في يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1973 شاهد أهل قرية منية النصر بالقرب من المنصورة طائرات حربية كثيرة في سماء قريتهم تتقاتل، كما شاهدوا إحدى هذه الطائرات تسقط في الحقول ويقفز منها قائدها بالمظلة فأسرعوا إليه ووجدوه طيارا إسرائيليا فأسره الأهالي وسلموه للشرطة.
حاول العدو أكثر من مرة خلال الحرب أن ينتقم من الطيران المصري، عن طريق الهجوم لأكثر من مرة على القاعدة الجوية الأكبر في مصر، وهي قاعدة المنصورة، فتم الهجوم عليها ثلاث مرات، الأولى يوم السابع من أكتوبر وتم رده، والثاني يوم الثاني عشر من أكتوبر وتم رده بعد خسارة ست عشرة طائرة للعدو، أما المرة الثالثة فقد أطلق عليها معركة المنصورة الكبرى.
كان الهدف الرئيسي للعدو تدمير قواعد الطائرات في دلتا النيل في ضربة واحدة تحاول رد الصفعة التي تلقوها في الضربة الجوية الأولى، لتعيد لهم خرافة الذراع الطولى، فهاجموا عن طريق ثلاث موجات، الأولى لتشتيت الطيران المصري المدافع، والثانية لضرب الدفاعات الجوية، أما الثالثة وفيها العدد الأكبر فكانت لتدمير الأهداف في عدد بلغ في إجماله مائة وستين طائرة، تصدى لها من أبطالنا حوالي ستين طائرة من مطارات مختلفة، لم تبلع الطعم ولم تشتبك مع الموجة الأولى، لكنها انتظرت بصبر حتى وقعوا جميعهم في الفخ المصري، في معركة استمرت ثلاثا وخمسين دقيقة، اعتمد فيها الطيارون المصريون على التناوب فكانوا يهبطون لتعبئة الطائرات بالوقود، ثم يعودون مباشرة إلى القتال حتى ظن الأعداء أنهم يواجهون أكثر من مائة طائرة.
تم تصنيف معركة المنصورة الجوية بوصفها واحدة من أعظم معارك الجو في التاريخ، وهي الأطول بعد الحرب العالمية الثانية، والتي نتج عنها تدمير سبع عشرة طائرة للعدو فوق سماء الدلتا بالقتال المباشر، بالإضافة إلى سبع وعشرين طائرة، وطائرتي هليوكوبتر تم تدميرها عن طريق الدفاعات الجوية، ليكون مجموع خسائر العدو في ذلك اليوم ستا وأربعين طائرة وهي خسائر قياسية، بالإضافة إلى فشلهم في تحقيق إصابة الأهداف التي حاولوا تدميرها، في مقابل خسارة ست طائرات مصرية، تم إسقاط ثلاثة منها في القتال المباشر، واثنتين بسبب نفاذ الوقود والسادسة انفجرت عند مرورها خلال شظايا فانتوم معادية تم تفجيرها في الجو.
بعد أن أسقط عدة طائرات في هذه المعركة، وقاد سربه وبعد نفاذ وقوده، اضطر الطيار قدري عبد الحميد للقفز بالمظلة، فسقط وأصيب ظهره ليتم نقله إلى المستشفى، ليجد نفسه في غرفة واحدة مع أحد طياري العدو، وحين سأله عن كيفية إصابته اكتشف أنه قائد لإحدى الطائرات التي أسقطها بنفسه، في مفارقة ربما لا تحدث إلا في خيال الروائيين ليبدأ معه حوارا يكشف عن مدى كفاءة الطيارين المصريين الذين فاجأوا العدو بامتلاكهم القدرة على القتال والنصر على الرغم من الفارق الواضح في إمكانات الطائرات المتقاتلة.
لم يكن الإنجاز الأوحد إذن للقوات الجوية المصرية متمثلا في الضربة الجوية الأولى بل إن هناك من البطولات ما يجب النظر إليه باعتباره بطولات يجب النظر إليها بعين الاعتبار، مثل معركة المنصورة الجوية التي تم التأريخ لها بوصفها عيدا لسلاح الجو المصري وأبطاله.
وللحديث بقية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة