"صنع في مصر".. أقرب الشعارات التي تلمس قلوب المصريين، وتعبر عن روح الانتماء والولاء للوطن، فدائما ما يظهر المعدن النفيس والأصيل للشعب المصري العظيم في وقت الشدائد والمحن والأزمات، فتجده مصطفا خلف بلده مساندا ومشجعاً ومحفزا، ومع أي أزمة اقتصادية تتعرض لها الدولة تتعالى الأصوات مطالبة بوقف أو الحد من الاستيراد والاعتماد على البدائل من المنتجات المصرية لتوفير العملة الأجنبية الصعبة من ناحية، وتعزيز القيمة التنافسية للمنتج الوطني ودعم وتنمية الصادرات.
في الفترة الراهنة لا حديث يعلو عن "القضية الفلسطينية" إزاء الهجوم والعدوان البربري الغاشم من الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمدنيين في قطاع غزة، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وقتل النساء والأطفال، ليكون الشعب المصري بكافة أطيافه على قلب رجل واحد داعماً ومناصرا للقضية الفلسطينية خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة كعهده دائماً، ومؤيداً لأي تدابير وإجراءات تتخذها الدولة للحفاظ على الأمن القومي المصري ودعم القضية الفلسطينية، وهذه الغضبة الكبيرة للشعب المصري جعلت قطاعا عريضاً منه يدعو لمقاطعة أي منتجات مستوردة من أى دولة أو جهة تدعم الاحتلال الإسرائيلي، متبنيا حملة موسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم وتشجيع المنتجات المصرية.
ويتسابق المصريون في طرح وتقديم أفكاراً جيدة لتعظيم قيمة وجودة المنتج المحلي لينافس المنتجات العالمية، وسط ثقة كبيرة أننا نستطيع بالعزيمة والإرادة والعلم والتكنولوجيا أن ننهض بالصناعة الوطنية لإعادتها إلى ريادتها، حتى وإن كانت بعض المواقف تغلب عليها العاطفة الوطنية إلا أنها بارقة أمل لإحياء وتعزيز المنتجات المحلية، فالعديد من شبابنا الواعد وضع يده على مشكلات الصناعة المصرية وخاصة فيما يتعلق بالتسويق والثقة والجودة والتطوير والتمويل.
وللإنصاف، فإن الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تبذل جهوداً حثيثة خلال السنوات الأخيرة لدعم توطين وتعميق الصناعة الوطنية، لتعزيز الإنتاج المحلي وجذب الاستثمار، وتسعى لتذليل معوقات الصناعة وزارة العراقيل الإدارية والروتين والبيروقراطية، وعندما يكون لهذه الجهود ظهير شعبي قوي مؤيد وداعم ويثق في المنتج المحلي، أعتقد أنه مع الوقت والاستدامة ستحدث طفرة حقيقية في الصناعة الوطنية، مما يؤدي لرفع القدرة التنافسية للمنتج الوطني وتنمية الصادرات، وزيادة معدلات التشغيل والحد من البطالة، وكل ذلك يصب في صالح النهوض بالاقتصاد الوطني.
نعم.. كل تجربة ناجحة أو إنجازات تحققت كان وراءها حلم ثم إرادة وعمل وعظيمة وفكر واعتماد على العلم، لذلك من حقنا كمصريين أن نصدق حلمنا بأن يعود شعار "صنع في مصر" براقا عاليا ليس في مصر فقط، إنما أيضاً في مختلف دول العالم، أن نصنع ونصدر، ونحقق حلم أو خطة الدولة المصرية في تحقيق 100 مليار دولار صادرات سنوياً، ولماذا لا نخطط أن نصل لأكثر من ذلك.. صدق حلمك واسعى واعمل بجد وسيتحقق يوما ما، أن نجد مصر من أهم وأكبر الدول الصناعية.
كما يجب الوقوف على تجارب توطين الصناعة وتعميقها في عدد من الدول الصناعية الرائدة، والاستفادة من التجارب الناجحة، بما يشمل تجارب أفضل الدول الصناعية على مستوى العالم ممثلةً في: ألمانيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وإيرلندا وتايوان وسنغافورة، بناءً على تصنيف منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية الصادر عام 2022، والذي يعتمد على مؤشر الأداء الصناعي التنافسي (CIP) ، وهو مؤشر مركب يعتمد على ثلاثة أبعاد تتمثل في: (القدرة على إنتاج وتصدير السلع المصنعة، العمق التكنولوجي والارتقاء به، والتأثير العالمي)، ويقيس قدرة بلد ما على إنتاج وتصدير الصناعات بشكل تنافسي، وهناك تجارب لدول أخرى.
ختاما.. أهمس في أذن المصنعين في مصر وأنصحهم: "كونوا على قدر ثقة الشعب المصري العظيم الداعم لكم بقوة، ثقوا في أنفسكم أنكم قادرون على منافسة المنتجات العالمية"، بالتالي عليكم التسلح بالعلم والعمل والمعرفة والتكنولوجيا والخبرات.. ويجب أن تكون منتجاتكم ذات جودة عالية، وللإنصاف هناك منتجات مصرية ذات كفاءة وجودة أعلى من المستوردة، ولكن تعانى من آفة غياب التسويق الجيد.. حفظ الله مصر ودام شعار "صنع في مصر" عاليا.