عصام محمد عبد القادر

الحروب وآثارها المدمرة.. الاقتصاد أنموذجًا

الثلاثاء، 07 نوفمبر 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تُؤدي الحروب إلى خسائر فادحةٍ بين طرفي الصراع أو لدى الدولة المُعتدى عليها؛ حيث تسفر نتائجها المباشرة عن تدميرٍ بالبنية التحتية وإزهاقٍ للأرواح، وتدميرٍ للاقتصاد؛ فتقصف الموانئ والمطارات والمخازن بتنوعاتها، وتلحق ضررًا بالغًا بالطرق ومساراتها وتنوعاتها؛ فتكاد تتوقف الحركة، ناهيك عن تعطل عمل كافة المؤسسات الانتاجية وخروج المؤسسات الخدمية وخاصةً الصحية منها عن العمل؛ بالإضافة لحالة الذعر والخوف والخشية من الموت المتوقع على مستوى الفرد المسلح والمواطن الأعزل.
 
وللحروب أثارٌ باقيةٌ لا حصر لها على مستوى الفرد والجماعات؛ إذ تخلف الفرقة وتزيد النزاع وفقد الثقة وتشوه الحياة بكامل مكوناتها؛ فيعاني السكان من حالات نقصٍ شديدٍ سواء في الحصول على الطاقة، أو الغذاء، أو حتى الماء النظيف، ومن ثم تتزايد معدلات الوفاة بشكلٍ متسارعٍ، وتقل حالات الإنجاب بقدرٍ كبيرٍ؛ فالمعاناة البشرية فادحةٌ؛ فتتفاقم الأمراض النفسية وتبعاتها، وتتنامى حالات التشرد والفقر والجهل، وتعيش المجتمعات في عصورٍ من الظلام والجهل والتردي على كافة المستويات.
 
وإذا ما تطرقنا للوضع الاقتصادي جراء الحروب بصورةٍ مفصلةٍ، نجد أن الدولة التي تدخل براثن الحروب تحتاج لدعمٍ ماديٍ طارئٍ وسريعٍ واستثنائيٍ يلبي جزءًا قليلًا من الاحتياجات الأساسية التي تتزايد من لحظةٍ لأخرى؛ حيث يصبح هناك عجزٌ شبه تامٍ وتوقفٌ عن الإنتاج بكافة صوره ومساراته، ومن ثم يسقط الاقتصاد في الهاوية، ويخلف عوزًا بالغ الخطورة في شتى مجالات الحياة.
ونظرًا لحالات النزوح الجماعي التي قد تتعرض لها مناطق بعينها أثناء الحروب، مما يؤدي إلى حدوث أزماتٍ إنسانيةٍ منها قلة المواد الغذائية والوقود؛ نتيجةً لانخفاض معدلات الأمن الغذائي، مقابل تزايد معدلات الفقر، وبدون شكٍ يتأثر القطاع الزراعي بشكلٍ مباشرٍ وسريعٍ نتيجةً للحروب؛ فلا توافر الأسمدةٍ، ولا توجد تسهيلاتٍ لتنقلاتٍ آمنةٍ للنتاج الزراعي أو مستلزماته، كما أن القوى البشرية تفقد الرغبة في العمل تحت وطأة ورُهاب الحرب؛ لذا يعاني المجال الزراعي انهيارًا متتالياً باستمرار ويلات الحروب في البلاد.
 
وفي أوقات الحروب وبعد انتهاء مجرياتها وأحداثها الدامية تقع البلاد المتناحرة تحت وطأة خمول النمو مقابل ارتفاع معدلات التضخم، وهذه نتيجةً حتميةً لارتفاع السلع الرئيسة، مقابل انخفاض قيمة العملة، بما يؤدي إلى تآكل الدخول، وضعف الإقبال على الطلب والشراء، يُزاد على ذلك ندرة الإمدادات المتوقعة من دول الجوار أو الدول الصديقة، كما تتراجع مستويات الثقة لدى المستثمرين؛ فتهرب رؤوس الأموال والاستثمارات لأماكن آمنةٍ، ومن ثم تتراجع قيمة أصول الدولة التي تخوض غمار الحرب.
 
وتُخلف الحروب تضخمًا كبيرًا في أسعار الطاقة بتنوعاتها المختلفة؛ فيصعب توسيع نطاق الإمدادات لها، بما يزيد من الضغوط المادية على الدولة بشكلٍ مباشرٍ؛ نتيجةً لزيادة معدلات الإنفاق في هذا الخضم الخطير، وفي المقابل تكبح الدولة نشاطاتٍ تُعد بمثابة شريانٍ داعمٍ للاقتصاد بها؛ حيث يتوقف النشاط السياحي تمامًا، وتنعدم استثماراته المتنوعة، كما تتضاءل معدلات التحويلات المادية داخل الدولة وخارجها، بما يحدث فجوةً واسعةً في معدلات النمو الاقتصادي، ويصل الأمر لزيادة معدلات النزوح، وتطفو على السطح ظاهرة اللجوء التي قد تضير بدول الجوار واقتصاداتها.
 
وأثناء خوض المعارك تتوجه اهتمامات الدولة نحو توفير الموارد والمستلزمات والأسلحة والعتاد العسكري، بغض النظر عن تكلفته الباهظة؛ فالغاية تبرر الوسيلة، وتحقيق النصر هو الهدف المنشود، مع التجاهل التام لتأمين الحياة الاقتصادية وما يتمخض عنها من أثارٍ اجتماعيةٍ وصحيةٍ ونفسيةٍ وتعليميةٍ وثقافيةٍ؛ فتنهار المؤسسات وأسواق العمل، وتتردى إنتاجية الشعوب بشكلٍ مضطردٍ كلما زاد أمد الحرب وتوابعها، وبالتالي تتفاقم معدلات الفقر والبطاقة بشكلٍ مخيفٍ، قد يؤدي لسلوكياتٍ مقيتةٍ منها تزايد معدلات السرقة والاغتصاب والقتل والاعتداءات غير المبررة والخروج عن النظام العام؛ لتعم الفوضى في صورتها الهدامة.
 
إن اقتصاد العالم بأسره يأّنُ جراء حربٍ بين بلدين كانتا مصدرًا رئيسًا للسلع الأساسية، وأضحى الاقتصاد العالمي يعاني العديد من الأزمات غير المتوقعة، وصار الأمن الغذائي مهددًا لكثيرٍ من دول العالم؛ لذا باتت الحلول كامنةً في الاعتماد على الإنتاج المحلي قدر المستطاع، ووجهت الدول ومنها مصر اهتماماتها إلى تطوير القطاع الزراعي؛ ليوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للشعوب.
ولندرك تمامًا أن أثار الحروب متنقلةٌ ومؤثرةٌ على اقتصاديات دول العالم وتجارته؛ فدول العالم قاطبةٌ بينها شراكةٌ يصعب بحالٍ الانفكاك عنها، خاصةً في مجال الطاقة والمواد الأولية والأساسية، ومن ثم تتأثر الدورة الاقتصادية للدول تحت ما يسمي بالركود الاقتصادي، ولا مناص من مناخٍ يتسم بالسلام طويل الأمد ليتعافى الاقتصاد شيئًا فشيئاً.
 
لقد عاشت مصر ويلات الحروب ويدرك شعبها العظيم وقيادتها الرشيدة أثارها المدمرة؛ فلا مجال للنداءات التي تنبعث من حناجر الأفاقين والمنافقين وأصحاب الأجندات والمغرضين، والتي تحض على دق طبول الحرب؛ فهناك نهضةٌ وإعمارٌ تنتظر جمهوريتنا الجديدة لتعيش في سلامٍ وأمانٍ وتحقق التقدم والازدهار والريادة التي تضمن الحياة الكريمة وجودتها لجموع الشعب العظيم الذي يستحق.
حفظ الله شبابنا ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة