كانت الساعة الثالثة من بعد ظهر الخميس، 18 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1920، حين توفيت الأميرة فاطمة إسماعيل، واشتركت الجامعة المصرية فى تشييع الجنازة ممثلة فى حضرات أعضاء مجلس إدارة الجامعة وأساتذتها وموظفيها والطلبة، وقررت الجامعة إقامة حفل تأبين لها فى الساعة الرابعة من بعد ظهر الجمعة 31 ديسمبر سنة 1920 بالجامعة، وفقا لما يذكره الدكتور محمود فوزى المناوى فى كتابه «جامعة القاهرة فى عيدها المئوى».
هى فاطمة ابنة الخديو إسماعيل، المولودة يوم 3 يونيو عام 1853، وصاحبة الأيادى البيضاء على الجامعة المصرية «جامعة القاهرة»، ومشروعات أخرى خاصة فى مجال التعليم، أوقفت لها ثروتها الواسعة من أطيان وحلى، يذكر الدكتور محمد صبرى الدالى فى كتابه «الأمير عمر طوسون »، أنها تزوجت من الأمير محمد طوسون بن سعيد بن محمد على، وأنجبت له البنين والبنات، ومنهم الابن الثالث محمد جميل، وكانت يوم زفافها تلبس عددا كبيرا وثقيلا من الحلى إلى حد أن اثنين من الأغوات كانا يسندانها للتمكن من المرور عبر قاعات الاستقبال.
جاء زواج الأميرة فاطمة والأمير محمد طوسون ضمن أفراح أبناء الخديو إسماعيل، توفيق، حسين، حسن، فاطمة، وأقام الخديو لهم أفراحا أسطورية دامت 40 يوما متصلة بواقع 10 أيام لكل منهم فى يناير 1873، واشتهرت تاريخيا باسم «أفراح الأنجال »، ويصفها أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن » قائلا: «كانت الدعوة شاملة لجميع المدارس، فذهبنا إلى الاحتفال الذى أقيم أمام القصر العالى فى الساحة الكبيرة، التى كان يحتفل فيها أحيانا بالمولد النبوى، فوجدنا الزينات الفاخرة والسرادقات الفخمة، ومحال الألعاب وأقواس النصر، وقد زين داخل السراى بالأعلام، وأضىء الاحتفال بألوف المصابيح، وكان الخديو قد استحضر من أوروبا والآستانة وبلاد الشرق العربية جوقات كثيرة تتقن الموسيقى والتمثيل وأنواع الألعاب المختلفة، وهذا فوق ما كان بمصر منها، وعلمت من أسرتى أن ما بداخل السراى من الزينة والألعاب والملاهى كان أبهر مما فى خارجها».
يذكر صبرى الدالى أن محمد طوسون مات عام 1876، وكان عمره 23 عاما فقط، تاركا تركة تم توزيعها فى العام التالى لوفاته وفق «أمر عال» من الخديو إسماعيل فى لجنة «قومسيون»، برئاسة أبوبكر باشا، وورثت الأميرة فاطمة من هذه التركة، وتزوجت للمرة الثانية من الأمير محمود سرى باشا، وأنجبت منه ثلاثة ذكور وبنتا.
أنفقت الأميرة فاطمة ثروتها فى المشروعات الخيرية، ويصفها الدكتور إبراهيم البيومى غانم، فى مقاله «أوقاف الأميرة فاطمة وحلم النهضة الشاملة»، المنشور على موقع «إضاءات، 16 أغسطس 2021 »، بأنها صاحبة المبادرات الخيرية الوقفية الخالدة، التى خصصتها لنهضة الأمة نهضة شاملة مرتكزة على التعليم بعامة، والتعليم الجامعى بخاصة، وإتاحة الفرصة لتعليم البنين والبنات والنابغين من أبناء الفقراء.
كانت هى أكبر المتبرعين للجامعة المصرية، ويعد تبرعها هو التأسيس الأكبر لانطلاقها، ويذكر «المناوى» أن جريدة الأهرام نشرت فى 4 يوليو 1913، أن الأميرة وقفت 3306 أفدنة من أملاكها فى سندوب على أعمال خيرية، وخصت الجامعة بخمس هذه الأطيان أى 661 وخمس أفدنة، ولما كانت الجامعة بحاجة إلى أرض تبنى عليها، فقد وقفت عليها فوق ما تقدم 6 أفدنة بالدقى على طريق بولاق الدكرور فى الطريق المؤدية إلى قصرها بالجيزة، وتحملت نفقات البناء بتبرعها بمبلغ 18 ألف جنيه، ثم أمرت بكتابة تلك الحجة، واستدعت حضرة القاضى الشرعى فى الساعة الثامنة ليلا وسجلت الحجة.
يؤكد «البيومى» أن تبرع الأميرة فاطمة للجامعة لم يكن أكبر تبرعاتها الوقفية، إذ لها وقفات تعليمية أخرى أكبر، وبدأت قصتها مع الوقف فى 8 أغسطس 1896 بتحرير أول حجة وقفية لها أمام محكمة الفشن الشرعية بمديرية بنى سويف، وكانت عبارة عن 196 فدانا و21 قيراطا من الأراضى الزراعية بتلك المديرية، وكانت هذه الوقفية أهلية وليست خيرية، وفى سنة 1328هـ/1910م أنشأت وقفية ثانية جمعت فيها بين الأغراض الأهلية والأغراض الخيرية، وحررت بها حجة أمام محكمة مصر الشرعية بتاريخ 8 شعبان 1328هــ/ 13 أغسطس 1910م، وبلغت مساحة هذه الوقفية 4427 و12 قيراطا و 4 أسهم، و12 قيراطا من الأراضى الزراعية الواقعة بخمس نواحٍ بزمام مديرية الدقهلية هى منية سندوب، وسندوب، وأبوداوود العنب، وميت أبوالحسن، ودروه.
يؤكد «البيومى» أن وقت رحيلها، لم يكن قد بقين لها أملاك خاصة تحت يدها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة