تغييرات عميقة في البوصلة العالمية، تجاه الأزمة التي يشهدها قطاع غزة، جراء القصف الوحشي الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يبدو في التحولات الكبيرة في خطاب قطاع كبير من دول العالم، خاصة في المعسكر الغربي، والمعروف بانحيازه الصارخ لإسرائيل، سواء فيما يتعلق بالعدوان الذي اندلع منذ السابع من أكتوبر الماضي، أو مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، خاصة مع المساعي الحثيثة التي بذلتها الدولة العبرية لتصفيتها، عبر العديد من الدعوات المشبوهة، وأبرزها تهجير السكان إلى دول الجوار، ثم الحديث عن نقلهم إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ولعل الحديث عن أولوية القضية، يسلط الضوء مجددا على قمة "القاهرة للسلام"، والتي عقدت على أرض مصر في 21 أكتوبر الماضي، بناء على دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي لاقت استجابة دولية كبيرة، في ظل الثقة الكبيرة التي تحظى بها الدولة المصرية في إدارة الملف، ورعايته، في الوقت الذي فشلت فيه قوى كبرى عن تحقيق اختراقات كبيرة في عملية السلام بسبب انحيازها الصارخ لصالح طرف على حساب الاطراف الأخرى.
ففي الوقت الذى ارتكزت فيه رؤى زعماء العالم على احتواء اللحظة الراهنة، التي تدور حول العدوان على قطاع غزة، بين دعوات للتهدئة، وأخرى حول مرور المساعدات الانسانية، استبقت مصر الحدث بالحديث عن القضية ومستقبلها، في انعكاس صريح لأولويتها والتي تقوم على الانتصار للحق الفلسطيني، عبر إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية أولا، وكذلك وضع العالم أمام مسؤولياته نجاه الشرعية التي ارتضاها المجتمع الدولي قبل عقود، بالإضافة إلى كونها تمثل قراءة مبكرة للأهداف الحقيقية للعدوان، والتي تتجاوز في جوهرها الطبيعة الانتقامية أو استهداف الفصائل، وإنما تمتد إلى تقويض حل الدولتين، عبر تجريد الدولة المنشودة من شعبها ثم أرضها.
التغيير في المواقف الدولية يبدو على مسارين، أولهما بخصوص العدوان الراهن، حيث شهد الخطاب الغربي تحولا من تبني مواقف الاحتلال، عبر التذرع بحقه في الدفاع عن النفس، إلى الدعوة للتهدئة، في أعقاب قمة "القاهرة للسلام"، ثم الدعوات إلى وقف إطلاق النار في الأيام الماضية، وهو ما بدا في حديث المنسق الاعلى للشؤون الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل، وعددا من الزعماء في القارة العجوز، ناهيك عن الادانة الصريحة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بممارسات الاحتلال، ليس فقط في العدوان الاخير، وإنما طيلة عقود، محملا إياه مسؤولية أحداث "طوفان الأقصى".
وأما المسار الثاني للتغيير الكبير في المشهد الدولي، فيبدو واضحا في عودة الزخم إلى القضية، والتي تمثل أولوية مصر بامتياز منذ اللحظة الأولى، وهو ما يبدو في تصريحات رئيس الوزراء الأسباني بيدرو سانشيز حول العمل على الاعتراف بدولة فلسطين، ودعوته لتنظيم قمة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما يمثل خطوة جديدة على طريق البناء الذى أرست الدولة المصرية الأساس له، خلال قمتها بالشهر الماضي، والتي اعتمدت مبدأ حماية القضية وحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم كأولوية قصوى.
الدعوة الإسبانية، ومن قبلها دعوات الغرب بوقف إطلاق النار، بما تحمله من تغيير ملموس في الخطاب الغربي، تمثل استلهاما للرؤية التي قدمتها مصر للعالم، بينما تضفي المزيد من الزخم للقضية مجددا لتقفز إلى قمة الاجندة العالمية، بعد سنوات من التهميش، وهو ما يمثل فرصة استثنائية لإنهاء حالة الصراع طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الانقسام يبقى التحدى الرئيسى أمام تلك الفرصة، سواء في الداخل الفلسطيني، أو على المستوى الدولي في ظل إصرار بعض القوى الدولية على مواقفهم المنحازة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة