ما زال العدوان الإسرائيلى على غزة مستمرا ويرتكب جيش الاحتلال جرائم حرب ضد المدنيين فى غزة، بجانب احتمالات اتساع الصراع إقليميا بما يحقق التحذيرات التى أطلقتها مصر منذ البداية، وهناك بالفعل إشارات واشتباكات على الجبهة الشمالية، بجانب استمرار خسائر القوات الإسرائيلية أثناء محاولات التوغل البرى.
ورغم أن التظاهرات العالمية تتسع ضد استمرار العدوان وتضامنا مع أهالى غزة، فإن هذه التظاهرات والاحتجاجات تشير إلى تحولات فى تعامل الأوروبيين مع القضية الفلسطينية، خاصة أن المحتجين ليسوا كلهم من العرب أو الأصول العربية لكنهم مواطنون أوروبيون، وكان هذا التحول انعكاسا لعمليات نشر تجاوزت الحجب الإسرائيلى والانحياز الإعلامى الغربى، ووصلت إلى المواطن الأوروبى العادى، بالطبع قد لا يكون لهذه المواقف تأثيرات كبيرة لدى صناع القرار، لكنها تشير إلى تغيير قد يساهم فى إعادة تقديم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب سلبت منه أراضيه، ومن حقه أن تكون له دولته.
ويعد هذا مكسبا، بعد سنوات لعبت فيها الصهيونية دورا فى محاولة التعتيم والتشويش على الحقوق الفلسطينية، وهو أمر يتطلب استمرارا لتدعيم الصورة الفلسطينية بشكل يساهم فى تدعيمها، وقد سبق وأن تحقق هذا أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ، التى استمرت لمدة 6 سنوات، والانتفاضة الثانية عام 2000، ردا على اقتحام آرييل شارون للمسجد الأقصى، واستمرت لمدة 5 سنوات، وكانت لهذه الانتفاضات نتائج مهمة فى دفع القضية الفلسطينية للواجهة، وأثمرت اتفاقات لم تكتمل، لكنها أثمرت اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادى عربة، التى ساهمت فى استعادة بذرة دولة، تشعبت فى طرقات، وتسبب الانقسام الفلسطينى وتحولات السياسة الإقليمية والدولية فى تراجعها.
ورغم حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال فإنه لم يحقق نتيجة غير المزيد من القتل، ومع هذا فإن القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة، ومن الصعب إنكار قوة وتماسك الفلسطينيين، وفشل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وبجانب تأرجح العدوان فى الإقدام على الاجتياح البرى الشامل لغزة، فإن الحرب تعصف باقتصاد إسرائيل، حيث يشير البنك المركزى فى إسرائيل إلى أن هناك خسائر تصل إلى 2.3 مليار شيكل أسبوعيا بسبب غياب الموظفين عن أعمالهم، حيث يتم استدعاء الاحتياط، كما يشير تقرير «بلومبرج» إلى خسائر يومية تبلغ 260 مليون دولار، بجانب توقف الجامعات، لاستدعاء نحو 70 ألفا من الطلاب وهيئات التدريس، وأن طول أمد الحرب يمثل استنزافا، كما أن الاعتراضات تتزايد داخل الاحتلال فى مواجهة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة.
وبالتالى فإن عمر العدوان يقصر، ومع ارتفاع الخسائر بين المدنيين، فإن موقف الحكومة المتطرفة يواجه صعوبات، مع تأكيد توصيات القمة العربية الإسلامية، وقبلها قمة القاهرة، على إنهاء احتلال الأراضى الفلسطينية والعربية، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، وبقدر ما يتوافق العرب على الحقوق الفلسطينية، فإنهم يتمسكون بخيار الأرض مقابل السلام، باعتبار أن العدوان الأخير يكشف عن عدم قدرة إسرائيل على التمسك بالأرض والسلام، وأن الدولة العبرية تواجه خطرا واضحا، بالرغم من مرور سنوات وعقود فإن القضية الفلسطينية حية وقائمة، بل إنها تتصاعد لدى الرأى العام العالمى، رغم انحيازات الحكومات والأنظمة.
ولعل المأزق الذى يواجه نتنياهو وحكومته، هو ما يدفع الإدارة الأمريكية لبحث التهدئة والاستماع إلى الرؤية المصرية والعربية، وقبول اتصالات ومباحثات قد تسفر عن وقف العدوان بشكل عاجل، وهو أمر لا يتناقض من الانحياز الأمريكى، بل يشير إلى أن تقارير الحرب والعدوان ترفع من نسبة الخطر الذى أصبح يواجه العدوان، ويهدد الكيان نفسه، وأصبحت هذه التقارير متداولة فى الصحافة والإعلام الغربى، وحتى فى تحليلات الكتاب والمحللين الصهاينة والمنحازين لإسرائيل، الذين أصبحوا يتحدثون علنا عن خطر يهدد الكيان، وهو ما يجعل الفرصة مواتية أكثر لظهور تيارات تتقبل مسار سلام، يتناقض مع سياسات نتنياهو التى وضعت الكيان فى مهب الخطر.