من بين الأسئلة المطروحة منذ الحرب على غزة، هو إمكانية أن تغير الولايات المتحدة من سياستها الداعمة للعدوان الإسرائيلى على غزة، ومدى تأثير تحركات الشارع الأوروبى على تغيير سياسات الدعم للعدوان، ومدى القدرة على تطبيق المبادئ الغربية التى ينادى بها الكل هناك، والواقع أن الحكومات والدول وأمريكا يعرفون حقيقة الأمر، وأن الرهان على تحولات أخلاقية هو رهان على مستحيل، وأن الولايات المتحدة لا تحركها أخلاقها، من قبل ولا الآن.
وبناء عليه فإن مشروع القانون الذى تقدم به نواب ديمقراطيون فى الكونجرس لمنع بيع 320 مليون دولار أسلحة لإسرائيل، ومثله دعوة ومطالب عشرات النواب بالكونجرس للرئيس جو بايدن بوقف إطلاق النار فى غزة، سوف تلحق بسابقاتها، وقع عشرات المشرعين الديمقراطيين فى الكونجرس رسالة تحث بايدن ووزير الخارجية أنتونى بلينكن على السعى لوقف إطلاق النار فى غزة وقالوا «إنهم يشعرون بالقلق إزاء الحرب المكثفة فى غزة، لا سيما الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، مما يهدد بمزيد من الخسائر فى أرواح المدنيين».
هذه المطالب تلحق بسابقاتها، والولايات المتحدة غير معنية بالشؤون الأخلاقية، وكل الإدارات الأمريكية كانت ولا تزال داعمة للاحتلال الإسرائيلى، بدرجات مختلفة، ولم يسبق أن تدخلت الولايات المتحدة لوقف عدوان سابق من تلقاء نفسها، ويتوقع أن تتدخل الإدارة الأمريكية لحث إسرائيل على وقف العدوان، عندما تتأكد أن نتنياهو حقق أهدافه، أو لإنقاذه من استنزاف وخسائر، أو بناء على تدخلات إقليمية تنبه الولايات المتحدة إلى مصالحها.
الولايات المتحدة لا تبيع السلاح لإسرائيل، لكنها تقدم له الدعم المادى الذى يمكن تل أبيب من شراء الأسلحة، وفى أعقاب بدء العدوان تم منح الحكومة الاحتلال 10 مليارات دولار، وتتواصل المنح التى تمكن القوات من مواصلة الحرب بالرغم من الطوارئ والاحتياط الذى يتم استدعاؤه ويوقف عجلة الاقتصاد تماما، وهو أمر يعرفه الداخل فى الدولة العبرية، والمتظاهرون الذين يواصلون إعلان غضبهم، ليس من أجل أطفال غزة، ولكن للقلق على أمنهم وخوفهم من تضاعف التهديدات.
رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو لا يمثل نفسه، لكنه يمثل التيار الأكثر تطرفا، والذى يتضاعف فى إسرائيل، ولهذا فقد تم انتخاب نتنياهو عدة مرات، بالرغم من أزماته المتواصلة، وهو ما يشير إلى أن نتنياهو يمثل قطاعا واسعا داخل دولة الاحتلال، وأنه حتى لو رحل، فلن يحل مكانه من هو أقل إجراما أو تطرفا.
وبالتالى لا يمكن الرهان على أخلاق الولايات المتحدة، ولا اعتدال الغرب، لأن الأمر يتعلق بالمصالح، وبالرغم من أن مصالح الغرب إقليميا ودوليا أكبر مما هى مع إسرائيل، فإنهم عندما يشعرون بأن مصالحهم مهددة، أو أنها أفضل مع العرب، ساعتها قد يتغير الأمر، ولعل هذا هو ما تسعى مصر بدورها إلى نقله للغرب، وإلى الولايات المتحدة، وربما يكون هذا هو ما دفع إلى تغيير شكل الخطاب.
لأن السوابق تؤكد أن الرهان على أخلاق الولايات المتحدة والعالم المتحضر هو رهان على سراب، وهذه الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة والحصار، وقصف المستشفيات وهذا الرقم من الشهداء الأطفال شاهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولى فى وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المخالفة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولى، ويتكرر الحديث عن ازدواجية المعايير، وبالتالى يصعب الرهان على أخلاق أو معايير دولية، لكن على مصالح.
بالتالى فإن نتنياهو يمكن أن يتوقف بضغط أمريكى فى حال التأكد من فشل سيناريو إزاحة أو تهجير الفلسطينيين وإدراك الولايات المتحدة لخطر اتساع النزاع إقليميا، وهو ما قد يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا، بعيدا عن الانشقاقات التى تضعف الجبهة الفلسطينية، فيما هو قادم، ومدى إدراك أهمية وجود موقف فلسطينى موحد، وموقف عربى داعم، وهو المسار الأصعب، لكنه أفضل من الرهان على موقف غير موجود يراهن على أخلاق أمريكية وغربية هى والسراب سواء.