استمرارا للحرب على غزة فى العالم الافتراضى، وانحياز منصات التواصل الاجتماعى الكبرى مع العدوان خاصة «ميتا» أو فيس بوك وتوابعه إنستجرام وغيرها، والتعامل بازدواجية مع الكراهية والقتل، وسقطت حجة السبب التقنى، التى تبدو ضعيفة أمام عشرات السوابق من قبل «ميتا»، وتتكرر مع كل عدوان على غزة، آخرها فى مايو 2021، حيث اتهم ملايين المتعاطفين «ميتا» بالتضييق على المحتوى الفلسطينى، وممارسة «العنصرية ضد الفلسطينيين» وانحيازه للعدوان، فى أمر لا يمثل خطأ تقنيا لكنه يكشف عما هو أبعد من هذا، حيث كانت مواقع التواصل تنحاز إلى ما يناسب توجهاتها، وتفقد استقلاليتها أمام الربح، وأمام جهات تمثل ضغطا، وسبق وخضع مارك زوكربيرج للكونجرس والإدارة الأمريكى عندما اتهم بالانحياز، وقدم تعهدات التزم بها، بينما رفض الاستجابة للاتحاد الأوروبى عندما اتهم بالتورط فى نشر الأخبار والمعلومات المزيفة.
ثم إن مواقع التواصل كانت ولا تزال طرفا فى الصراعات والحروب والدعاية فى حرب روسيا وأوكرانيا، بما ينفى حيادية أدوات الإعلام فى الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ظهرت فى صفحات التواصل الاجتماعى وقرارات الوقف والمنع للقنوات والمنصات بين الطرفين، ما جعل الحقيقة أولى ضحايا الحرب، دائما، بما يسحب أى ظلال للحياد، ويضع الإعلام ومواقع التواصل طرفا فى الحروب، وفى الحرب على غزة يبدو الأمر أكثر ضراوة، وتلعب الخوارزميات دورا واضحا، وتقوم لجان مراقبة المحتوى فى «ميتا» بدور واضح فى حجب الحقيقة، وتمرير الأخبار والتقارير التى تناسب هذا الانحياز.
وتمر منشورات الكراهية طالما كانت لصالح العدوان، لدرجة أن البعض يرى أن خوارزميات فيس بوك أصبحت صديقة للاحتلال وضد الإنسانية وليس فقط ضد انتهاك حقوق المدنيين، حيث يغيب التوازن.
المفارقة أنه بالرغم من الانحياز من قبل «ميتا»، فقد كانت الحقيقة تفرض نفسها فى مواقع أخرى، والدليل أن الصور والفيديوهات انتشرت بالرغم من العدوان، ووصلت إلى العالم، وحركت ملايين المواطنين عبر العالم، وحتى فى الدول التى تدعم العدوان.
لكن الأزمة انتقلت من ميتا إلى « إكس» تويتر سابقا، وواجه إيلون ماسك موقفا معاكسا، واتهامات بالانحياز، حيث أعلن ماسك من البداية عدم التدخل فيما يعرض على منصة «إكس»، لكنه اتهم فيما بعد مع عدد من منصات التواصل الاجتماعى بنشر «معلومات مضللة» عن حرب غزة، فيما أطلق عليه «الخلل المعلوماتى»، ووجه الاتحاد الأوروبى «اتهامات» لـ«إكس» وطلبت المفوضية الأوروبية معلومات من «إكس»، عدّها مراقبون خطوة أولى قد تدفع لفرض عقوبات وغرامات مالية على المنصة إذا انتهكت قانون المعلومات الجديد، وبحسب بيان نشرته المفوضية عبر حسابها على «إكس»، فإن طلب المعلومات كان على شكل وثيقة من نحو 40 صفحة تضم أسئلة محددة، تتعلق بمعلومات مضللة عن الصراع بين حماس وإسرائيل.
ثم تطور الأمر إلى صدام وعقوبات عندما اتهم البيت الأبيض إيلون ماسك بتكرار «كذبة بشعة» بشأن اليهود، بعد أن رد ماسك بعلامة إعجاب على منشور اعتبر معاديا للسامية على «إكس»، ونفى ماسك أن يكون المنشور معاديا للسامية، لكن الأمر تطور بالفعل إلى عقوبات، ووقف إعلانات كبريات الشركات الأمريكية على منصة «إكس» وأقدمت شركات أبل، وآى بى إم، وديزنى، وديسكفرى، وشركات عمالقة الترفيه والميديا، وبعد موجة من مقاطعة الإعلانات على إكس، هدد إيلون ماسك باللجوء للقضاء ورفع دعوى قضائية ضد شركة ميديا ماترز وغيرها، بعد أن أوقفت شركات أمريكية كبرى إعلاناتها مؤقتا على موقع «إكس» بسبب اتهامات بمعاداة السامية.
مراقبون يرون أن «ماسك» يواجه عقوبات على ترك المنصة للنشر وترك الكثير من الفيديوهات والصور والمنشورات تكشف عن حقيقة العدوان، وأعلن ماسك هذا، وساهم فى انتشار الفيديوهات، وأن العقوبات والاتهامات بمعاداة السامية تمثل ضغطا على ماسك وعقابا على مواقفه التى حاول فيها أن يكون محايدا، بينما ترى تحليلات أخرى أن ماسك حاول استقطاب الغاضبين من ميتا، وبالفعل ارتفع «إكس» وحقق أرباحا، كما أنه دخل فى ملاسنات ضد سى إن إن ونشر تويتة أعلن فيها أنه سيشترى الشركة ويغلق القناة.
الشاهد أن الحرب على غزة، هى حرب على الحقيقة، فى العالمين الطبيعى والافتراضى، توظف فيها الخوارزميات، مثلما توظف الصواريخ.