقبل يعني خسران كل شيء. 
 
خسرنا في هذه الحرب الكثير؟ نعم، لكننا كسبنا أيضا، عرف العالم كله أن مصر لا تموت ولا تغيب، عادت البوصلة إلى مركزها الأم، عاد الصوت المصري عاليا قائدا، وليس أدل على هذا من وقوف مصر قيادة وشعبا بقوة وصلابة أمام التحديات الدولية الكبيرة، كما أن العالم أجمع عرف على سبيل اليقين أن مصر دائما وأبدا هي الحامية للقضية الفلسطينية، وهي الدولة الأكبر رغما عن الجميع، ليس لأنها الأقدم أو لأنها الأكثر عددا، لكن لأنها الأكثر تضحية، والأكثر استعدادا للدفاع عن الحقوق العربية، والمستقبل العربي، والتاريخ العربي. 
كسبنا في هذه المعركة معرفة يقينية بأن الغرب ليس عادلا، وأن شعارات "حقوق الإنسان" ليست إلا رايات بالية يغرسها المجتمع الغربي في قلوبنا وقت الحاجة فحسب، فهذا العالم ذاته هو الذي يبارك الآن الممارسات الوحشية التي تمارسها إسرائيل، ولا يباركها فحسب، بل يساندها ويدعمها ويمدها بالسلاح والعتاد والتغطية الإعلامية المنحازة بسفور يحسدون عليه، هذا درس بليغ من دروس الزمن، تعلمناه بالدم والقهر، ووعيناه بأعيننا الدامعة وأرواحنا الممزقة. 
 
كسبنا في هذه المعركة أيضا معرفة جديدة بشعب فلسطين الآن، هذا الشعب الذي ما أن انقطعت أخباره بعد قطع الاتصالات والأنترنت حتى أيقننا أننا تائهين في الزمان والمكان، وكأنه صار بوصلتنا الحقيقية، فهو الذي علمنا أن نعرف عدونا فعرفنا فيما عرفنا أخوتنا، كما عرفنا أن هذا الشعب ليس مخلوقا من الطين مثلنا، لكنه مخلوق من جرانيت، شعب مسلح بالفطرة، سلاحه روح لم نر مثلها، وإرادة لم يعرفها التاريخ، سبعون عاما يقتل ويذبح وتنتهك حقوقه، سبعون عاما تقتل أطفاله وتسجن وتغتصب نساؤه وينزف شبابه وهو كما هو من الصلابة والإباء. 
 
كسبنا أيضا يقينا بحتمية تغيير النظام العالمي الأعور الأعوج، فقد شعرنا جميعا منذ اندلاع الأزمة بأننا محاصرون من كل اتجاه، مجلس الأمن يخذلنا، الرأي العام العالمي يخذلنا، الحكومات تخذلنا، مواقع التواصل الاجتماعي تخذلنا، صرنا في حاجة إلى تعريف المعرفات مرة أخرى، عالم يفتقد إلى أبجديات التعامل الآدمي، نقول لهم إن الدماء دماء، فلا يسمعوا، تعرض أمامهم صور الأطفال القتلى والأمهات القتلى والشباب القتلى فيحدثك عن "بربرية حماس" تتوصل إليهم أن يسمحوا فحسب بأن تمر المساعدات الإنسانية لكي نسعف المصاب ونكفن الميت فلا يستجيب أحد، وهو ما يؤكد أن هذا النظام كله بحاجة ماسة إلى التغيير، وأنه يسير إلى الزوال لأنه يهدم كل المبادئ التي أسس عليها بسفور ووضاعة. 
كسبنا في هذه المعركة أيضا فتاة تسمى "رحمة زين" تلك الفتاة التي اعترضت مراسلة قناة "السي إن إن" فأحدثت شرخا في موقفا، وأعلمت الجميع بأن الإعلام الغربي يضلل الجميع، فصارت حديث العالم، ظهرت تلك الفتاة من حيث لا ندري، لا لشيء إلا لتثبت أن مصر ولادة، ولتثبت أيضا أننا لا نعرف هذا الجيل حق المعرفة، فمن وسط مستنقع السطحية والتفاهة والتغييب، ظهرت "رحمة" لنا "رحمة "بنا" فتاة كاملة الأوصاف، علما وثقافة وقوة ووعيا وحضورا، تكلمت "المرأة" فسمعها العالم، وصدقها العالم، لأنها تكلمت من قلبها العامر بالحب والعلم والوعي والانتماء.
 
كسبنا أيضا من ضمن ما كسبنا قناة "القاهرة الإخبارية"  التي أثبتت أهمية أن يكون لمصر سلاح أعلامي يخاطب العالم العربي بلسان مصري مبين، ويدافع عن الشعب العربي بقوة وصلابة واحترافية ويتوغل إلى عمق الحدث ليظفر بالحقيقة ليبلغنا بها كما هي، وفي الحقيقة فقد خاضت هذه القناة الوليدة اختبارا كبيرا فأثبتت أنها ولدت عملاقة، كما أثبتت أن مصر تستطيع أن تصل في أشهر إلى ما وصل إليه الآخرون في عقود بإمكانيات أقل بالطبع، وقد وصل إعجابي بهذه القناة العفية بأن ضبطت نفسي متلبسا بتحريف أغنية أم كلثوم العظيمة "أصبح الآن عندي بندقية"  التي كتب كلماتها "نزار قباني" ولحنها "محمد عبد الوهاب" بأن أجعلها "أصبح الآن عندي إخبارية".
 
كسبنا أيضا في هذه الحرب رموزا وطنية جديدة، وقد عشت عمري كله أبحث عن إجابة شافية كافية لمعنى كلمة "رمز" حتى تيقنت الآن من أن الرمز هو ذلك الأسم الذي يستدعى في عقلك معنا كاملا، إذ يتحد الاسم والمعنى في شكل واحد، فنقول مثلا "الطفل حنظلة" حينما نقصد أطفال الحجارة في فلسطين، ونقول "أبو زيد الهلالي" حينما نقصد قيم الشجاعة والإقدام، وكهذا صار "يوسف أبو شعر كيرلي" رمزا للطفولة المغدورة، وصار أبو عبيدة صوتا للحق والكرامة والمقاومة، وصار "عمر ..أحكي لا إله ألا الله" رمزا لمستقبل قوي ومثابر، وصار "شباب المعبر" رمزا للقوة ونصرة الحق، ناهيك عن تعاملنا الآن مع قادة المجتمع الغربي والإسرائيلي كرموز للشر الحديث بعد أن تفوقوا على أعتى الرموز القديمة مثل نيرون وهتلر والنمرود. 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة