بذكاء بالغ تم تجريبه على مدى عشرات السنين، أطلق نتنياهو، نبؤة أشعياء، لأهداف محددة استطاع بالفعل تحقيقها.
أولها استنهاض الصهاينة في أمريكا والغرب ضد مظاهرات اليهود في كثير من دول العالم ومنها إسرائيل ذاتها، حيث إن اعتراض اليهود على سياسة إسرائيل بل وعلى وجود إسرائيل أصلا، كان بمثابة الخنجر، ليس فقط في ظهر نتنياهو وخططه بتهجير أهالي غزة، بل في ظهر الفكرة الصهيونية وهي أساس دولة إسرائيل التي تدعي أنها أنشئت من أجل اليهود.
أما الهدف الآخر لنتنياهو فقد تكفل بعض الإسلامويين بتحقيقه، فذهبوا بغباء بالغ وفقا لإشارة نتنياهو ليبحثوا في التوراة عن أشعياء.
بل وتمادى بعضهم باتهام المسيحيين بأنهم يؤمنون بنبؤة أشعياء، ما يذكرنا بتحريمهم الترحم على الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي قتلها الاحتلال، بل ورفض تسميتنا لها بالشهيدة لأنها مسيحية، فلا يجوز الدعاء لها بالرحمة على حد قولهم.
ثم انخرط الإسلامويون في تفنيد سفر أشعياء وما جاء به من نبؤات دموية تنصب على المصريين والعرب من النيل إلى الفرات، بل والرد عليها بآيات من القرآن الكريم.
وهكذا يضرب نتنياهو عصفورين بنبؤة أشعياء، فيرمم الانقسامات في جبهته، وفي نفس الوقت ينقلها إلى جبهتنا، ويضع الشرك في طريق حركة التضامن التي أصبحت إنسانية تشمل العالم كله، وسببها المشاعر الإنسانية التي لدى كل الناس بغض النظر عن دينهم، فيقسمها إلى "مسلمين ومسيحيين وعلمانيين و.. ألخ"، ليعود كل متضامن مع القضية الفلسطينية بسبب مشاعره الإنسانية، إلى رؤسائه الدينيين ليعرف: هل التضامن مع فلسطين حرام أم حلال؟، فيحد بذلك من حركة التضامن بتضييق مرجعيتها، ويعطي للصهاينة في الغرب وأمريكا الفرصة والوقت للتأثير على الرؤساء الدينيين وغير الدينيين، ليؤثروا بدورهم على الناس.
بل أصبح بعض المسلمين ينتظرون نهاية دولة إسرائيل وفقا للمواعيد والعلامات التي ينشرها الإسلامويون الآن، فتتعلق مشاعرهم وحركتهم بهذه العلامات والإشارات، بعد أن كانت متعلقة بالنيران التي تصب على رؤوس أبرياء غزة، والتفكير في كيفية مسعدتهم في مواجهة إسرائيل.
وقد تشابك كل هذا مع عوامل أخرى، فشهدنا بعد تصريحات نتنياهو، هدوءا نسبيا في الاحتجاجات ضد إسرائيل، في جميع أنحاء العالم، بل وفي المنطقة العربية والإسلامية.
وأنا شخصيا لست ضد التنبؤ، لكن ليس على طريقة الإسلامويون، ولكني مع التنبؤ العلمي، بسؤال أهل الذكر فيما لا نعلم، وأهل الذكر في حرب غزة، كالتالي:
1- أهالي غزة أنفسهم، وقد تعمدت أن أضيف في العنوان كلمة سفر إلى غزة، لأن معنى السفر في التراث اليهودي "وكنت قرأت الجزء الأكبر من التراث اليهودي منذ فترة كبيرة وليس استجابة لإشارة نتنياهو"، أقول إن معنى السفر هو الأحداث التاريخية، وأهالي غزة وفلسطين عامة الآن إذا دققت النظر، تجد أنهم بما اكتسبوا من صفات في صراعهم المرير، أصبحوا هم الأكثر قدرة بين كل شعوب الأرض على كتابة التاريخ وتغيير مساره بدمائهم.
2- الدكتور عبد الوهاب المسيري، وهو العالم المصري الجليل، صاحب العمل العلمي الجبار "الموسوعة الصهيونية"، والتي كتبها بعد عشرات السنين من البحث والقراءة والمقارنة والكتابة، لكي ينتج لنا هذه الموسوعة ليستعين بها العرب في فهم الصهيونية ما يجعلهم يعرفون كيفية القضاء عليها. وقد تنبأ المسيري قبل وفاته بسنوات قليلة "توفى عام 2008"، بسقوط دولة إسرائيل قريبا.
3- وكالة المخابرات الأمريكية: أصدرت وكالة المخابرات الأمريكية في عام 2010 تقريرا تتنبأ فيه بزوال دولة إسرائيل، وأرجعت الاستخبارات الأمريكية أسباب السقوط إلى عوامل عديدة، أهمها أزمات الهوية بين الطوائف والمجموعات اليهودية، وهي الكوارث التي يحاول نتنياهو تصديرها لنا، ومن قبل نتنياهو وإسرائيل يحاول الغرب منذ بداية عهد الاستعمار زرعها فينا، ودائما يكون الإسلامويون "لعنهم الله" من أهم أدوات صناعة الكارثة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة