يقترب العدوان الإسرائيلى على غزة من الأسبوع الثامن، وبالرغم من قوة القصف، فإن العدوان لم يحقق أيا من أهدافه المعلنة باستثناء سقوط الآلاف من الشهداء أغلبهم من الأطفال، وهو ما يمثل عارا وجرائم حرب مركبة تستلزم موقفا دوليا وقانونيا يقود قادة إسرائيل للمحاكمة على جرائم الحرب، وبالطبع فإن أهم هدف كان يرمى إليه نتنياهو هو دفع الفلسطينيين فى غزة إلى الهجرة خارج غزة وهو أمر لم يتحقق وتصدت له مصر بحسم وخطوط حمراء واضحة.
العالم كله أصبح مدركا لكون رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة يشنون حرب إبادة ضد غزة، ويواصلون قتل الأطفال والنساء، بشكل تجاوز كل مزاعم الدفاع عن النفس، بل إنه حتى فى المعسكر الداعم للعدوان هناك تحولات تنعكس فى تصريحات كبار المسؤولين رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية، آخرهم أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التى بحثت مع الرئيس عبد الفتاح السيسى الأوضاع فى غزة، وقدمت الشكر لمصر على دورها فى توفير وتسهيل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مشددة على اتفاقها مع الرئيس السيسى على مبدأ عدم التهجير القسرى للفلسطينيين، وأكدت «نحن متفقون على مبدأ عدم التهجير القسرى للفلسطينيين، وعلى أفق سياسى يقوم على حل الدولتين».
كل المؤشرات تقود إلى أن العالم على يقين بأن مصر الدولة التى يمكنها تحقيق الاستقرار فى شرق المتوسط وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، بما تملكه من مفاتيح الحل، ومنع اتساع الصراع إقليميا، وأيضا الدعم الواضح للقضية الفلسطينية، والتعامل معها من كل زواياها، ومنذ اللحظة الأولى للعدوان أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية بالقوة، ومحاولات تهجير الفلسطينيين قسريا من أرضهم، وأن مصر ستظل على موقفها الداعم للحق الفلسطينى المشروع فى أرضه.
وبالتالى فإن مصر تمثل قوة إقليمية، ليس فقط لأنها تمتلك أكبر جيش فى المنطقة، لكن انطلاقا من قدرتها على تفهم التفاصيل المتعلقة بسياقات الأحداث، إضافة إلى أن الجيش المصرى رشيد يحمى ولا يهدد أو يتدخل لكنه يمتلك الردع الكافى لتحقيق الأمن القومى بكل تفاصيله، ولعل هذه التفاصيل هى التى تنعكس فى صورة هجوم من الإعلام الصهيونى على مصر، وهو هجوم يضمن إدراكا للدور الصرى الداعم والحامى للقضية الفلسطينية انطلاقا من الواقع والإدراك وليس الشعارات.
وهذه الأهمية انعكست فى تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، وغيرها من المسؤولين الأوروبيين الذين يواجهون بالفعل موقفا صعبا فى حال استمرار العدوان إلى ما هو أكثر من ذلك، ومن هنا فإن مقولة أورسولا فون ديرلاين «نقدر دور مصر الجوهرى فى أزمة غزة»، تنطلق من واقع يفرض نفسه منذ بدء الأزمة، ورهان على أن الحل يجب أن يمر من القاهرة، وهو أمر يرد فى كل التحليلات والكتابات والصحف حتى التى تدعم العدوان والاحتلال، وتحذر من تردى الحال بشكل قد يصعب السيطرة عليه، مع تزايد حمى الانتقام لدى نتنياهو، وحكومته المتطرفة التى وصل بها الأمر إلى دعوة وزير هو عميحاى إلياهو، لإلقاء قنبلة نووية على غزة، وهو ما يعنى إدراك صعوبة الموقف لدى الاحتلال بالرغم من امتلاك كل هذا الكم من الأسلحة، والوصول إلى قصف المستشفيات ومراكز العلاج.
أمام الموقف الواضح من مصر والأردن والدول العربية، بجانب الموقف الدولى والتحول فى مواقف الشعوب الأوروبية حتى فى الدول الداعمة للعدوان، فإن الحرب تقترب من نهايتها، وهو ما يفرض ضرورة التفكير فى كيفية التمسك بالقضية التى أصبحت فى الصورة.
وتظل الخطوة الأهم، هى بحث مستقبل القضية الفلسطينية، وهو أمر تم طرحه على مدى أيام الأزمة وفى «قمة القاهرة للسلام»، وفى القمة العربية، وأمام الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما يتطلب موقفا موحدا يدفع القضية نحو مزيد من التقدم للأمام حتى يكون لهذه التضحيات معنى.