الحقيقة الوحيدة إلى الآن أن «غزّة» تحت النار: الجغرافيا والبشر وصلاحية الحياة، وليست «حماس» وحدها.. فى هذا المناخ يتساوى حامل السلاح مع الحنجورى؛ طالما المأساة مُستمرّة ونهر الدم لم ينحسر. وليس فى مقدور الناظرين من زاوية الإنسانية إلا إدانة النازية الصهيونية، بقدر انتقاد بعض الساعين إلى المُتاجرة بالأزمة أو استثمار قوافل الجنازات لإحراز مكاسب فى ساحاتٍ بديلة.
تعيش إسرائيل مأزقًا عسكريًّا وأخلاقيًّا؛ لكن قيادة المحور الشيعى ليست فى فسحةٍ من أمرها، بل يشتدّ الخناق حول أطرافها، وكل ما يعنيها أن تصرف أرواح الغزّيين على طاولات التفاوض. المشهد شديد التركيب؛ وربما تكون المواجهة الحالية أشرس ما مرَّ على القضية، وأخطره أيضًا؛ لأن تطوّراتها خالفت الحسابات المُسبقة، ولأن الفاعلين فيها تلقّوا ضربةً غير مُتوقَّعة من أصدقائهم المُقرّبين، ثم إن الغول الإسرائيلى ما يزال جريحًا مع عجزٍ عن الحسم. تُهدّد الصيغة القائمة بمزيدٍ من التصدُّعات على الناحيتين، بخاصةٍ أن كل فريق يعضّ الإصبع المبتورة لدى الآخر، وينتظر صرخة الألم التى لن يُطلقها. تُرهَن فلسطين على موائد الطامعين، ويموت الذين لا نصيب لهم من الربح مع أى رابحٍ مُنتظَر.
لم يجد القيادى الحمساوى على بركة غضاضةً فى القول إنهم صُدموا من موقف واشنطن، ولم يتوقّعوا أن تتدخل هكذا لجانب إسرائيل. وعبّر خالد مشعل وآخرون من قادة الحركة عن مرارةٍ فى أفواههم من تحفُّظ الحلفاء تحت عمامة «وحدة الساحات». الخلل الأول أنهم أقدموا على عمليةٍ بحجم «طوفان الأقصى» وتجاهلوا أنها ستحشد دعمًا غربيًّا غير مسبوق للعدو، والثانى أنهم ارتكنوا لوهمٍ كامل عن فاعلية ما يُسمّى «محور المقاومة» واستقامته المبدئيّة والأخلاقية معهم.. هوامش الخطأ فى الحساب تُرجِمت إلى «جالونات إضافية» من دماء المدنيّين، ورغم واقعية القول إنها قضيّة تحرُّر وطنى؛ والمعتاد أن تُرصَف طُرق الاستقلال بالجُثث والأشلاء؛ فلا يُمكن التغاضى عن أن هناك استسهالاً فى قراءة المُقدّمات واعتباطًا فى تصوُّر النتائج، كما أن السياق لم يخلُ من توظيفٍ سياسى «فوق فلسطينى»، يجعل كلَّ قطرة دمٍ طوقًا من النار فى أعناق الرُّعاة والمُموّلين، لأنها لا تسيل من أجل القضية حصرًا؛ بل على قاعدة المُناورة بالجبهات الساخنة؛ لإفادة المركز الذى أغرته صفقة «الرهائن والدولارات» باللعب على مُساوماتٍ أكبر.
ثمّة مدخل لا فِكاك منه؛ أن «طوفان الأقصى» بقدر ما عبَّرت عن انسداد الأفق السياسى، حملت دلالاتٍ عن افتقاد اللغة المُقنعة وتوازن المصالح داخل المحور الشيعى. عندما أطلقت الفصائل عمليّتها من دون تنسيقٍ مُسبَق؛ على قولهم جميعًا، كانت تستهدف مُفاجأة العدوّ والحليف معًا، وإحراج الأخير ليدخل على الخط؛ أى أنها كانت تتشكَّك فى رغبته الجادة لإسناد أىّ فعلٍ مُقاوم؛ ما لم ينضبط على ساعته ويصبّ فى خزّان منافعه. باختصار؛ أرادت «حماس» امتلاك المُبادأة فى مُواجهة الجبهتين، وأن تكون ضربتها بداية طوفان شامل يتفجَّر من ميليشيات لبنان وسوريا والعراق واليمن، هكذا تنفتح دلالة التسمية، وربما يقود ذلك لإشعال الإقليم وتوريط بقيّة الأطراف العربية. لم يكن الأمر صافيًا من لمحةٍ انتهازية؛ غرضها فرض إيقاع المقاومة على الجميع: العدوّ والحليف والجيران. أمَّا الشىء الذى لم يكن فى حسبانهم؛ فهو كيف تعيش «غزّة» وسط صراع الإرادات؛ عندما يتوحَّش الاحتلال ويجبُن المُمانعون، مع استعلائهم على خطاب السياسة والدبلوماسية الذى ترعاه عواصم المنطقة؛ دون اعتبارٍ لأنهم عندما صنعوا الأزمة لم يستشيروا أحدًا. تتلقَّى الحركة أوامرها بالفارسية وتُزايد بالعربية، وتتجاهل أنها فى حاجةٍ ماسّة إلى اعتماد لسان واحدٍ؛ حتى تكون مفهومة ومنطقية وواضحة المعنى والاصطفافات.
لا خلاف على أن الاحتلال هو المُجرم الأكبر والدائم. هذا من البديهيات التى تصير لججًا ورطانة من كثرة التكرار. تعيش فلسطين مشهد التسلُّط الصهيونى منذ ثمانية عقود، واختبرت الفصائل كلَّ أدوات المُقاومة، وباتت خبيرةً فى انتهاجها أو حساب تكاليفها. فائدة التراكم الطويل أن نكون أجرأ فى اجتراح الأسئلة الجادة؛ وأن نتحلَّل من الرومانسية لنُحرِّر العقل من قيود العاطفة. المخاطر التى تُهدِّد القطاع اليوم أكبر من أىّ وقتٍ مضى، والمقاومة نفسها فى عين العاصفة، وما أُريدَ لمنافع سياسية بات سببًا فى نزيف أفدح للأرض والبشر. كلُّ ميليشيات المنطقة تدّعى أنها سائرةٌ على طريق القُدس، وقيادة المحور أسَّست فيلقًا كاسرًا باسمها؛ تسرَّب من زواريق الجغرافيا العربية كلها إلا فلسطين. تُباد «غزّة»؛ بينما يتحضّر حُلفاؤها لشغل مواقعهم على طاولة التفاوض، ولا يُلوّحون بالقوّة إلا لضبط المواعيد وترقية الفُرص المُحتملة.
ما يُثير الهلع؛ أنك إزاء عدوٍّ مجنون، لم يستوعب حجم هزيمته إلى الآن، وليس فى حقيبته برنامجٌ واضح لإدارة الصراع. قُرابة أسبوعين على المناوشات البرية، نصفها فى توسعة العمليات عبر أربعة محاور، وقسمة القطاع لجزأين وحصار مدينة غزّة. احتاج الجيش المُدجَّج بكل الأسلحة وقتًا طويلاً ليتوغّل كيلو مترين إلى ثلاثة، ومع الطبيعة الحضرية وشبكة الأنفاق ستطول المذبحة بمزيدٍ من اللوثة والتدمير. صحيحٌ أن المزاج العالمى يتبدَّل؛ لكن الحكومات الكبرى على انحيازها، ويرفضون التهدئة بادّعاء أنها تفيد الفصائل. نرى من زاويتنا أن المواجهة اليوم تختلف عن أيّة حرب سابقة، ومن زاويتهم يتّفقون فى التوصيف ويختلفون فى المآلات، ويُطوّرون الأفكار بينما نقف عند النشوة الأولى. قالوا إنهم سيقضون على «حماس» نهائيًّا، ثم اكتفوا بتعطيل قوّتها لتعجز عن الإيذاء، واغتيال «السنوار والضيف» وأبرز مُعاونيهما، وامتد التداول إلى إخراج قادتهم، أو كل المقاتلين، وإحلال قوّة أُمميّة لفصل القطاع عن إسرائيل وامتداده فى الضفة. خُلاصة الاقتراحات أن الحركة لن تكون طرفًا فى مُعادلة المستقبل، وربما لا تعود «غزّة» كلها مطروحةً ضمن خيار الدولة المأمولة.. كأن العدوّ وجد ضالته على طبقٍ من ذهب، وتشجَّع للمُجاهرة بأمورٍ كان يعدّها أحلامًا مُؤجّلة، وصار يتعاطى معها كما لو أنها واقعٌ على مرمى حجر.
فكرة إخراج المقاومة لعواصم إقليمية ليست جديدة، وسبق أن تحقَّقت بتفاهماتٍ قادتها واشنطن نفسُها. هذه واحدة من مُشكلات «حماس» اليوم؛ فإذا كان مُقاتلوها على الأرض يعيشون المعاناة ويُشاركون الغزّيين مرارتهم، حتى لو وفَّرت لهم الخنادق العميقةُ ملاذًا آمنًا إلى حين؛ فإن قادة الخارج كأنهم يجلسون على طاولة المُقامرة بالبلد والأرواح، ويستفيدون من الحرب ذيوعًا وحظوةً لدى رُعاتهم، ولا يُقدّمون للقضية إلّا الفتنة والانقسام. الجديد فى الخروج أنه سيكون على شرط الموت المُؤجَّل، أى أن «تل أبيب» ستسعى لإلحاقهم ببيئاتٍ سائلة أمنيًّا؛ لاصطيادهم وتحقيق ما عجزت عنه فى غزّة، ويتلاقى طموحها مع ما تردَّد عن قبول بعض عواصم الإقليم ترحيل قادة الحركة، بعد الوصول إلى تهدئة أو صفقة لتبادُل الأسرى. المُؤكّد أن المقاومة لن تبتلع الطعم؛ لكن الاحتلال لن يضع بندقيّته طالما ظلّ عناصر القسام نشطين، وعندما يتجدَّد المسار السياسى لن تكون «حماس» شريكًا فيه، وقد نجح خصمها فى تسييد سرديّة «الداعشية». ربما يتحلحل الموقف بالنظر إلى أن الاحتلال وصف مُنظّمة التحرير سابقًا بالإرهاب ثم اعترف بها؛ لكن سيستغرق الأمر سنوات، ربما يذوى فيها المحور الشيعى، أو تبتكر القضية تيّارات أقدر على حَمل الراية دون امتداداتٍ خارجية، يستفيد منها الآخرون بأكثر ممّا تستفيد فلسطين.
لم يعد الصراع فلسطينيًّا إسرائيليًّا خالصًا؛ إذ دخلت على الخطّ أطراف أخرى، وصار لها من الأمر أكبر ممّا لأصحابه. كلمة أمين «حزب الله» عصر الجمعة حملت إشاراتٍ دامغة؛ فكان الأداء لأكثر من ثمانين دقيقة كأنه «مُسدّس الصوت»، دون اشتباكٍ جاد مع المشهد أو إعلان صريح للنوايا. وجّه حسن نصر الله الشكر لكل شركائه فى محور الحناجر الزاعقة، حتى الحوثيين الذين يستعبدون اليمنيين ولا يختلفون عن إسرائيل فى استحلال الدماء؛ لكنه لم يُقلع عن إدمانه الرخيص للمكايدة وابتزاز المحيط العربى. كل ما عناه أن يُبرّئ مُشغّليه من العلاقة بعملية طوفان الأقصى، وأن يُوصل رسائل مُبطّنة بأن التفاهم مع رأس المحور هو الضامن لتبريد الساحات. هكذا يصبح «عدم التصعيد» ورقةً للمُساومة، ويُترجَم إلى مكاسب قد تُجنَى فى سوريا والعراق، أو فى الرئاسة اللبنانية التى يُعطّلها الحزب وحليفه فى حركة أمل.. إذا كان العدو الصريح شديد الخسّة والإجرام، فإن العدوّ المُتلوِّن بمساحيق الصداقة قد لا يقلّ قُبحًا ودناءة؛ لأنه يستثمر فى الدم، ويرهن الأرض لمصالح عقائدية مذهبية، ويُقدّم غطاءً شعبويًّا رديئًا للقاتل الأصلى.
انتظر الرجل أربعة أسابيع، سمّاها إعلامه المُلوّن «الصمت الفاعل»؛ لكنه عندما تكلّم أحدث ارتياحًا فى إسرائيل، ورأوا أنه خذل المقاومة وأكّد خضوعه للتحذيرات.. إذا تذرّع البعض بأن المنطق لا يقبل أن تكون مع السلام وتنتقد الخطاب؛ فالمنطق نفسه أنه لا يُمكن أن تتألّم للمدنيّين ولا تُدين المحور الذى يرعاه، أو تُزايد على العُقلاء. «حماس» ليست أعزّ على قيادة التيّار من «حزب الله»؛ وإن كانت الأولى نابًا مُدبّبًا؛ فالثانى هو «كلب الصيد» بكامله. وُضِع التدخُّل رهن حسابات الربح؛ والعمائم السوداء رابحةٌ من الحالة القائمة؛ فلماذا تُطوّرها أو تلتحق بالحرب؟! أمّا الحديث عن ترقُّب أحوال «غزّة» قبل التصعيد فيتجاوز السخافة؛ لأنها أُبيدت بالفعل، وكل ما سيجرى عليها لا يتجاوز تكرار ما جرى. هنا يُطلّ سؤالٌ حاكم: لماذا لم تُفكّر فصائل القطاع كما فكّر رُعاتها وشركاؤها المُمانعون؟ ولماذا لم تستلهم منهم الحكمة الراسخة فى وعيهم: إن لم تكن ضربتك قاتلة؛ فلا تُغامر بالتصويب على الوحش؟!
السؤال اليوم ليس عن الانتصار؛ سواء انتصر المُمانعون أو الصهاينة، إنّما عن مُستقبل الغزّيين وقد باتوا فى العراء، وعن مفاعيل النصر الموهوم لصالح الخروج من دوّامة الدم الخانقة. إسرائيل غير راغبة فى الوصول لحلّ الدولتين، لكنها تتعطَّل أمام السياسة وتجد غنيمتها مع السلاح؛ أى أن المقاومة العنيفة مصلحة مُباشرة لليمين القومى والدينى فى تل أبيب.
دعونا لا ننسى أن اتفاق أوسلو، بكل أمراضه وتشوّهاته، أحرز لفلسطين ما لم تُحرزه «حماس» وشقيقاتها تحت راية الإخوان أو الشيعة؛ على الأقل أنتج السلطة التى تخاصمت فيها الحركة واقتطعت «غزّة» طمعًا فى الانفراد بها، ووقتها قبل سبع عشرة سنة اقتحمت بيوت قادة الضفّة فى القطاع ونكّلت بأعضاء «فتح» وألقتهم من أعلى المبانى قُربانًا لشهوة الحُكم.. الحاخامات هناك رقصوا على جثّة «رابين» ويريدون تشييع اتفاقيّته لتجاوره فى القبر، وشيوخ القطاع يُساعدونهم دون الوقوف على ورقة سياسات بديلة. أطلقت «حماس» وثيقة مبادئ فى 2017 ترتضى «حلّ الدولتين» على حدود يونيو 1967؛ لكنها لم تُراجع موقفها من مُنظّمة التحرير التى ترفضها، وتسعى لوراثتها رغم إنكار الاتفاق الذى أنتجها. يتطلَّب الظرف مُراجعةً جادة وأمينة؛ لأن التناقض الحار قد يُسوّغ الطبخة للمُؤدلجين وشُركاء الحاضنة؛ لكنه لا يصمد فى أيّة مُداولة سياسية ووطنية مُخلصة.
الغرب عاجزٌ فى الدبلوماسية، وخارق فى القوة والبلطجة. منعَ قرارات مجلس الأمن بالفيتو لا بوجاهة الطرح والإقناع، وسقط فى الجمعية العامة لأنّ سلاحه لم يكن معه. عندما تُنقَل المُواجهة مع إسرائيل لميدان الحرب، سيكون الغربيّون فعّالين جدًّا لصالحها.
إنهم يطرحون «حلّ الدولتين» للاستهلاك السياسى وتقطيع الوقت؛ لكن عندما ينطلق الرصاص تتوقَّف الساعات أصلاً. والحقيقة أنه لا يجب أن تكون «غزّة» ورقةً فى دفتر النزاع بين واشنطن وخصومها الإقليميين، إنما أن تعود جزءًا من الدفتر الفلسطينى المرفوع ضد تل أبيب، بتوازنٍ خلّاق بين السياسة والسلاح، رُكنه السلطةُ الوطنية بعدما تُعاد هيكلتها. إن العلاقة طرديّة بين المُتطرّفين؛ إذ يتبادلون المنفعة ومُبرّرات الوجود، بغض النظر عن الخلفيات والأغراض. ليس مُهمًّا هل كان التطرف الصهيونى سابقًا للنزعة الأصولية لدى المقاومة أم لاحقًا؛ الواقع أنهما يعيشان معًا فى علاقة طفيلية ضحيّتها القضية وناسها. والمُفارقة أن الفُرص الكبرى التى يُقدّمونها لبعضهم قد تنقلب للضدّ أحيانًا؛ هكذا سعت الفصائل عبر «طوفان الأقصى» لاستعادة بريقها، ورأت النازيّة الصهيونية فى العملية مُرتكَزًا لتصفية قسمٍ من فلسطين؛ لكن النتيجة أنها حفرت قبرَ اليمين هناك، وتُعزِّز وجاهة الخيار السياسى والنضال السلمى على الجانب الآخر. لا يهمّ أن «نصر الله» يتحدّث ببجاحةٍ كما لو كان مُنتصرًا، بينما دفن ستّين من ميليشياته وما يزال عاجزًا عن كَسر الشاشة للالتحام بجمهور «لبيك يا زعيم»؛ فالواقع أن غزّة وكل فلسطين تضرَّرت من «بنادق الصوت»، بقدر ما أضرّتها غُشومة المُحتلّ البغيض.
لم تُحقّق إسرائيل شيئًا للآن فى عمليّتها البرية، وتكبَّدت خسائر مادية وبشرية باهظة، وآخذة فى التزايد. سعيها إلى إخراج المُقاتلين من الأنفاق أو دفنهم فيها قد يستغرق شهورًا؛ وفى الغالب لن يتم لها ما أرادت بالكيفية التى تتوخّاها. الخُلاصة أن «حماس» باقية، ولو على أطلال غزّة، ومحور الممانعة لن يتوقَّف عن تجارة الشعارات علنًا وإبرام الاتفاقات المشبوهة سرًّا، والدول الوازنة تمضى فى طريقها المُتعقّل لتفعيل أدوات الدبلوماسية والقانون. المُعادلة الدولية مُختلّةٌ دون شكّ؛ لكن السنوات الطويلة أثبتت أن التصادم المُراهق معها يُنتج أوضاعًا أسوأ، والمنطق أن تُدير التوازنات القائمة؛ لتستمر المباراة بالنقاط بدلاً من انتهائها بالضربة القاضية.. لا إنكار إطلاقًا لأن «طوفان الأقصى» أحدثت حراكًا مُهمًّا، ولا لوم على المُقاومة فى أن تنتهج المسارات كلها نحو حقوقها المشروعة؛ لكن دون صرف العوائد فى رصيد السياسة قد يضيع أثر الضربة، أو تصير رصاصةً على القضية لا فى قلب العدو. «بنادق الصوت» فى الساحات التى تاجرت طويلاً بوحدتها، ما قدَّمت لفلسطين شيئًا، بالسلاح ولا بالسلام؛ لكنها تُمسك السكِّين لتقطع نصيبها من الكعكة المخبوزة بدماء الأطفال وأشلائهم. اللهمُّ اكف فلسطين والفلسطينيين شرَّ الحلفاء التجَّار المخابيل، أمَّا إسرائيل فإنهم وداعموهم الصادقون المُخلصون كفيلون بها، وسلامًا على «غزّة» والغزّيين.