كنت قد تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن تلك اللحظة الفارقة التي ظهر أثرها على مستويين الأول في تغير نوعي طرأ على الرأي العام العالمي، الذي استطاع الفكاك من أسر الإعلام الغربي، وأمكنه ربما للمرة الأولى في التاريخ أن يرى قضيتنا من منظور إنساني، فبدأ في الضغط على حكوماته لكي تتبنى تلك النظرة الإنسانية، وعلى مستوى آخر ذلك التطور النوعي الذي أظهر المعدن الأصيل لشبابنا وانخراطهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية بصورة إيجابية ومتطورة، ربما لم تطرأ على بعض الأذهان.
وفي الحقيقة فإن هذه اللحظة هي التي توحي لنا بشدة بمدى القدرة التي يمكن لنا امتلاكها لصنع مستقبل أفضل للوطن وربما للعالم كله بالتركيز على وعي هؤلاء الشباب، لكن هذه القدرة ستظل مشروطة بأن تتوفر لنا الإرادة والرؤية التي يمكن عن طريقها العمل على استثمار تلك اللحظة وأثرها في أولادنا.
إذا كان أولادنا قد أظهروا قدرة كبيرة على التجمع حول هدف واحد، وصناعة حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أمكنهم تحقيق آثار لها على الأرض، مثل حملات مقاطعة البضائع التي أنتجتها شركات أو دول أو علامات تجارية تدعم العدو، وأيا كان رأي الاقتصاديين في مثل هذه الحملات، من حيث فائدتها أو ضررها على الاقتصاد الوطني، فهذه القدرة يجب استغلالها ووضعها في نصابها الصحيح الذي يمكنه أن يصبح قيمة مضافة للوطن.
لكن كل هذا يجب أن يكون مبنيا على رؤية جديدة للشباب وثقافتهم، وهو ما يجعل من الرؤى القديمة لا محل لها.
إن رؤيتنا لفكرة الثقافة التي يتعامل معها الشباب يجب أن تتغير، فبعد أن تم بناء مؤسساتنا على اعتبار أنها مؤسسات تقدم خدمة ترفيهية قد تقوم بالتوجيه والتوعية أو العكس، وهو أمر بات من الماضي، يحتاج بالتأكيد إلى تطوير مدروس في الرؤى التي تم على أساسها بناء تلك المؤسسات، فلم يعد التعليم مجرد تلقين معلومات ولم تعد الثقافة هي الكلام الغامض الثقيل، كل ذلك يجب أن يخرج من الأفق الجديد الذي بناه الشباب لأنفسهم، وكل ذلك يجب أن يكون جاذبا وممتعا ومفيدا وبناء في الوقت نفسه، إنه الأفق الذي بدا بعيدا في وقت من الأوقات كما بدا – على غير الحقيقة – أن شبابنا سطحيون، ولا يهتمون إلا بدوائرهم الضيقة، لكنها الحقيقة التي ربما صدمت الكثير منا، والتي فوجئنا معها أنهم على درجة عالية من الوعي والإيجابية، ولا يبقى إلا أن نكون على المستوى نفسه، ونعيد التفكير فيما نقدمه لهم عن أنفسهم، وعن وطنهم وإمكاناته وإمكاناتهم.
من هنا يجب أن تكون لدينا برامجنا الثقافية الخاصة التي تبدأ من استغلال الوسائط الحديثة وصناعة المحتوى برؤى الشباب أنفسهم، كما يجب أن تكون مشروعات النشر مواكبة لما يستجد من أفكار لكي تقوم بسد الفجوة بين جيل استطاع رؤية العالم بسهولة وبين ما يطرح عليه من أفكار وإبداعات، حيث تظل الرؤى التقليدية المعتادة غير قادرة على مجاراة أفكارهم المتطورة.
ربما يكون ذلك هو النوع الأهم من التحصين الذي يمكن لنا أن نقدمه لهم ليواجهوا مستقبلهم، فقط إذا وعينا لذلك، وإذا توفر لنا كل من الاعتراف بالمشكلة، والإرادة الحقيقة، فعندها سنكون قد استطعنا أن نكون على مستواهم نفسه.
ولهذا الحديث بقية وتفصيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة