عندما يدرك القائد أهمية الاصطفاف خلفه تحت راية تجمع ولا تفرق؛ فاعلم جيدًا أنه صاحب مبدأ يجعله يعمل ويجتهد ويعطي بقلب مطمئن دون توقف؛ فالوحدة دون غيرها تدحض كل آمال ومخططات المغرضين مع تباين مآربهم غير السوية، وهنا يقر أصحاب القلوب الواعية أن الأوطان تبنى وتستمد مجدها من مبدأ راسخ، لا من شعارات ونداءات مزيفة تحقق البطولات التي تسقط في أول اختبار لها.
ونهج الصراحة والمصارحة محببة لدى شعب مصر العظيم، الذي يفقه بواطن الأمور بصورة فائقة، ويقرأ المشهد بشكل عميق؛ فعندما يكاشفنا الرئيس بحجم التحدي على الملأ؛ فإن دلالته تكمن في تنمية الوعي في الاتجاه الصحيح لما يحاك بالدولة من مسارات تستهدف أمنها وأمانها ونهضتها على المدى القريب والبعيد، كما أن الحل الجذري يتمحور حول الثبات في الموقف وعدم الخضوع للضغوط من الداخل أو الخارج؛ حيث إن تصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة المصرية قطعًا خطٌ أحمر.
وفي سياق متصل نرى أن القائد الشجاع لا يقبل سياسة الأمر الواقع، مهما بلغت التحديات واستفحل الأمر؛ ليدرك الجميع عظم الأمر وخطورته؛ فالتهجير يعني دون شك وصمة عار في حق من يدعون الحرية والديمقراطية، والذين يوظفون شعاراتها في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم؛ برغم الإضرار المتعمدة بمصالح الغير.
ونجد أن القائد يحرص دومًا على متابعة ما يجري على الساحة المحلية أو الإقليمية أو العالمية؛ فحينما بدأ لهيب الحرب سارع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تدشين خلية أزمة لعلمه بخطورة الموقف، ويقينه بمخططات باتت مكشوفة له من بداية شرارة الحرب غير العادلة، وتابع سيادته عن كثب مجريات الأمور وتواصل بكل فعالية ليل نهار مع طرفي الصراع والأطراف المساندة لكلا الطرفين، وأكد بكل ثبات وقوة وحسم أنه لا تصفية ولا تهجير، وأن سيناء الالية خط أحمر.
وهناك دلالة قاطعة لتكرار موقف مصر الثابت الراسخ تجاه القضية الفلسطينية يتمثل في إحباط من يأمل أن تتقبل مصر وقيادتها الضغوط ومن ثم تسارع لفتح الحدود واستقبال المكلومين من الشعب الفلسطيني وهذا أمر يعصف بالثوابت، ويسقط الحقوق، ويردم على التاريخ، ويشوه الوجدان، ومن ثم صرح الرئيس الجسور بأن الدم المصري والفلسطيني متمازج، ولن يسمح الشعب المصري العظيم بتحطيم أفئدة الأشقاء، بل يدعمهم بكل قوة وعزمية ما دامت الحياة باقية.
أشار السيد الرئيس في خطابه التاريخي إلى أن مصر لم تتوانَ أو تتوقف للحظة واحدة في تقديم العون والمساندة على المستوى السياسي؛ فعقدت قمة القاهرة للسلام بمشاركات واسعة، حثت على تحمل المجتمع الدولي لمسئوليته في وقف الصراع وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأعزل، وواصلت مصر ندائها عبر مشاركتها بالقمة العربية الإسلامية الاستثنائية لتؤكد على موقفها في كلمات مركزة رصينة، أكدت عليها التوصيات النهائية للقمة بصورة إجرائية، وهذا ما جعل قوى دولية كبرى تتراجع عن موقفها وتقر ما أكدت عليه القيادة المصرية بأنه لا مناص عن حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعاصمتها "القدس الشرقية.
وما نراه ويشاهده العالم بأسره عبر الفضائيات من مساعدات إنسانية مقدمة من الدولة المصرية أمر مشرف ويدعو للفخر ويؤكد على صدق المشاعر والمسئولية العملية تجاه الأشقاء من أهل فلسطين، وهذا لا يقلل البتة من الجهود والمساعدات العربية وغير العربية؛ لكن نقول بكل ثقة أن مصر وقيادتها في الصدارة وفق مشاهد العزة التي تسير إلى غزة.
ورغم التحديات والتبعات والمشاق والصعوبات التي تتعرض لها البلاد؛ إلا أن مصر قيادة وشعبًا ومؤسسات وطنية عقدت العزم بنية صافية صادقة على مسارها غير قابل للتفاوض حول القضية الفلسطينية، وأن الدولة ستسلك كل سُبل الحكمة وقوتها، وكل مقومات القوة الموسومة بالحكمة؛ لتصل لمبتغاها الكائن في تحقيق العدالة وشيوع السلم والسلام في المنطقة؛ فهذا ما نادت به الإنسانية منذ بدأ الخليقة، وأقرته دساتير المجتمعات المتقدمة، ومن ثم فلا تراجع ولا استسلام عن التصدي تجاه ما يهدد المنطقة؛ لتحيا مصر، وتحيا فلسطين.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر