لا يمكن لأى متابع أن يتجاهل حجم التحولات التى شهدها الشرق الأوسط والعالم خلال السنوات الأخيرة، وهى تحولات ترجع إلى ثلاثة عقود وربما أكثر، لكنها تبدو أكثر وضوحا من ربط الأوراق والتطورات والتنظيمات، التى ظهرت فجأة، وبدت جزءا من معادلات معقدة، ولا تزال تلقى بظلالها على المنطقة، وليس بعيدا عنها ما يجرى فى غزة على مدى شهر، من عدوان، لم يحقق رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته المتطرفة، أى تقدم أو نتائج، باستثناء قتل المدنيين ومحاولة إبادة غزة وسكانها، وهو ما يكشف عن أهداف أخرى للعدوان تتجاوز الدفاع عن النفس، إلى أهداف أبعد، لعل أبرزها محاولة تصفية القضية الفلسطينية، أو دفع سكان غزة للتهجير إلى خارجها، وهو ما انتبهت له مصر.
أعلنت مصر بوضوح وحسم رفض أى مخططات أو تحركات لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، أو تصفية القضية الفلسطينية، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، و«أنه لا تهاون أو تفريط فى أمن مصر القومى تحت أى ظرف»، وسبق وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أنه لا يمكن أن تُحل مشكلات المنطقة من دون حل الدولتين، ولا يمكن تجاهل الحق الفلسطينى، وأن السلام هو الحل الأقرب الذى تفرضه تحولات استراتيجية، تكشف عن فشل الاحتلال فى فرض أمر واقع.
والواقع أن بعضا ممن كانوا يتابعون التحذيرات والمواقف المصرية لم ينتبهوا مؤخرا إلى ما أشار إليه الرئيس السيسى، مرات، على مدى 10 سنوات، كما أن ما يجرى الآن يكشف عن العلاقة بين الإرهاب الإسرائيلى، والإرهاب الداعشى، الذى ظهر فى المنطقة، ويبدو أنه كان خطوة لمخططات تم إفشالها على صخرة الجيش المصرى والدولة المصرية.
لقد ظلت إسرائيل تظن أنها آمنة، فى محيط صاخب ومشتعل منذ 2011، وربما منذ تدمير العراق وإخراجه من المعادلة فى 2003، بعد غزو وتدمير العراق قبل 20 عاما بناءً على معلومات مزيفة بشأن أسلحة الدمار الشامل، وبعد سنوات دخلت سوريا فى فوضى الصراع من خلال آلاف المقاتلين بالوكالة لتنظيمات دينية طائفية وعرقية أتت على سوريا، ليبيا هى الأخرى خرجت وخضعت لعمليات تدمير ممنهجة.
المفارقة الأهم أن التنظيمات المسلحة داعش والنصرة وجيش الإسلام والفتح وبيت المقدس إلى آخر القائمة، والتى ظهرت بسرعة وحصلت على أسلحة حديثة وسيارات دفع رباعى وتمويلات ضخمة، وكانت تخوض حروبها بشعارات دينية، بينما نتائج أعمالها تصب فى صناديق الفوضى وتفتح أبواب التدخلات والتقسيمات.
ظلت إسرائيل بعيدة عن التهديد من كل التنظيمات، بل إنها التقطت أنفاسها من إنشغال وانكفاء كل الدول العربية على صراعاتها، وانشغالاتها فى حروب أهلية وطائفية أو مشكلات اقتصادية وسياسية وحتى الدول التى لم تطلها رياح الصراعات واجهت تهديدات وأنشطة إرهابية من داعش وأخواتها.
كل هذا يشير إلى أن التحركات الإرهابية وداعش وأخواته، لم يكونوا بعيدا عن مخططات الفوضى، بل إن أنشطة التنظيمات الإرهابية فى سيناء، تبدو اليوم مع مخططات العدوان، جزءا من تمهيد لفشل فى مصر وتراجع فى باقى المنطقة، وكانت الدولة المصرية تنتبه إلى هذه المخططات والتحديات، ومرات كثيرة حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من استمرار واتساع الفوضى، وخاضت مصر حربا فى مواجهة إرهاب فكك دولا وأدخل أخرى فى فوضى.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كل مناسبة، يحذر من اتساع الفوضى، ويدعو الدول العربية إلى وقف الصراع والانخراط فى مسارات سياسية، ومن الواضح الآن أن أوراق الإرهاب العلنية والسرية كانت تتم لصالح «إسرائيل آمنة»، بجانب كونها كانت تهدف إلى انتزاع أراض من الشام ومن العراق، ثم من مصر، بهدف تنفيذ مخططات الترتيب والتوطين، والتبادل، وهو ما يشير إلى أن الإرهاب كان يخدم مخططات الإخلاء تمهيدا للتهجير.
وبالطبع نجحت مصر فى هزيمة الإرهاب، ولخطبت أوراق الإرهاب، وهو ما يظهر الآن، وهى تخوض حربا ضد مخططات التصفية، وتدفع نحو حل واحد لا بديل له، وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
لقد واجهت مصر خلال أكثر من عقد، مخططات وتحديات ضخمة فلم يكن تنظيم داعش بعيدا عن دول وأجهزة كانت مصر تواجهها مع التنظيم، وما يجرى الآن فى غزة والمنطقة يكشف عنها، وكانت مصر منتبهة إلى ما يجرى، وتواجهه على كل الجبهات.