حازم حسين

دولة وظيفية تقف على أبواب الجحيم.. إسرائيل بين انتهازية الساسة وجنون الجنرالات

الإثنين، 30 أكتوبر 2023 02:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إسرائيلُ ليست دولةً طبيعية. لا أقصد الإلغاء القانونى على طريقة المُستمسكين بوصف «الكيان الصهيونى»؛ إذ إنها تظلّ بلدًا مُعترَفًا به وعضوًا بالأمم المتحدة؛ إنما المعنى أنها «دولةٌ وظيفيّة»، يتحدَّد حضورها وتحالفاتها ومدى تحرُّكها فى ضوء ما تلعبه من أدوارٍ مُنسَّقة، وتظلّ تحت الوصاية العميقة؛ وإن بدا أنها مُستقلّة فى خياراتها، أو بالغ البعض فى القول إنها تُدير رعاتَها وتتحكُّم فيهم.. التداعى المُعجَّل من الغرب إلى إسنادها بعد هجمة المقاومة من قطاع غزّة، والغطاء السياسى الذى أرخاه على جرائمها رغم كُلفته الأخلاقية، والتجهُّز للانخراط الميدانى إلى جانب جيش الاحتلال، تُؤكّد كلُّها أنها قاعدةٌ مُتقدّمة أكثر من كونها حليفًا على شرط الندّية والتكافؤ. كان غرضها فى البداية أن يتخلَّص الغرب من رواسب الحركة الصهيونية، وأن تكون قطعة الحلوى التعويضية عن شعور الذنب تجاه اليهود، ثم صارت مُرتكَزًا عسكريًّا  وأداة للمثول المباشر فى منطقةٍ مُلتهبة. وكانت المُفارقة الساخرة أن يقول بايدن: «لو لم تكن إسرائيل موجودةً لاخترعناها»؛ رغم أنهم هم الذين اخترعوها فعلاً. أمَّا من الجانب الآخر، فإنها تبدو عاجزةً عن اتخاذ قرارات مصيريّة جادةٍ باستقلالٍ عن الداعمين، والمثال الأبرز يخصّ خطّة الاجتياح البرّى للقطاع؛ وقد أرادته «تل أبيب» سريعًا وشاملاً وشديد البطش، ولم تُرده واشنطن، إلى الآن على الأقل.. النتيجة أنّه تأخَّر بإملاءٍ من الخارج، رغم محاولات الإيحاء بالإرجاء من أجل التحضير، وبأن الذين يتوافدون من عند الحليف الأكبر على غُرفة العمليات، إنّما يخدمون الرؤية الإسرائيلية ولا يُديرونها بحسب رؤاهم.
 
وصلت وحدة العمليّات الخاصة الأمريكية «دلتا» إلى تل أبيب، ولها سوابق نجاح فى العراق، وسوريا، وأمريكا اللاتينية، وسوابق فشل فى الصومال، وأفغانستان، وإيران، وسبقها جنرالٌ بارز مع فريقِ مُعاونين مُختصّين فى حروب المدن. كانت الولايات المتّحدة قد طرحت مسارين للعملية المُقترَحة: إمّا مُواصلة الضربات الجوية الشاملة مع تنفيذ هجماتٍ ميدانية مُوجَّهة، أو اقتحام القطاع بالوحدات المُدرَّعة من عدّة محاور؛ مع ترجيحها الخيار الأول لناحية أنه أقلّ فى الكُلفة، وأنجع فى إنجاز الهدف المطلوب. طبيعة التعزيزات الأخيرة ربما تُرجّح انتصار وجهة نظر واشنطن، على رغبة الجنرالات الإسرائيليين فى الهجوم الكاسح مهما كانت التكلفة. وإذا أضفنا ما يُثار عن تردُّد «نتنياهو»، ونشاط مُقرّبين ومُستشارين سابقين له فى انتقاد فكرة إقحام القوات البرية فى الحرب على نطاقٍ واسع؛ فربما نكون إزاء تحوُّلٍ نسبىّ فى الموقف داخل الحكومة. ليس معنى ذلك أنها مُنحازة للتعقُّل وتهدئة اللهجة؛ ولكن أن صيغة الإجماع التى طغت بعد «طوفان الأقصى» لم تعد على حالها، وأصابها التشقُّق، وقد لا تمضى المُواجهة وفق السيناريوهات التى طُرحت فى بادئ الأمر؛ ومن ثمّ فإن أى خيارٍ سيكون له رافضون داخل الجيش، أو فى قلب السلطة السياسية.
 
حاولت قوَّة مُدرّعة أن تخترق القطاع من ناحية كيسوفيم شرق خان يونس قبل أسبوع، فيما يبدو أنه كان تجربة «استطلاع بالقوّة» لاختبار خطّ الدفاع الأول لقوات «حماس»، ونوعيّة الأسلحة وتمركزاتها ومستوى المقاتلين؛ لكنها قُوبلت بكمينٍ مُحكمٍ قتل جنديًّا وأصاب ثلاثة وأعطب دبّابة وجرّافتين، بحسب خُلاصة بيانات الحركة والاحتلال. وتجدَّدت المحاولة مساء الأربعاء من دون اشتباكات، ثم مساء الخميس ووقع التحامٌ مع عناصر القسام، ثم بصورة أشرس طوال ليل الجُمعة؛ انتهت إلى التراجع عن أغلب المساحة التى تمدّدت فيها.. ربّما تكون كلها جولات استكشاف لجمع المعلومات ورسم خريطة مُحدَّثة للميدان، يتبعها توغُّلٌ واسعٌ نزولاً على ما يُريد وزير الدفاع يوآف جالانت ورجاله، أو تكون إحماءً لتفعيل مسار الهجمات الجراحيّة ضد أهداف دقيقة تحت غطاء الطيران والمدفعية.. المهم أننا بعيدون بمسافةٍ واضحة عن محطّة التهدئة؛ إذ لم تُحقّق إسرائيل غايتها فى تصفية المُقاومة، ولم تُعِد بناء حالة الردع، أو تقبض على «صورة النصر» التى تريدها لاستعادة التوازن النفسى وترميم الجبهة الداخلية. إدارة «بايدن» مشغولة بالرهائن أكثر من انشغالها بالثأر، ومُتوجّسة من انفلات زمام الصراع إلى مُواجهةٍ إقليمية شاملة؛ لذا تحضر فى الميدان لتنسيق مستوى الردّ؛ لكنها تُطبِّب الجُرح الصهيونى فى الوقت نفسه، فتُهدّد خصوم الطوق والذين وراءهم، وتُغلِظ فى الرسالة بضرباتٍ مُباشرة لارتكازات ومخازن أسلحة، وتقول إنها تنصح ولا تُملى على «تل أبيب» ما يجب فعله. وبعيدًا من الرسائل الإعلامية، لا يُمكن تجاوز أنَّ تعطُّل الاقتحام ثلاثة أسابيع كان قرارًا من البيت الأبيض لا من الكابينت.
 
ما قاله الأمريكيون إنهم لم يجدوا خطّة مُقنعةً ولا هدفًا عسكريًّا واضحًا. طبيعةُ العملية المقصودة تُوجِب أن يكون السيناريو مُكتملًا ومنطقيًّا: حجم القوّة ومهامّها، أهداف المعركة ومُدّتها، والنقطة التى يمكن التوقُّف عندها، وأخيرًا ماذا يحدث فى اليوم التالى؛ وهذا أخطر ما فى المسألة. اندفع النازيّون من حكومة نتنياهو فى حالة اللوثة؛ فوضعوا أهدافًا نهائيّة غير موضوعيّة، ومُستحيلة التحقُّق، ثم حشدوا أقصى تعبئة للاحتياط فى تاريخهم دون اهتمامٍ بجاهزيتهم للمطلوب أو قدرتهم عليه، ويرون أنهم سيُنهون سُلطة «حماس» وهم لا يعرفون حجم قوّتها ولا خريطة انتشارها. يسهُل الدفع بآلاف الجنود ليُحرِقوا القطاع ويحترقوا فيه؛ لكنّ أحدًا لم يقُل لهم متى بالضبط يُمكن الجَزم بإنجاز المهمّة، وهل سيعودون من الطريق نفسها؟ أم سيظلّون عالقين فى المُستنقع؟ وإن زادت خسائر الجيش فكيف يُمكن إنقاذه، مع صعوبة دكّ القطاع بمَن فيه من الطرفين؟ الاجتياح البرّى ضرورةٌ إسرائيليّة مُلحّة لأسبابٍ عدّة: أهمّها أنْ يستنقذَ اليمينُ نفسَه لأطولِ فترةٍ مُمكنة، ويُثبت جدّية التحرُّك نحو هدفه المُعلن بتصفية «حماس»، كما أن من دونه تكون الحرب الحالية مُواجهةً عابرةً كسابقاتها من 2008 حتى 2021. لكنّ الخوف أن يتطوَّر إلى محنةٍ جديدة؛ بدلاً عن أن يكون مَخرجًا من المحنة القائمة.
 
اكتشفت الدولة العبريّة هشاشة جيشها، وضعف كفاءة الاحتياط؛ فجاء الأمريكيّون ليسدُّوا الثغرات. إن حدث الاجتياح الشامل لن يردَّ الحُلفاء الرصاص والقذائف عن الجنود غير المُؤهّلين لحماية أنفسهم، ولن ينقذوهم من الموت والفشل، وإن تسيَّدت فكرة الهجمات الخاطفة؛ سيظل عشرات آلاف المُحتشدين فى غلاف غزّة مُعطّلين، بروحٍ معنويّة جريحة وكُلفةٍ اقتصادية باهظة. اضطرّت «تل أبيب» إلى ضخ نحو 40 مليار دولار من الاحتياطى النقدى خلال أول ثلاثة أسابيع؛ للسيطرة على نزيف «الشيكل» وارتباك سوق المال، وتتراوح تقديرات فاتورة الحرب اليومية بين 300 و500 مليون دولار، وكلَّما طالت المُدّة واشتدّت الهجمة تضاعفت الخسائر، وتعطّلت عجلة الإنتاج التى انصرف عنها العاملون إلى الجبهة.. الحصار يخنق الفصائل فى القطاع؛ لكنه يخنق إسرائيل أيضًا، وعند نقطةٍ مُعيّنة لن يكون الاستمرار مُمكنًا، ولا الانصراف سهلاً، ولعلّ الرهان على نفاد مخزون الأنفاق لا يخلو من رومانسية بائسة؛ إذ اختبر الغزّيون قحطًا أكبر من هذا على مدى خمس عشرة سنة، والأكيد أنهم تحضّروا له بين باقة الاحتمالات التى خطَّطوها لما بعد هجمتهم القاسية.
 
كان «جالانت» مع إعلان الحرب على جبهتين: هجوم على غزّة وضربة مباشرة لـ«حزب الله». رفض نتنياهو المُغامرة فى جنوب لبنان، ثم طلبت واشنطن إرجاء القطاع لحين ترتيب أوراقها، وأهمها استكمال بنائها لمنظومة الرصد والهجوم؛ تحسُّبًا للردود المُحتملة من حلفاء «حماس». يومًا بعد يوم يزيد منسوب التردُّد الأمريكى، وتهتزّ الثقة فى المُؤسَّسة العسكرية الإسرائيلية، وينمو إحساس «محور الممانعة» بالقوّة والتأثير. تحوُّلات المُعادلة النفسية قد تُغرى الجبهات التى كانت هادئةً بالتصعيد؛ بمعنى أن الارتباك فى «تل أبيب» يُترجَم مزيدًا من الثقة على الجانب الآخر. وبنك أهدافهم الذى كان مقصورًا على منع تصفية المقاومة، ربما يتطوّر إلى الردع الاستباقى عن مُجرّد المحاولة، أو جعلها فخًّا داميًا لا تُحتمَل كُلفته. حتى الآن تظلّ المناوشات الشمالية مصلحةً مشتركة للفريقين؛ إذ يتبادلان الرسائل من خلالها تحت السقف المقبول، وتُعبّر إسرائيل عن قوّتها ويُوحى حسن نصر الله بأنه ظهيرٌ للقضية ولم يترك القطاع بمفرده. لكن «الرصاصة الفارقة» تزيد احتمالاتها كلَّما تنامى إيقاع الأخذ والردّ، وقد تنقلب الأحوال فى لحظةٍ بالقصد أو بالخطأ.. خسارة المحور الشيعى للحزب لا تقلّ فداحة عن الحرب المُباشرة، وإذا استشعر خطرًا حقيقيًّا على «البيدق المُتقدّم»؛ فقد يدفع بالملك وبقيَّة القطع إلى قلب الرقعة.
 
إذا استبعدنا فرضيّة الصدام الكامل، وإذا توافر الظرف المُلائم لعمليّة برّية مُريحة فى غزّة؛ فإن المُعضلة تظل قائمةً مع حجم تشعُّب «حماس» فى الجغرافيا والديموغرافيا. تملك الحركة قاعدة عضويّة تفوق 5% من إجمالى سكان القطاع، منهم آلاف المُقاتلين المُدرَّبين تدريبًا عاليًا، ولا قاعدة بيانات كاملة تضمن الفرز الجاد بين الأعضاء وعامة المدنيِّين. فضلاً على مخزون ضخمٍ ومُتنوّع من الأسلحة، وشبكة أنفاقٍ مُتدرّجة الأعماق، بما يصل إلى 60 مترًا تحت الأرض، وبأطوالٍ إجمالية ربما تتجاوز 500 كيلومتر، ويصعب اقتحامها وتمشيطها؛ لأنها بُنيت بالتأكيد تحت هذا الاحتمال، ومن ثمّ فالبديل إغراقها مع صعوبة ذلك لوجستيًّا، أو استخدام أسلحة كيميائية مع فداحة الأثر الأخلاقى والقانونى.. هكذا يبدو أن استئصال عشرات الآلاف ليس منطقيًّا، ولو تجاوزت إسرائيل المسألة الإنسانية واتهامات الإبادة، كما أن حرمانهم من المخابئ ومراكز القيادة والسيطرة ليس بالسهولة المُتخيَّلة؛ ومن ثمّ فإن الاجتياح البرّى سينتهى إلى تبييض الوجه واستعادة الكبرياء شكليًّا، وفق أفضل الظروف، مع فاتورةٍ باهظة من أرواح الغزّيين. وتلك الخلاصة قد تُفضى إلى تقليص حجم العملية فى الأرض والزمن، بما لا يتجاوز عدّة أسابيع من الضربات الجراحية، ومُناوشات مُتقطّعة من جهة البحر، وطوقًا عازلاً لا يتخطّى كيلو مترين إلى ثلاثة، وربما يكون ذلك فى نطاق النصف الشمالى فقط.. وتظلّ للميدان إغراءاته؛ فقد تتصدّع الفصائل على نحو ٍغير مُتوقَّع، أو تجرّ غريمها بخطّةٍ محسوبة لتوسعة انتشاره؛ ثم استنزافه لمدىً طويلٍ فى «حرب شوارع» مفتوحة.
 
الشواهد تُرجِّح الذهاب إلى عمليّة برّية؛ لكن الخلاف على فلسفة الهجمة، وعلى طريقة إنهائها لا موعد إطلاقها. اليوم الذى يتوقَّف فيه الرصاص تبدأ الحرب الحقيقية: إن بقيت «حماس» فقد انتصرت معنويًّا وماديًّا، وستكون الارتدادات الاجتماعية والسياسية عنيفةً للغاية فى البيت العبرى، وإن أُزيلت فالامتحان أشدّ صعوبة؛ إذ لن يكون الاحتلال الدائم حلًّا عمليًّا، مع ميراثٍ عميق من الدم والغضب، ولا الانصراف بديلاً آمنًا من دون إدارةٍ شرعيّة مقبولة شعبيًّا. السلطة لن تتسلَّم القطاع تحت العلم الإسرائيلى، والغزّيون لن يقبلوا حاكمًا من فئة «الطابور الخامس»، والفصل بقوّاتٍ دولية أو إقليمية يغلّ يد «تل أبيب» عن إنفاذ المُخطَّطات المُعلنة والمُضمَرة، سواء إعادة هندسة ديموغرافيا الشريط الضيّق، أو تطويقه بحصارٍ يخنق فُرص الحياة وبناء القوّة مُجدّدًا، والأهمّ أنه يجعل العمليات العسكرية خارج قدرتها مُستقبلاً، أو يُهدّد بصداماتٍ مع المُنظّمات والدول المسؤولة عن الترتيبات الأمنية.. تبدو الحسابات جميعًا أقرب إلى الانفلات، ويزداد القلق مع النظر إلى التفاعلات المُحتملة فى بيئاتٍ أُخرى شديدة السخونة والخطر.
 
صار معلومًا أن حكومة اليمين المُتطرّف تضع عينًا على «غزّة» والثانية على جنوب لبنان. رُفِضت خطّة فتح الجبهة الشمالية من أجل التفرُّغ للقطاع، لكنّ «حزب الله» يعلم أنه سيكون المحطّة التالية حالما تكتمل المهمّة ضد «حماس»؛ ما يجعل سلامة الحركة مسألةً وُجودية لقادة الضاحية، وشرطًا ضامنًا لبقاء وفاعليّة المحور الشيعى بكامله. إن كان الصمت خيارًا عاقلاً اليوم على أمل تبدُّل الأوضاع، واستكشاف المآلات، فإنه سيكون انتحارًا إذا أشرفت المُقاومة الغزّية على الفناء. يتطلّب ذلك أن تتدخَّل واشنطن لكَبح الاندفاعة الصهيونية، وإجبار حليفتها على إعادة برمجة الأهداف بتوازنٍ دقيق؛ ويبدو أنها تُنجز ذلك بنعومةٍ وبُطء. المطلوب إعطاب الجبهة الفلسطينية إلى حدّ ألّا تكون مصدرًا للخطر، وليس التنكيل بها بما يستفزّ بقيّة الجبهات للانتفاض دفاعًا عن نفسها.. القوّة الأمريكية الغاشمة لن تنزل بالمواجهة من الفوضى والصخب إلى مستوى النُزهة الهادئة، وتبديد الأمل فى النجاة ولو بجراحٍ غائرة وإعاقة طفيفة، يجعل الصبر مُرادفًا للموت، ويُساوى بين التعقُّل والجنون.. ومن هنا لا تبدو تهديدات الأمريكيين، ولا غاراتهم الجوّية فى سوريا وغيرها، تمرينًا على الخشونة أو استعدادًا فعليًّا لحربٍ شاملة، بقدر ما هى مُحاولة للردع الرخيص وإزاحة شبح الصدام بعيدًا.
 
تظلّ كل التصوُّرات رياضةً ذهنية؛ إذ الغابة مُشتعلة ولا أحد يُمكنه التنبّؤ باتجاه الريح. خطوةٌ واحدة غير منضبطة يُمكن أن تُغيّر المسار، وقد يصير الأمريكيّون لطارئٍ ما أكثر يمينيّةً وتطرُّفًا من «كابينت نتنياهو» وجنرالاته المخابيل، وقد يتلقّى «المُمانعون» مزيدًا من الضربات دون ردٍّ أو تصعيد. الثابت الوحيد أن إسرائيل لا تقبل «حماس» فى تصوُّرها الجديد للصراع، ولا تملك القدرة على إطاحتها نهائيًّا خارج المشهد. وأنّ حلفاء الأولى يدعمونها بما يفوق الدعم الذى تُحصِّله الثانية من حُلفائها، والنصر الذى تسعى إليه تل أبيب ما يزال بعيدًا؛ لذا فالحرب ذاهبةٌ إلى جولات إضافية، ستحكمها تطوُّرات الميدان أكثر من رغبات أطرافها المُسبقة.. التوغُّل آتٍ ولو لبضعة مترات، و«غزّة» باقية مهما اشتدّ القصف وتوحَّشت أنشطة الإبادة والعقاب الجماعى، والقضية تجاوزت توهُّمات التصفية العنيفة أو الإزاحة الناعمة وراء الاقتصاد واتفاقات التطبيع، والحل الأخير فى صندوق السياسة؛ بعدما يكتشف الواقفون على باب المحرقة، أنهم مربوطون معًا قدمًا إلى قدم، وأنّ النار لو اتَّسعت لن تستثنى أحدًا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة