المواجهة ليست بالعدد، والقوة ليست بالسلاح فقط، والدليل أن العدوان الإسرائيلى الذى أكمل شهرا من القصف بأقوى وأحدث أدوات القتل، بعد شهر من القصف الهستيرى يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة حرب الإبادة ضد غزة، ويواصلون قتل الأطفال والنساء، بشكل تجاوز كل مزاعم الدفاع عن النفس، وكل يوم تتزايد الحمى الانتقامية، وبجانب جرائم الحرب يطالب الوزير فى حكومة ناتنياهو عميحاى إلياهو، بإلقاء قنبلة نووية على غزة، وبجانب استخدام أسلحة محرمة دوليا، والهدف تصفية الفلسطينيين، وهو أمر ثبتت استحالته على مدى عقود.
بالرغم من مرور كل هذه السنوات والشتات الفلسطينى الطويل، احتفظ الفلسطينيون بقضيتهم حية، وفشلت إسرائيل بكل عنفوانها كقوة احتلال فى محو الهوية الفلسطينية والتراث والثقافة، والأشعار والأغانى بالرغم من وحشية العدوان المدعوم من الولايات المتحدة، وبالتالى وأمام الموقف الواضح من مصر والأردن والدول العربية، بجانب الموقف الدولى والتحول فى مواقف الشعوب الأوروبية حتى فى الدول الداعمة للعدوان، فإن الحرب التى تجاوزت الشهر، تقترب من نهايتها، وهو ما يفرض ضرورة التفكير فى كيفية التمسك بالقضية التى أصبحت فى الصورة.
منذ اللحظة الأولى للعدوان أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية بالقوة، ومحاولات تهجير الفلسطينيين قسريا من أرضهم، وأن مصر ستظل على موقفها الداعم للحق الفلسطينى المشروع فى أرضه.
وأكد الرئيس السيسى، ضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل، يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها «القدس الشرقية»، وأهمية العمل بشكل مكثف على استئناف عملية السلام، عقب توقف الحرب على غزة، وإيجاد آفاق لتسوية القضية الفلسطينية.
من هنا يمكن تصور سيناريوهات ما بعد توقف العدوان، بالنظر إلى حجم الدمار الذى سببه العدوان كل هذه المدة، من ضحايا مدنيين تجاوزوا العشرة آلاف، وآلاف الجرحى، بجانب الدمار غير المسبوق الذى يتطلب سنوات لإعادته إلى حالته، وهى عملية تتكرر مع كل عدوان.
الواضح حتى الآن أن نتنياهو وحكومته المتطرفة لم يحققوا أهدافا، ولا توجد معلومات واضحة عن حجم الخسائر بين صفوف الاحتلال، أثناء التوغل البرى، وهو ما يضع رئيس الوزراء نتنياهو فى مأزق لأنه لم يقدم حتى الآن سوى الانتقام والإبادة للمدنيين، وحكومته التى توصف بأنها أكثر الحكومات تطرفا فى تاريخ إسرائيل، خسرت سياسيا ولم تنجح عسكريا، وفى الجانب الآخر فإن حجم الدمار فى غزة، وعدد الشهداء والجرحى، يشيران إلى حالة صعبة تتطلب جهدا لإعادة الإعمار.
أما الخطوة الأهم، فهى وضع القضية الفلسطينية على الطريق، ومسارات السلام، وبحث مستقبل القضية الفلسطينية، تم طرح هذا فى «قمة القاهرة للسلام»، وفى القمة العربية، وأمام الأطراف الإقليمية والدولية، ويبقى موقف الدولة المصرية واضحا، عاجلا وقف العدوان وتقديم المساعدات، مع التأكيد على «حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى، وإقامة دولته المستقلة، وفق المرجعيات الدولية»، وأنه لا سلام دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وبعد توقف النيران بقيت القضية الفلسطينية فى الواجهة، وعلى الفلسطينيين والعرب استغلال الفرصة، للتوحد واستعادة القدرة على العمل معا، وقد كانت وحدة الفلسطينيين هى الورقة الأكثر أهمية فى المواجهة، وكانت الانتفاضتين الأولى والثانية، أعلى مراحل الكفاح، ونجح الفلسطينيون بصدور عارية وحجارة فى مواصلة الانتفاضة الأولى 6 سنوات والثانية 5 سنوات، وهى أطول فترات المواجهة، والتى انتهت بنتائج على الأرض.
وعلى مدار سنوات مصر ترعى المصالحة الفلسطينية، بالكثير من الصبر ومحاولة تقريب وجهات النظر، انطلاقا من رؤية مصرية ترى أن الفلسطينيين ليس أمامهم سوى الوحدة، وتم عقد نحو 20 اجتماعا منذ 2017 برعاية الأجهزة المصرية، دفعت كلها نحو توحيد الصف الفلسطينى، آخرها فى مدينة العلمين الجديدة خلال يوليو الماضى، فى مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، وبمشاركة الفصائل الفاعلة فى المشهد الفلسطينى، لبحث سبل إنهاء الانقسام، ومواجهة التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية، والاتفاق على رؤية وطنية وسياسية موحدة فى مواجهة الاحتلال.
وحتى لا تكون تضحيات الفلسطينيين بلا هدف، فإن إسرائيل لم تحقق من العدوان سوى قتل المدنيين، وهناك حاجة لأن تكون هناك رؤية لاستمرار وضع القضية الفلسطينية على طريق الحل بإعادة توحيد الحكومة الفلسطينية فى الضفة وغزة، حتى لا يبقى الوضع مجرد رد فعل.