المجازر البشعة للعدوان الصهيوني على غزة لا تتوقف، والعالم يجلس في مقاعده متفرجا ولا يملك من أمره حيلة، في انتظار قرار الإدارة الأمريكية في واشنطن.. مذابح مستشفيات غزة في المعمداني والشفاء والقدس والمذبحة التي وقعت في مدرسة الفاخورة لن تكون الأخيرة، ولن تتوقف رغم حالة الغضب الشعبي المتزايدة في دول العالم غربا وشرقا وجنوبا وشمالا، ورغم قرار مجلس الأمن الأخير ورغم كافة المواقف والإدانات.
القرار وحده بيد واشنطن وإدارة الرئيس بايدن الذي تفاخر بأنه "صهيوني" ويردد الأكاذيب الصهيونية منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، وقرر أن يقف في مربع النهاية مع رئيس وزراء الكيان نتينياهو ضد الرأي العام العالمي وضد قرارات الشرعية والمواثيق الدولية والإنسانية. وقف الإجرام الصهيوني يقرره بايدن الذي يعترف ضمنا بهزيمة إسرائيل مع إطالة أمد العدوان على الشعب الفلسطيني بغزة، ويتفاخر بقتل آلاف الفلسطينيين من الأطفال والنساء.
بايدن يعتبر غزة معركته الأخيرة مع نتينياهو والورقة الأخيرة في تاريخه السياسي وهو الذي يتأهب حاليا لعام الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويبدو أنه غير مبال بالاحتجاجات من آلاف الأمريكان والعرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة، اعتراضا على موقفه من العدوان الصهيوني على غزة وتصديقه للرواية الإسرائيلية. وغير مبال باستطلاعات الرأي للمراكز والمعاهد الموثوقة داخل الولايات المتحدة بانخفاض شعبيته خاصة من الكتلة العربية والإسلامية ومن الأجيال الجديدة.
الرئيس الأمريكي كان يتوهم أن العدوان الإسرائيلي على غزة سيحقق أهدافه في فترة وجيزة، وبعدها يتخذ قرارا بوقف الحرب.
لكنه لم يدرك أن غزة لعنة ومستنقع تغرق فيه آلة الحرب الإسرائيلية ولم تنجح سوى فى القتل والتدمير حتى الآن، وأن قرار وقف الحرب الآن لا يعني سوى الاعتراف بالهزيمة ولا يبقى سوى البحث عن وسيلة للخروج من المستنقع.
فهل يراجع الرئيس الأمريكي نفسه بعد كل هذه المجازر، وبعد تزايد معدلات الاحتجاجات حول العالم وداخل الولايات المتحدة، وهل يطالع استطلاعات الرأي العام الأميركي..؟
قبل أيام قليلة وبحسب استطلاع للرأي أجراه المعهد العربي الأمريكي، فقد انخفض دعم بايدن بين الناخبين العرب الأمريكيين 42 نقطة ليصل إلى 17% فقط مقارنة بعام 2020، وهي المرة الأولى منذ 26 عاماً التي لا تقول فيها الغالبية من العرب والمسلمين الأمريكيين إنها تفضل الحزب الديمقراطي، في حين أظهر الاستطلاع أنه إذا أجريت الانتخابات اليوم، فإن 40% سيصوتون لصالح دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري.
هناك شعور بالخيبة والغضب من الناخبين الأمريكيين من العرب والمسلمين، تجاه موقف بايدن الثابت والداعم لإسرائيل وظهر ذلك على تراجع تأييدهم لهم مع بدء الحرب من 59 % إلى 17 % فقط، وقدرتهم على التصويت ضده في الولايات المتأرجحة التي يوجدون فيها بنسبة عددية مهمة، فإن خسارة بايدن الانتخابات، ستعيد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي صوت 70% منهم ضده في انتخابات 2020 بسبب مواقفه.
الشعبية المنخفضة لبايدن لا تقتصر على الناخبين من المسلمين والعرب، بل امتدت لتشمل قطاعات أكبر من الناخبين الأمريكيين عموما، واقتربت من أدنى مستوياتها منذ توليه منصب الرئاسة، خاصة أنّ ضمن القتلى في عملية "طوفان الأقصى" 30 مواطناً أمريكيا على الأقل.
غزة تحولت إلى ورقة للصراع السياسي الداخلي بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في العام 2024 و"الجمهوريون" استغلوا الوضع وحملوا بايدن المسؤولية في العملية، بل أن بعضهم صرح بأن يد الرئيس "ملطخة بالدماء".
ما يحدث في غزة من قتل وتدمير وجرائم ضد الإنسانية أصبح في أولويات الناخب الأميركي وارتفاع الأصوات المعارض لدعم بايدن اللامحدود لإسرائيل يقلق الإدارة الحالية وهو ما أكدت عليه تقارير استخباراتية داخل البيت الأبيض رغم الميل التاريخي للمزاج داخل المجتمع الأمريكي بالانحياز لإسرائيل ومن يدعمها.
إطالة أمد الحرب وعدم تحقيق إسرائيل انتصار واضح، وضغط الرأي العام والتصدع في المواقف الأوروبية وافتقاد واشنطن وتل أبيب للأنصار حول العالم قد يدفع الى تغيير في الموقف داخل الإدارة الأمريكية، لكن ذلك مرتبطا أيضا بالموقف العربي والإسلامي الذي عليه أن يكون أكثر تشددا وقوة وصلابة تجاه الموقف الأمريكي..
فهل يتغير موقف بايدن في القريب العاجل، ويقرر وقف العدوان والمجازر ضد الشعب الفلسطيني..؟
القرار صعب بالتأكيد وله عواقبه الوخيمة على بايدن ومستقبله السياسي وعلى إسرائيل ومصيرها، لكن الضمائر الحية داخل وخارج الولايات المتحدة بات غضبها كبيرا وصوتها عاليا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة