في شهر أغسطس عام 96 وفي مساء أحد الأيام داخل المخيم الصيفي لنقابة الصحفيين بالعريش، دار حوار شيق بين عدد من الصحفيين واللواء محمد أحمد غاياتي محافظ شمال سيناء الذي تولى منصبه في يناير من العام نفسه.
الأسئلة كلها ركزت على تنمية سيناء وتوطينها، وكيفية جذب نسبة من السكان من الدلتا إلى أرض الفيروز التي لم يتجاوز عدد سكانها في ذلك الوقت نصف مليون نسمة.
أجاب اللواء الغاياتي بكل هدوء عن كافة الأسئلة، وبدد كل المخاوف من الأطماع المتجددة. قال إن هناك خطة من الدولة للتنمية وتوطين ما يقرب من 3 ملايين نسمة خلال سنوات قليلة.
الرجل كان يتحدث بناء على التصريحات والوعود الرئاسية بالتنمية الشاملة لسيناء في ذلك الوقت. فقد صدر قرار جمهورى عام 1994 بتخصيص 400 ألف فدان لحفر ترعة السلام بطول 155 كيلومترا، والكويت أعلنت، وقتها، عن تخصيص 17 مليار دولار لدعم المشروع. الحكومة أعلنت أيضا عن المشروع القومي لتنمية سيناء لاستزراع 670 ألف فدان، منها 400 ألف داخل سيناء وتستهدف توطين 3 ملايين نسمة من أبناء الوادي، وإنشاء 10 قرى مركزية، و45 قرية فرعية.
تتوالى القرارات والوعود الحكومية بتنمية سيناء وبتكلفة – حسب ما أعلن عنه- 60 مليار جنيه وهو مبلغ ضخم للغاية بمقاييس تسعينات القرن الماضي.
فجأة تتوقف أعمال الحفر في مشروع ترعة السلام نهائيا في عام 2000 وقبل البدء فى المرحلتين الأخيرتين من المشروع (مرحلة مزار والميدان ومنطقة السر والقوارير)، وكان مقرر الانتهاء منهما، ومن عملية حفر الترعة بالكامل فى 2002. وفي عام 2010 تقرر وزارة الري إغلاق محابس المياه عند محطة الرفع الخامسة الواقعة عند بالوظة، لتمنع المياه عن منطقة بئر العبد بدعوى تعدى الفلاحين على الأراضي، وغلق المحابس أدى لتبوير 40 ألف فدان جرت زراعتها بالفعل.
كانت وعود في الهواء وتنمية على الورق.. وضاعت فرصة ذهبية على مصر لتنمية الجزء الأغلى فيها نتيجة العشوائية وسوء التخطيط وغياب الإرادة السياسية.
تخيلوا لو كانت هناك إرادة وقدرة وحسن إدارة وتخطيط لتنفيذ مشروع تنمية سيناء منذ منتصف التسعينات.. تخيلوا صورة خريطة التنمية والإعمار والبناء وهجرة سكان الوادي إليها وزرع سيناء بالبشر.. ماذا كان يمكن أن يوفر ذلك لمصر من ردع واجهاض لأية أطماع خارجية ومخططات إرهابية، وإزهاق للأرواح التي استشهدت دفاعا عن رمال سيناء بسبب جماعات وتنظيمات الإرهاب، بدعم ومساندة دول طامعة وواهمة، وتوفير تكاليف باهظة تحملتها الدولة من أجل تطهير سيناء.
الحلم في 2014 لم يعد وهما ووعدا.. تحول إلى حقيقة وواقع على الأرض. توافرت الإرادة السياسية مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم.. كانت التحديات كبيرة والتضحيات جسيمة، فالإرهاب قد استوطن المنطقة ولاحت الأطماع في إعلان دولته ورفع رايته في شمال سيناء لتنفيذ المخطط الشيطاني.. حاربت الدولة بيد تحمل السلاح، وأطلقت مشروعها القومي للتنمية بيد في الجانب الآخر تبني.
في أقل من 9 سنوات نفذت الدولة مشروعات تنموية حقيقية في كافة الاتجاهات بقيمة تتجاوز الـ700 مليار جنيه، شملت البنية التحتية، من مد خطوط الطرق والأنفاق والتعليم، والصحة، ومراكز الشباب، واستصلاح الأراضي. والهدف الاستراتيجي كان واضحا وهو الحفاظ على أرض الفيروز بالتنمية وليس بالسلاح وحدة رغم قدرته واستطاعته.
لم تكن رؤية عادية من القيادة السياسية ممثلة في الرئيس السيسي. كانت- ومازالت- رؤية استثنائية متطلعة إلى المستقبل القريب والبعيد، واعية بما يدار في الخفاء والعلن من سيناريوهات ومخططات وأوهام عرفها الشعب المصري خلال الأسابيع القليلة الماضية. فأدرك مغزى قرار التنمية الشاملة في سيناء والتي لم ولن تتوقف.
الثلاثاء الماضي، كانت المفاجأة السارة لأهالي سيناء ولأهالي الدلتا والوادي والصعيد ولكل أهل مصر.. إلى أرض الفيروز جاءت زيارة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء تحمل المعنى السياسي بعدم التفريط في "ذرة رمل واحدة من رمال سيناء"، والمعنى الاقتصادي بإطلاق المرحلة الثانية لتنمية شمال سيناء.
أهم ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء بمؤتمر تنمية سيناء أن:
* مصر لن تسمح بحل أو تصفية أي قضايا إقليمية على حسابها
* إعادة تسكين أهالي سيناء في مجتمعات عمرانية حضارية تراعى طبيعة وثقافة المواطنين
* نفذنا مشروعات في المرافق والبنية التحتية بتكلفة 8.7 مليار جنيه في شمال سيناء
* نفذنا 14 مشروعا في الرعاية الصحية بنحو مليار جنيه في شمال سيناء
*سننفذ مشروعات في مجال الخدمات العامة بشمال سيناء بقيمة 2.2 مليار جنيه
* سننفذ مشروعات استثمارية في الرعاية الصحية بشمال سيناء بقيمة 8.3 مليار جنيه
* سننفذ 13 مشروعا سياحيا في شمال سيناء واستثمارات بـ 2.5 مليار جنيه.
* الدولة تستهدف مشروعات باستثمارات تقدر بـ 8.7 مليار جنيه فى الخدمات التعليمية
* سننفذ مشروعات تنموية في شمال سيناء بقيمة 363 مليار جنيه خلال السنوات الخمس القادمة أو ربما أقل.
المشروع الأبرز أيضا هو تنفيذ مشروع خط سكة حديد يصل من طابا إلي العريش وصولا الى الي بورسعيد ومنها الى أي مكان في مصر بطول 500 كيلو متر.
مغزى الزيارة كان واضحا ومفهوما للجميع ومن الجميع في ظل أوضاع سياسية وأمنية معقدة في المنطقة وفي ظل حرب همجية لآلة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والأراضي المحتلة
الهدف الاستراتيجي أن تحقق التنمية الحلم الأكبر في جعل سيناء زاخرة بالمشروعات الضخمة وجاذبة للاستثمارات ووطن للمصريين من الوادي والدلتا لزرع سيناء بالبشر
الزيارة الحكومية بالتعليمات والتوجيهات الرئاسية كانت ناجحة بكل المقاييس ورسائلها قوية وجلية دون مواربة أو تورية في الكلمات والتصريحات.
الأمر لا يتوقف فقط عند الزيارة فهناك عمل شاق لنصل الى الهدف.. زرع سيناء بالبشر هو مسألة أمن قومي الآن أيضا.. الهجرة أو السفر إلى سيناء ينبغي أن يكون له الأولوية لدى شباب ورجال الوطن في المرحلة الحالية، والحكومة عليها تشجيع وتحفيز سكان الدلتا والوادي والقاهرة للعمل والمشاركة في تعمير وتنمية سيناء.. الاقتراحات والأفكار كثير في هذا الاتجاه .