مع استمرار الهدنة فى غزة، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وبعض وزراء حكومته، على إطلاق تصريحات حول استئناف العدوان، ومواصلة الحرب، فى الوقت نفسه تصدر إشارات بقبول تمديد الهدنة مقابل إطلاق المزيد من المحتجزين، وقال نتنياهو أثناء جولة له فى غزة «سنبذل قصارى جهدنا لإعادة المحتجزين جميعا»، وهو ما يشير إلى تناقضات فى المواقف، ومحاولة التغطية على ما يواجهه رئيس وزراء الاحتلال من ضغوط.
ويرى بعض المحللين أن قبول نتنياهو للهدنة يعكس تغييرا فى سلوكه، تحت ضغط أهالى المحتجزين، وحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية فإن الاتفاق مع الفصائل لإطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف القتال فى غزة يعكس تغييرا فى مسار نتنياهو، من التشدد فى بداية العدوان لمواجهة أسوأ حالة أمنية فى إسرائيل إلى قبول التفاوض تحت ضغوط عائلات المحتجزين من جهة، وفقدان الدعم للعملية العسكرية، بسبب عدد المدنيين الذين سقطوا فى غزة من الأطفال والنساء والشيوخ، وبالرغم من ذلك هناك انتقادات من قبل معارضى نتنياهو لاعتماده على الحرب التى لم تحقق الأمان أو الاستقرار، بل ربما العكس، حيث أدخلت الكيان فى أزمة إضافية انعكست فى تظاهرات داخل إسرائيل تدعو لوقف الحرب، والاتجاه إلى السلام، فى إشارات لدعاوى مصرية واضحة من البداية، ويعتبر كثيرون أن تصريحات وزير الدفاع باستمرار الحرب تخفى غياب أى تقارير عن تحقيق نتائج استراتيجية، وأنه يتحدث عن إطالة الحرب من دون تصور حول ما يمكن أن يحققه العدوان أكثر مما تحقق.
واعتبر بعض المحللين جولات نتنياهو فى قطاع غزة، محاولة استعراضية للتغطية على موقفه الصعب أمام المجتمع الإسرائيلى، بجانب فقدان الكثير من الدعم من دول كانت تقليديا تدعم الاحتلال، وتبرر مزاعم الدفاع عن النفس، بينما الاعتراضات والتظاهرات والمواقف فى دول العالم تشير إلى تحول فى الموقف ضد العدوان، وتطالب بمحاسبة نتنياهو على جرائم حرب ضد المدنيين فى غزة، وقد تراجعت معظم الدول الأوروبية عن موقفها الداعم بسبب المجازر التى ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، والتى وصفت بأنها ترقى إلى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
وأثار رئيسا وزراء إسبانيا وبلجيكا، غضبا إسرائيليا بسبب تصريحاتهما حول غزة، واتساع التنديد بالمجازر التى ترتكبها إسرائيل فى غزة من قتل المدنيين، ومطالبة قادة أوروبا الاحتلال بضرورة حماية السكان المدنيين، والامتثال للقانون الدولى.
هذه الردود والمواقف الدولية تثير غضب حكومة الاحتلال ضد أكثر من دولة أبدت رفضها لاستمرار العدوان، حيث تم استدعاء سفيرى إسبانيا وبلجيكا فى تل أبيب لتوبيخهما إثر تصريحات أدلى بها رئيسا وزراء الدولتين من معبر رفح المصرى، أدانا فيها عنف الاحتلال ضد المدنيين، حيث طالب فيها رئيس وزراء إسبانيا بالاعتراف بدولة فلسطين، كما استدعت الخارجية الإسرائيلية سفير أيرلندا بسبب تغريدة لرئيس الوزراء الأيرلندى، وصف فيها إسرائيلية تحمل جنسية أيرلندية بأنها كانت «مفقودة» ولم يقل «مخطوفة»، وأعلن إدانته للعنف والعدوان بشكل حاسم، وهو ما دفع وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين، لاستدعاء السفير الأيرلندى فى تل أبيب «واتهام فاركار».
وحتى فى الولايات المتحدة الداعم الرئيسى للاحتلال، تتسع الاختلافات والانقسامات، وتصل إلى أن مجموعة من موظفى البيت الأبيض اجتمعوا مع الرئيس الأمريكى جو بايدن، لمعرفة استراتيجية الإدارة للحد من الضحايا المدنيين، واعتبرت «واشنطن بوست» الأزمة أنها «أكبر أزمة فى السياسة الخارجية خلال رئاسته»، ما أدى إلى تقسيم البيت الأبيض، حيث تسببت حرب غزة فى تصدعات داخل الإدارة الأمريكية وأزعجت العديد من المسؤولين والحلفاء داخل البيت الأبيض وخارجه بسبب تعامل بايدن مع الأزمة، وحثت مجموعة من الأعضاء الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ الأمريكى، بايدن، للضغط على إسرائيل لاتخاذ خطوات فورية لتسهيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة، ودعا السيناتور الديمقراطى كريس ميرفى، المشرعين الأمريكيين للنظر فى ربط المساعدات المستقبلية لإسرائيل بامتثالها للقانون الإنسانى الدولى.
كل هذه المؤشرات تدفع الكثير من المحللين لتوقع توقف العدوان، بالرغم من ادعاءات نتنياهو، ووزير دفاعه، بالسير نحو الحرب، مع وجود اتجاه دولى واضح من أوروبا وغيرها بتبنى وجهة النظر المصرية، لوقف الحرب والسير نحو سلام ينتهى بدولة فلسطينية، وهو ما يجعل أزمة رئيس وزراء الدولة العبرية مزدوجة، فى الحرب أو السلام.