يعيش «فوهرر تل أبيب» أواخر أيامه؛ كأنها حكاية هتلر تُعاد باختلافاتٍ بسيطة. النازى الأول أشعل الحرب ثم انتحر، وخليفته الصهيونى انتحر أوّلاً ثم شرع فى ترتيب المحرقة. كانت مسيرة بنيامين نتنياهو إلى حتفه بطيئةً ومحفوفةً بالحماقات: السلطة الطويلة التى ما هذّبت طيشَه؛ بل عظَّمته، والفساد الذى صار قيدًا يجرّه إلى مزيدٍ من الدموية والتوحُّش، ثم كانت الضربة القاتلة عندما تحالف مع نسختيه التوراتيّتين «بن جفير وسموتريتش»، والرصاصة الأخيرة بإعلانه الحرب على ركائز الدولة الهشّة، عبر مشروعه الذى أسماه «الإصلاح القضائى» وكان فى جوهره قضاءً على القضاء؛ لينجو ولو على حساب أن يغرق الباقون.. خالفه ربيبه يوآف جالانت فى الخطّة فأقاله، واشتعل الشارع فأعاده، ويقفان اليوم معًا شاهدين على تجريد إسرائيل من وجهها المراوغ، وتسليمها بفُحشٍ وصفاقة إلى وجهها القبيح. ما كانت عداوةً مع عضو حزبه وقد تعهّده بالرعاية ضابطًا وسيطًا قبل ثلاثة عقود؛ إنما كانت إشارةً إلى تحلُّل السياسة وسيولة الأيديولوجيا، وغَلبة التلمود على الدستور غير المكتوب. المهمّ أن «الفوهرر بيبى» اليوم يحرق غزّة واهما أنه سيعبُر فى ضوء نارها؛ ولا يعلم أنه جثّة مُتحرّكة، يشمّ العالم رائحتها، ويتأخّر مواطنوه عن دفنها بأثر المُفاجأة واللوثة؛ وليس لأنهم يرون طاغيتهم المخبول، يستحق نهايةً تختلف عن خاتمة عدوّهم الأكبر فى أقبية برلين.
قبل ثمانية عقود كان رأس النازية فى خندقه، وأعداؤه يتمدَّدون فى الشوارع. أمَّا رأسها اليوم فيشغل موقعه فى قلب مجلس الحرب، بينما الخصوم يسكنون الأنفاق العميقة؛ لكن نهاية الاثنين واحدة تقريبًا. يقولون إن الأوّل كان يُنكّل بالضحايا على الهويّة والدين، ويثبُت عمليًّا أن الثانى يقتل الفلسطينيين لمجرد أنهم ليسوا يهودًا، ويتساوى لديه المسلمون مع المسيحيين والذين يسكنون وراء الخطّ الأخضر ويُشاركونه الجنسيّة نفسها، وقد شجّع بعضُ فريقه المُتطرّف على اقتراح قانونٍ يُجرّدهم منها.. إن كانت العِلّة فى الاستعلاء والتطهير العرقى وإعمال القوّة الغاشمة فى رقاب الآمنين؛ فلا فارق بين النازى والصهيونى: بين هتلر ونتنياهو، ولا فارق بين الذين قِيل إنهم طُرِحوا فى أفران الهولوكوست، والذين يواجهون المحرقة الآن فى «غزّة». بل إن المجنون الجديد يبدو أكثر انحطاطًا وهو يتحدّث عن أخلاقية الجيش الإسرائيلى، ويزعم ببجاحةٍ أنه الأكثر التزامًا بالقوانين الإنسانية، ثمّ يزيد مُستشاره أوفير جندلمان بالقول إن «حماس» هى التى عليها الاعتذار عن قتل إسرائيل للغزّيين الأبرياء. كأنه إجرام مُركَّب، يقتل ويكذب، ويحتمى فى تشوُّهات النظام العالمى وغطرسة الحليف الأمريكى.
المسألةُ الأصليّة تخصّ الاحتلال؛ لكنهم يُحاولون الإلهاء عنها لصالح تكييف الصراع على وجهٍ مُصطنع. روّجت الدولة العبرية سرديّة الإرهاب، واندفعت واشنطن لتحصين العدوان تحت لافتة «حقّ الدفاع عن النفس»، وما زالوا يستميتون فى إبعاد الرواية الحقيقية: الأرض مسروقة ويحقّ لأهلها أن يتمرّدوا ويجتهدوا فى استعادتها، ولا تستقيم صيغة المدنيّة والأُصوليّة طالما ظل الاحتلال قائمًا. وبعيدًا من شيطنة الضحايا وأنسنة المُعتدين؛ تبدو المفارقة فى زاوية النظر إلى المقاومة والقطاع؛ إذ فى أوقات التهدئة يعتبرونهم رهائن خاضعين لسلطة الأمر الواقع، وفى لحظة النزاع يجعلونهم دولةً يصح أن تُعلَن عليها أشرسُ الحروب. وقد نجحت آلة الدعاية الصهيونية فى تسريب تخليقاتها إلى البيئة الدولية؛ حتى صار شائعًا أن تُعرَّف الفصائل المُسلّحة بمُفردات «الميليشيات الإرهابية»، كما يتردَّد فى مجلس الأمن وكثيرٍ من العواصم الكبرى، قافزين على حقيقة أنهم لا ينشطون فى حدودٍ شرعيّة للعدو، بل فى أرضهم السليبة، ولا يخرقون ركائز السياسة والقانون؛ وقد ألغت «تل أبيب» السلطة الوطنية الفلسطينية ومفاعيل اتفاق أوسلو عمليًّا، بل إنها راهنت على المقاومة لسنوات؛ من أجل شقّ الصف وخلخلة الإجماع؛ حتى تستثمر فى الانقسام وتدّعى غياب الشريك الجاهز للتسوية.
جاء المُحتلّ ثمّ جاءت المقاومة. ولأنه يتمادى فى قَضم الأرض وإلغاء ساكنيها، يتشدَّد الفلسطينيون فى الدفاع عن وجودهم. المُعضلة أن إسرائيل دولة يمينيّة بكاملها؛ حتى يسارها الأكثر راديكالية لا يبتعد كثيرًا عن الركائز الأصولية لدى الحاخامات واليمين السياسى. لقد تأسَّست على رؤيةٍ توراتية خالصة، واليساريّون الذين بنوها لم يروا مُشكلةً فى الاحتلال والقتل وترويج نظرية «الحقّ التاريخى لليهود»، بل إن «رابين» الذى أبرم اتفاق السلطة الفلسطينية مع عرفات لم يكن ينوى إكماله، وأرجأ أمورًا مرحليّة مُهمّة لتكون بين قضايا الحلّ النهائى، وظلّ يحلم بأن يستيقظ من النوم ليُخبروه أن «غزّة» ابتلعها البحر. على هذا المعنى لا يُؤمن الإسرائيليّون جميعًا، رجعيِّين وتقدُّميين، بحقّ الفلسطينيين فى الاستقلال والتمثيل القانونى الكامل، وأشدّهم إنسانية قد يدعو إلى ما يُشبه تحسين شروط الاستعباد. هكذا يتعطَّل خيار الدولتين، ولا يقبلون خيار «الدولة الواحدة» وطنًا علمانيًّا يستوعب الطرفين على التساوى. ويُؤمن نتنياهو وكثيرون غيره بالإبقاء على الأوضاع القائمة فى أسوأ الظروف، وبالسير إلى تصفية القضية إذا سنحت الفُرصة؛ ورغم أنه يُبدى نفورًا من الإجراءات الكبرى، نزاعًا وسلمًا؛ لا مانع لديه من أن يذهب إلى الحرب بكامل عدّته، لا ليقضى على «حماس» وهو الذى استثمر فى قوَّتها سابقًا، ويعلم استحالة طرحها خارج المشهد؛ إنما ليُغذِّى أجواء الجنون اليمينى، على أمل أن يخرج من محنته الشخصية الخانقة.
النزعةُ النازيّة داخل الحكومة يتردَّد صداها فى الشارع. يُريد الجميع فى عميق نفوسهم أن يحفروا قبرًا عظيمًا ويدفنوا فيه الفلسطينيين جميعًا؛ لكنهم يختلفون فى التكتيك لا الاستراتيجية. ما يتردَّد عن انشقاق الرأى العام الصهيونى، وأن نحو 50 % باتوا مُنحازين لإرجاء الحرب البرّية فى غزّة؛ إنما ينطلق من أولوية تحرير الرهائن قبل إحراق القطاع، وما يقع من خلافٍ داخل الحكومة، يتّصل بتوافر القدرة على الغزو لا بالفكرة نفسها، وربما يتقيّد بالتحفُّظ الأمريكى على خوض «حرب مُدن» مفتوحة مع ما فى ذلك من كُلفةٍ مادية وبشرية، واحتمالات تصعيد إقليمية مُزعجة، وانزلاقٍ إلى المُستنقع دون خرائط مُقنعة للخروج منه. فضلاً على الأثر السياسى والأخلاقى، وقد بدأت الصورة الزائفة فى التحلُّل، وتغيَّر مزاج الرأى العام العالمى بآلاف التظاهرات الحاشدة فى أنحاء العالم، وداخل الدول الكبرى التى كانت داعمةً لوحشيّة تل أبيب؛ بعدما افتُضِحت نازيّة الاحتلال، وسقطت عباءة المظلومية المزعومة فى الأيام الأولى بعد عملية طوفان الأقصى.. كان التجسيد الأوضح فى تصويت 121 دولة ضد مُمارسات إسرائيل بالجمعية العامة للأمم المتحدة؛ رغم اجتهاد الولايات المتحدة حتى اللحظة فى تحصينها من قرارات مجلس الأمن المُلزمة.
شبهٌ آخر بين هتلر ونتنياهو؛ أن الغرور كان مُفتتح الطريق إلى السقوط. راهن سيّد ألمانيا على فاعليّة الرعب، وأغرته النجاحات السهلة السريعة، ورسمَ ملامحَ المعركة بمعزلٍ عن ثغرات الجيوش الرديفة فى دول المحور، وعن خطط الحلفاء وقُدراتهم النامية والمُتكاملة. ربّما ابتهج بضربة «بيرل هاربر» ولم يستوعب خطورة التحاق الولايات المتحدة بالحرب، أو اطمأن لحكومة فيشى وتجاهل نضال ديجول والمقاومة الفرنسية. المشهد يتكرَّر فى إسرائيل؛ إذ يستند سيّد النازية الصهيونية إلى البطش ودعم الغرب، مُتعاليًا على موجة الرفض المُتصاعدة، وعلى صحوة الضمير، وما يتوافر لدى الخصوم من بدائل حال وضعهم أمام مواجهةٍ صفريّة. يتوهّم الفوهرر العبرانى أن العدو يُفكّر مثله، بينما فى الواقع نجحت فصائل «غزّة» فى إجباره على اللعب بطريقتهم. وصارت إسرائيل أمام واحدة من المرّات النادرة التى تخوض فيها نزاعًا مُسلّحًا خارج شروطها، سواء فى الزمان أو المكان.
اعتادت أن تملك المُبادأة بالضربة الأولى، وتفرض قواعدها بالحرب الخاطفة؛ ثم الارتداد إلى تحصيناتها المنيعة. فقدت ذلك فى حرب أكتوبر؛ وعندما أطلقت «حماس» عمليّتها فى غلاف القطاع كرّرت الضربة؛ إذ كانت تقبض على شرط المباغتة، عبر هجومٍ دافعٍ تسبَّب فى خلخلة صيغة الأمان المُغلّفة بنظرية الردع، ثم عادت إلى القطاع بعدما رتّبت مسرح العمليات بما يناسب مُواجهةً حضريّة صعبةً ومُكلّفة.
بالحسابات المنطقية، تملك إسرائيل الأفضلية العسكرية من كل النواحى، ولديها نظريًّا ما يكفى من الإمكانات لمسح المقاومة من الوجود. لكن السؤال الآن لا يخص القوّة المُجرّدة وحدود استطاعتها؛ إنما يدور فى نطاق القدرة على استخدامها، ونوعيّة الاستخدام وآثاره، والمآلات السياسية التى يُمكن أن تصير إليها الحال بعدما تستعرض الآلة الصهيونية كلَّ عضلاتها. فى حروب الشوارع تسقطُ كثيرٌ من الفوارق الأوّلية، وتتساوى الأدوات البدائية مع أحدث ترسانات الأسلحة، وإن كان الاحتلال يُمعِن فى تسوية الأبنية بالأرض من أجل تهيئة بيئةٍ مكشوفة؛ فإنّ ذلك يصبُّ فى صالح الفصائل بالدرجة نفسها؛ إذ يُحرّرها من ضغوط العمران ومخاوف الفاتورة البشرية، ولا يخصم منها ورقة الإلمام بالجغرافيا المُعقّدة والسيادة عليها، والاستفادة بالجدران والأطلال؛ لا سيّما مع شبكة أنفاق ضخمة تُتيح لها الاستمرار فى الحالة الشبحية، والذهاب إلى ضرباتٍ سريعة وخاطفة ومن خلف الخطوط، ثم الاختفاء مُجدّدًا.
يروى الإدريسى فى كتابه «نزهة المشتاق» أن طارق بن زياد لمّا وصل شبه الجزيرة الإيبيرية، إسبانيا اليوم، فى حملته التى أرسله إليها موسى بن نصير لفتح الأندلس قبل ثلاثة عشر قرنًا، أحرق المراكب وخطب فى الجنود: «أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم إلّا الصدق والصبر». ما فعلته حماس فى «طوفان الأقصى» كان شبيهًا بإحراق المراكب، وهى تتحصَّن اليوم مع نحو أربعين ألف مُقاتلٍ ومخزون ضخم من الذخائر، بينما لم يكن مع ابن زياد سوى اثنى عشر ألفًا بسيوفهم. تُراهن فصائل غزَّة على الفوز بالصمود؛ إذ إن أيّة نتيجة غير القضاء عليها كما قال نتنياهو تعنى هزيمة الاحتلال، معنويًّا على الأقل. وإن تحقَّق هدف الوحش الصهيونى؛ فإمَّا يتكبّد فاتورةً أخلاقية باهظة كلما ارتفعت أرقام الضحايا، أو يتطوَّر النزاع إلى مُواجهةٍ إقليمية واسعة من جانب حُلفاء الحركة فى محور الممانعة، أو مع القوى الرافضة للتهجير وتصفية القضية. على هذا المعنى دخلت الفصائل مُراهنةً وجوديّة، إمَّا تخرج منها أقوى أو لا تخرج؛ لكن فلسطين ستربح فيها بالتهدئة العاقلة، أو بالجنون المُستعر، ورهانهم فى كل ذلك على «بيبى هتلر» وما يعرفونه عنه من نزقٍ وانتهازية وإيمانٍ عميق بالنازية الحارقة.
عندما قطعوا الاتصالات عن مليونى عالقٍ فى مصيدة غزّة، ليل الجمعة؛ كانوا يسعون إلى تكثيف حالة الرعب لآخرها، أكثر من سعيهم لتقطيع أوصال المقاومة وحرمانها من الربط بين أطرافها؛ خاصّةً أنهم يعلمون تمامًا أن لديها شبكةَ اتّصالٍ داخليّةً مُحكمة، وما يزالون عاجزين عن اختراقها وفكّ رموزها.. مُورِست لاحقًا مُناورات قاسية على إيلون ماسك؛ بعدما أبدى استعداده لتزويد المُنظّمات الإغاثية بخدمة الانترنت الفضائى عبر شركته الشهيرة «ستارلينك»، فقال الرجل إنه عالق بين الضغوط الدولية ولا يعرف ماذا يفعل. والواضح أن هذا الحصار لم يتجاوز تل أبيب، فقد بدأه وزير الاتصالات الإسرائيلى وتلته الحكومة، والمُتوقَّع أن الصفة الدولية جاءت بدخول واشنطن وبعض العواصم الأوروبية على الخطّ. صحيحٌ أنهم اضطرّوا بعدها لإعادة الخدمة تدريجيًّا، لكن الفكرة نفسها ما تزال قائمة: عزل الغزّيين عن العالم ليشعروا أنهم وحدهم، والإمعان فى التنكيل لتنفكّ حاضنتُهم عن المُقاومة، ثمّ مُواصلة السعى إلى تصفية الفصائل أو تركها بإعاقةٍ دائمة لا يُرجَى شفاؤها، ولا تصلح بعدها أن تكون مصدرًا للخطر والتهديد.
يعلم «نتنياهو» أنه يُقامر على طاولةٍ خاسرة؛ وأقصى مكاسبه المُمكنة أن يُؤخّر موعدَ جنازته، لا أن يلغيها. هو نفسه قال إنها حربٌ طويلة وقد تستغرق سنوات؛ لكن الجمهور المُتعطّش للدم تبدَّدت ثقته فى مُؤسَّسات السياسة والقوّة، ولن ينتظر شهورًا تحت رحمة قائده المجنون. طول المعركة ينسف آمال الحسم المطلوبة، ويُجدِّد قوة «حماس» وحُلفائها. لكنّ الأخطر أن السياسة غابت وراء معاطف الجنرالات، وفى ذلك تهديدٌ بتجدُّد المُواجهات مستقبلاً؛ لو افترضنا أن النسخة الحالية ستنتهى إلى تسويةٍ ناعمة. وعُقدة السياسة تقع على الطرفين: المقاومة يصعب عليها أن تصرف نجاحات العملية لصالح القضية؛ طالما ظلّت السلطة ضعيفةً ومُستبعَدةً من الحسابات، والدولة العبرية لن تُترجِم البطشَ العسكرى إلى توازناتٍ جديدة، وهى إلى الآن لا تعرف كيف تتعامل مع احتمالات الفشل، بقدر جهلها بما يتعيّن إنجازه لو تحقَّق النجاح، فالبقاء فى «غزّة» سيكون فخًّا طويلاً ودائم الاستنزاف، والرحيل عنها سيُصبح إعلانًا عن بدء الجولة الجديدة من الصدام.
الآن تضاءلت أهداف الشارع فى إسرائيل؛ بعدما كانوا يطلبون إبادة «حماس»، باتوا يُقدّمون تحرير الرهائن ويقبلون إرجاء المهمّة، وفى التأجيل قد تكون نهاية «نتنياهو» السياسية. حالة الإجماع التى طالما استندت إليها طبقة الحُكم فى إغراء الرأى العالم بسياساتٍ شديدة التطرُّف، تفقد مزيدًا من بريقها يومًا بعد آخر. وتعلم الفصائل فى «غزّة» أنها تربح بمجرد البقاء فى مواقعها، تحت سقف القتال المتاح، أو حتى مع كُمونٍ نسبى بين الغزّيين. وعلى الأرجح لن تمضى عملية التوغُّل البرّى إلى النهاية التى كانت مُقرَّرة سلفًا، وكان أدناها بسط السيطرة على كامل القطاع، وأقصاها إزاحة السكان عبر الحدود إلى سيناء، تمهيدًا لمُلحق الخطّة بين الضفّة الغربية والأردن.. غياب الإرادة الجامعة فى «تل أبيب» لن يُرشِّد جنون نتنياهو؛ إنما سيزيده على الأرجح، بالضبط كما سار مُرشده الروحى «هتلر» فى قصّته. المُؤكَّد أن أغلبية الألمان ما كانوا يرتضون سياسات الفوهرر؛ لكنهم صمتوا بأثر الشعبوية فى البداية، ثم بفاعلية الترهيب والخوف حتى النهاية. إن نجح «فوهرر تل أبيب» فى تكرار السيناريو مع الإسرائيليين؛ فإنه يضع الدولة بكاملها فى عين العاصفة، وإن أخفق فسيمضى إلى مصيره مُنفردًا.. فى الحالين نحن أمام نازىّ مسعور، وأمام خصمٍ يبدو أنه لن يقبل الهزيمة: الحُلفاء قديمًا، أو «غزّة» التى أحرقت مراكبها اليوم، وتُصرّ على أن تفرض شروطها فوق الأرض وتحتها، ورغم بحور الدم وكُلفة الأرواح الباهظة؛ يبدو أنها نجحت فعلاً.