لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال المشهد المهيب لآلاف المصريين فى استاد القاهرة الدولي اليوم، وهم يلتفون حول القيادة السياسية المصرية ويوجهون رسالة للعالم أجمع، بأننا كلنا على قلب رجل واحد حول ما تقتضيه المصلحة الوطنية ومعطيات الأمن القومى.
منذ اليوم الأول للحرب فى غزة (السابع من أكتوبر) اتخذ الرئيس عبد الفتاح السيسى، موقفًا تاريخيًا سيخلّد فى صفحات التاريخ المضيئة، وهو الوقوف ضد محاولات تصفية القضية الفلسطينية ومخططات تهجير أهل غزة داخل أو خارج أراضيهم، مؤكدًا أن هذا سيزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة، ويمكن أن يؤدى إلى توسيع دائرة الحرب إلى الإقليم ككل.
لقد أثبت الرئيس السيسى، منذ اليوم الأول لتوليه مسئولية رئاسة البلاد، أن مصر تمد يدها بالخير والسلام لجميع دول العالم، بلا استثناء، وأن هذه العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة دون جور على حق أحد فى العيش الكريم والإنسانية الخالصة؛ لكنه فى الوقت نفسه كان يرفع شعار "البادي أظلم"، وهو ما انعكس فى عدة مواقف، رسم خلالها الرئيس السيسى خطوطًا حمراء ضد كل ما يهدد الأمن القومي المصري.
فعلها الرئيس السيسى في ليبيا، عندما قال إن سرت والجفرة خط أحمر، وكانت قبلها تظن قوي إقليمية طامعة أن الأمن القومى المصرى المرتبط بأمن الأراضى الليبية المتاخمة لمصر يمكن أن يكون ورقة لترهيب القاهرة، أو التفكير في الاقتراب من الحدود المصرية، وهو ما تم التعاطى معه فى سياقه، ولم تجرؤ هذه القوى على تجاوز ذلك الخط الذى وضعه الرئيس السيسى.
تكرر المشهد ذاته، عندما رسم الرئيس السيسى خطًا أحمر مماثلًا فى المياه الإقليمية المصرية على البحر المتوسط، وهنا كانت مصر أيضًا تدافع عن مصالحها فى شرق البحر المتوسط بعد اكتشاف حقول الغاز فى ضوء سعى القاهرة لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة؛ وتبدّلت هذه المطامع فيما بعد لتمد هذه القوى الطامعة يدها للقيادة السياسية فى مصر وتتشارك معها فى البناء لا الهدم، وتصبح جزءًا من معادلة الشراكة، لأنها أيقنت بالأدلة والبراهين أن مصر شامخة وقوية وعصيّة على الانكسار ولا يمكن أبدًا أن تكون ورقة للمتاجرة أو عُرضة للتهديد.
ترتكن القيادة المصرية فى مواقفها الثابتة، على الكتلة الداخلية المتماسكة (الشعب المصرى) الذى حتى فى ظل الأزمات الاقتصادية والتحديات الخارجية، إلا أنه يلتف حول قيادته الوطنية المخلصة، ليكون نارًا يحرق كل من يفكر الاقتراب من ثرى هذا الوطن؛ كما أن لمصر جيشًا قويًا مرابطًا شرسًا يدافع عنها برًا وجوًا وبحرًا، وهو رغم عقلانيته ورشده إلا أنه مؤلم، غاشم إذا ما حاول أيًا كان أن يتجاوز الحدود.
من هنا، كان أحدث الخطوط الحمراء، الذى رسمه الرئيس السيسى اليوم، خلال احتفالية "تحيا مصر - تحيا فلسطين" باستاد القاهرة الدولى، عندما قال بكل قوة" إن تهجير الفلسطينيين بالنسبة لمصر خط أحمر ولن نسمح به"، ليؤكد أيضًا بأننا "قابضون على أمننا القومى المقدس نبذل من أجل ذلك الجهد والدم متحلـــــين بقــــــوة الحكمـــــة، وحكمـــــة القــــوة".
لقد وصّف الرئيس السيسى حال المنطقة العربية التى تواجه أزمة جسيمة، تضاف إلى سوابق التحديات التى تعانيها على مدار عقود، كما أشار إلى أن القضية الفلسطينية، تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية، فى ظل تصعيد غير محسوب، وغير إنسانى اتخذ منهج العقاب الجماعى وارتكاب المجازر، وسيلة لفرض واقع على الأرض، يؤدى إلى تصفية القضية، وتهجيـــر الشـــعب، والاســـتيلاء علـــى الأرض، كما لم تفرق الطلقات الطائشة بين طفل وامرأة وشيخ، بل دارت آلة القتل بلا عقل يرشدها، ولا ضمير يؤنبها، فأصبحت وصمة عار على جبين الإنسانية كلها.
منذ توليه رئاسة الجمهورية فى 2014، والرئيس السيسى يحذر من أن عدم حل القضية الفلسطينية وعدم حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، سيؤدى إلى مزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة، وأن ممارسات الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى، لن تؤدى إلا إلى مزيد من حالة الاستقطاب والاحتقان وتنذر بانفجار الأوضاع؛ وهو ما حدث بالفعل!
استبق الرئيس السيسى العالم أجمع، ووضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته، عندما دعا لقمة طارئة عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هى قمة القاهرة للسلام، ووجه كلمة تاريخية أكد خلالها إدانة مصر بوضوح كامل، استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين، كما عبر عن دهشة مصر البالغة، من أن يقف العالم متفرجاً، على أزمة إنسانية كارثية، يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطيني، في قطاع غزة، يُفرَض عليهم عقاب جماعي، وحصار وتجويع، وضغوط عنيفة للتهجير القسرى، في ممارسات نبذها العالم المتحضر الذي ابرم الاتفاقيات، وأَسَسَّ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لتجريمها، ومنع تكرارها، داعيًا إلى توفير الحماية الدولية، للشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء؛ مشددًا على أن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير، وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى، بل إن حلها الوحيد، هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، في تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، في دولة مستقلة على أرضهم.. مثلهم، مثل باقي شعوب الأرض.
ثم جاءت كلمة الرئيس السيسى أمام القمة العربية الإسلامية التى انعقدت بالرياض مؤخرًا، لتعزز من موقف مصر المشرف فى هذه القضية، ليؤكد أن المجتمع الدولى، لاسيما مجلس الأمن، يتحمل مسؤولية مباشرة للعمل الجاد والحازم لتحقيق 6 مطالب على الفور، وهى:
أولا: الوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار فى القطاع.. بلا قيد أو شرط.
ثانيا: وقف كافة الممارسات.. التى تستهدف التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان داخل أو خارج أرضهم.
ثالثا: اضطلاع المجتمع الدولى بمسؤوليته، لضمان أمن المدنيين الأبرياء. من الشعب الفلسطينى.
رابعا: ضمان النفاذ الآمن والسريع، والمستدام، للمساعدات الإنسانية.. وتحمل إسرائيل مسؤوليتها الدولية.. باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.
خامسا: التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.. وعاصمتها "القدس الشرقية"
سادسا: إجراء تحقيق دولى فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولى.
ثم نبههم الرئيس إلى تحذيرات مصر، المتكررة من مغبة السياسات الأحادية، وأن التخاذل عن وقف الحرب فى غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية فى المنطقة، وأنه مهما كانت محاولات ضبط النفس فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها.. بين ليلة وضحاها !.
إن الخط الأحمر الذى رسمه الرئيس السيسى اليوم ضد تهجير الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية، يؤكد أن نبرة مصر حادة ومدوية وتنعكس على الأرض، وليست حنجرية، إذا ما تعلق الأمر بأمنها القومى، وأنها رغم التحديات الاقتصادية والأزمات العالمية المتلاحقة، إلا أنها لا تنسى أبدًا دورها التاريخى فى دعم القضية الفلسطينية؛ ولعل دورها الكبير فى الوساطة مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية فى توقف القصف الإسرائيلى والتوصل لهدنة إنسانية يؤكد على ثقل مصر وقوة قيادتها فى بسط إرادتها على القوى الغاشمة فى المنطقة؛ كما أن مشاهد اصطفاف شاحنات المساعدات الإغاثية والإنسانية التى انطلقت من استاد القاهرة الدولى نحو معبر رفح لتصل إلى أهالينا فى غزة تؤكد على أن قيادة مصر المخلصة، هى قيادة أفعال لا أقوال، وأن ما تريده وتقرره سيتم لا محالة بقوة شعبها وجيشها وتماسكها فى مواجهة الأزمات.