الوصفُ الأمثل أنها مُفاجأةٌ وصدمة، إذ صُدِم الذين راهنوا على جفاف المشهد الرئاسى من الناخبين؛ وحتى أشدّ المُتفائلين فوجئوا بحجم الإقبال، قالت الهيئة الوطنية للانتخابات، بعدما جالت على 15 ألف قاضٍ يُغطّون اللجان، إنّ حصيلة المُؤشِّرات الأوَّلية بعد يومٍ وعدَّة ساعات فاقت 45% من المُقيَّدين فى قاعدة البيانات، النسبة عنوانٌ يتكوَّم تحته جبلٌ من البطاقات، وعلى التقريب نحو 30 مليون صوت مُرشَّحة للتضاعف، أو على الأقل لزيادةٍ برقمين من الملايين. الواقفون فى صفِّ الدولة كانوا يتطلّعون إلى سقفٍ أخفض من ذلك، وأهلُ الضفَّة المُقابلة كانوا يتلمَّظون بابتسامةٍ صفراء؛ على أمل أن يُخرِجوا ألسنتَهم للمشهد بكامله، فى المُنتصف وقف الجمهور؛ وكان لهم رأىٌ آخر يكتنزُ بالدلالات، بقدر ما يُبهج الصديق ويغيظ العدو.
النتيجةُ النهائية بعد أقل من أسبوعٍ ستكون قياسية، عندما تكتملُ جَردةُ الحساب بمحاضر اللجان وكُشوفها المُدقَّقة، وتُضاف أصواتُ المصريِّين بالخارج إلى الحصر الأخير، إن مددنا الخطَّ على استقامته فقد نصل لمستوى 70%؛ بأعلى أو أقل قليلاً، ولم تعرف مصر فى تاريخ انتخاباتها التعدُّدية رقمًا شبيهًا أو مُقارِبًا، تجربةُ الرئاسة الأولى فى 2005 لم تتجاوز 23%، والنسختان الأخيرتان فى 2014 و2018 كانتا عند 47.5 و41.2% على الترتيب، أمَّا محطّة 2012 التى اتَّخذها الإخوانُ عِجلاً مُقدَّسًا، وما زالوا يعبدونها وقد كفروا بالوطنية المصرية من بابها؛ فإنها سجَّلت 49% مُتوسّطًا لمرحلتها الأولى وجولة الإعادة، وكانت قاعدةُ الناخبين أقلّ من الآن بنحو 15 مليونًا تقريبًا، كأنهم بعد عشر سنوات من الرهان على إرباك الدولة وانفراط «تحالف 30 يونيو»، يُعاينون فشلَهم القديم مُتجسِّدًا فى هيئةٍ أشرس وأشدّ إيلامًا، وكأنهم كلَّما ينفخون فى النار، يُضيئون طريق مصر، ويحترقون وحدهم بلهيب الحقد والكراهية.
على طريق الرئاسةِ نستشرفُ ثلاثَ محطَّات: التأسيس فيما قبل 2011، والفوضى بعدها، والتصحيح منذ 2013 إلى الآن، وإذا كانت تحدِّيات ما بعد «الإخوان» فرضت ضغوطًا قاسيةً على جولتين تاليتين للرئاسة؛ فلعل الإصدار الأحدث أنسبُ لأن يكون ميلادًا فعليًّا للتجربة الإصلاحية، هكذا يُمكن تلخيص الرحلة فى تجارب 2005 و2012 و2024: الأولى خاضها عشرةُ مُرشَّحين وجمعوا بالكاد 7 ملايين صوت، والثانية بثلاثة عشر مُرشَّحًا ونحو 26 مليونا، والأخيرةُ تنافس عليها أربعةٌ أقنعوا ما يُقارب مجموع الاثنتين فى يومٍ واحد، هذا بشأن الأرقام؛ أمَّا فيما يُستبطَنُ وراءها فالإشارات أكثر كثافةً، وأغنى فى الحجم والمعنى.
استُبِق الاستحقاقُ بدعاوى محمومةٍ للانصراف عنه؛ عَدَّها البعض مُقاطعةً على مُرتكزٍ سياسى، وبشَّر آخرون بها دليلاً على زُهْد الجمهور أو قصديَّة الاحتجاج السلبى، وبعدما صارت الأمورُ لغير ما أُريد لها أو تطلَّعَ المُتنطِّعون؛ فإن الرسائلَ الحارقة قد أصابت الذين جهّزوا المظاريف وتجهَّزوا لحفلات التشفِّى.. جوهرُ الحالة أن التربةَ لم تعُد مُلائمةً لإنبات دعايات الأُصوليَّة الطريدة منذ ثورة يونيو، ولا لهُواةِ السياسة الذين يُكرِّرون التجاربَ الباهتة؛ لأنهم لا يقتنعون إلّا بالفشل الكامل، دَعَوا إلى الاحتجاب ودعت الدولةُ للتجاوب، وفى قلب التصويت للرئيس الجديد؛ كان ثمّة تصويتٌ آخر على النضج فى مُقابل المُراهقة، وعلى الحاضر إذ يخوضُ حربَه الطويلة مع الماضى والقابعين فيه؛ سواء تلبَّسوا عِمامةَ المُختل حسن البنا، أو اعتمروا طرابيش وقبّعات مُحترفى الشعارات من القوميِّين واليسار.
ما توقَّفت الدعاياتُ المُلوَّنة قبل السباق، ولا بعدما اتّضحت معالمُه. راهنوا فى البداية على العزوف الكامل، ثمّ على المُشاركة الباهتة، وبعد يومِ التصويت الأوَّل تعشَّموا فى أن تنطفئ حماسةُ البدايات وتُسَدَّ أفواهُ الصناديق، والمنطقُ يقول إن لدى المصريين من البواعث ما يُغذِّى الغياب أكثر من الحضور؛ إذ هم مشغولون فى مَعاشهم، وميزان المُرشَّحين يميل لأحدهم بالخبرةِ وسابق الرصيد، كما أن كثافة الاختلاق والتزييف عبر المنصَّات الرقمية، وفى إعلام الطابور الخامس، تزيد الإرباك وتُطعِم ذئبَ السلبيّة الكامن فى الصدور. وعلى عكس المُتصوَّر؛ زحف الناسُ إلى اللجان، كاشفين عن وعىٍ أعمق ممَّا افترضه فيهم أنبياءُ الأبراج العاجيّة، وشياطين المُستنقعات الآسنة، لم يتغلَّب الاقتصاد على السياسة، وقرأ العوامُ سؤالَ الانتخابات من زاويته الصحيحة؛ إذ هى عمليةٌ مطلوبة لذاتها لا لنتيجة بعينها، وتترقَّى بالمُمارسة والنقاط وليس بأن نقمع التفاعلات الطبيعية لصالح النوايا المُسبَقة، والأهمُّ أنهم نفضوا غبار الرطانة النخبويّة والرجعية؛ كأنهم يقولون للجان الإلكترونية وخُطباء المنابر إنهم مُجرَّد «فاصل للتسلية»، ولا قيمةَ لما يلوكونه أو تأثير على الحياة والشارع.
الأرقامُ وحدها ليست بيضة الديك، ثمّة إضاءاتٌ عديدة لامعة، منها حضور الأحزاب أمام مُمثِّليها وليس خلف الكاريزما وسطوة الزعامة الفردية كما درجت العادة، وكذلك تقدُّم البسطاء الذين يرميهم المشاهير بالجهل، أو يعتبرونهم مصروفين عن الانشغال بالشأن العام لصالح لُقمة العيش؛ لكن الأبرز على الإطلاق حجم المشاركة الشبابية، لعقودٍ طويلة خَلَت كانت انتخاباتُنا شائخةً ومُتغضِّنةَ الملامح؛ وليس مقصودًا الانتقاص من إقبال «كبار السن» وهُم فاكهةُ الصورة؛ إنّما أن حرصهم على الحضور كان يُعرِّى فداحة الإحجام من الجيل الجديد، بينما تُدَار مُنافسات الديمقراطية التمثيليّة لأجل المُستقبل بالأساس، وما حدث مُؤخّرًا أن مقرَّات الاقتراع عادت فى الزمن عقودًا؛ حتى تجدَّدت دماؤها، وتوهَّج المشهد بطوابير الطلاب وحديثى التخرُّج ومن كانوا أطفالاً فى 2013 وقبلها، والدلالةُ أنّ حَبلاً غليظًا يمتدّ بين الأجيال، وأننا نستعيد ثقةَ الفئة التى كانت على حَرفٍ من الرفض المُطلق لكلِّ ما حولها، إنهم بالطبيعة حماسيِّون مُتمرِّدون، وأكثر مَيلاً للثوريّة والحلول الجذرية، وأن يصطفّوا لاختيار رئيسٍ لستِّ سنواتٍ مُقبلة؛ فقد صاروا مُنحازين للإصلاح والتراكُم البنَّاء، وفقدت خطاباتُ الشحن والتهييج ما كان لها من جاذبيّةٍ لدى قطاعاتٍ منهم، هكذا يخسر تُجّار النار أهمَّ ذخائرهم، والخزَّانَ الذى كانوا ينزحون منه وقودَ الطيش والغضب الأعمى.
سقطةُ الساعين لإحباط التجربة؛ أنهم وضعوا أنفسَهم فوق الآخرين، وأغراضَهم الشخصية قبل الصالح العام؛ فحُبِسوا فى كهفٍ مُظلمٍ وأخطأوا قراءة الظرف ومُقتضاه، الحالُ الراهنة تقتضى عملاً جماعيًّا فاعلاً، وإنقاذُ الاقتصاد يتعارضُ حتمًا مع تعطيل السياسة، كانت خُطوة «الحوار الوطنى» بادرةً طيّبة من رأس النظام، وتفجَّرت أزمةُ «غزّة» لتُعيد ترتيب الأولويات، الإخوان كانوا خصومًا ولن يتغيّر اعتقادهم ومكنون قلوبهم؛ لكنّ بعضَ التيَّار المدنى لا عُذرَ لهم فى النظر من ثُقب إبرةٍ، أو نسف اللعبة إن لم تُطابق هواهم كاملاً، كأنهم شاركوا فى الورشة الحوارية على شَرط المنفعة؛ ورهنوا انتفاعَهم بتمرير مُرشَّحٍ رئاسى يُحبّ الرجعيِّين ويُحبونه، ويتّصل بهم من وراء ظهر حركته، أو بالنيابة عنها، الخلاصةُ أنهم خاصموا لحظةَ الالتفاف فى امتحانٍ وجودى؛ ولعلَّ الجمهور استقرأَ فى الموقفِ انصرافًا عن فلسطين وسيناء والأمن القومى من بابه، يُثمِر ذلك عصيانًا وتمرُّدًا على دعايتهم، واقترابًا من الدولة وتدفُّقًا على الانتخابات، وقد صارت استفتاءً على وحدة الجبهة وصلابة الإرادة، أما الانتعاشُ الذى تخيَّله البعض عارضًا؛ فكان موقفًا مبدئيًّا تجمَّع عليه السائرون إلى اللجان، وفى اجتماعهم انتبه الباقون فتشجَّعوا، ودارت كُرةُ الثلج، وتغذَّى الإقبالُ على الإقبالِ؛ دون حاجةٍ للتشجيع أو أثرٍ للتثبيط.
فاجأت الحشودُ الجميعَ فأربكتهم، بعضُ المُؤيِّدين اعتبروها دليلاً على فاعليّة رسائل التحفيز، ودأب الأحزاب والكيانات السياسية العاملة فى الشارع، ورآها المُعارضون والإخوان حشدًا مصنوعًا من الدولة، والحقيقةُ أنها لا هذا ولا ذاك حصرًا؛ إنما اليقظة والمُبادرة جنبًا إلى جنب مع أنشطة الحملات وداعمى المُرشَّحين، القول إن الناخبين يُساقون للجان، بالترهيب أو الترغيب، لا يخلو من سفالةٍ وابتذال، والإصرارُ على إنكار الواقع إغراقٌ فى التعالى على وعى الناس، وفى محاولة سَلبِهم الجدارة والمواطنة؛ كأنهم من درجةٍ أدنى ولا يتبقَّى إلّا النداء بحرمانهم من التصويت والحقوق العامّة، وللأسف فإن الأُصوليّة الدينية تنظرُ للناس بتلك الوضاعة، وأكثر أسفًا أن التقدُّميين والليبراليين، الذين يُتاجرون بمسائل الإنسانية والحريات والإرادة الشعبية، لا يختلفون عن الأُصوليِّين؛ ويظلّ أفدح ما فى أقاويلهم أنها تغطس بكاملها فى أوحال التناقض.
لقد شاركوا بالأصالةِ أو الوكالة أو حماسًا فى انتخابات 2005، وكانت مشهدًا مُهندَسًا ومصنوعًا بالكامل، وفى 2012 التى لم تكن أكثر من حالة استقطابٍ مُلوَّنة بالشعارات والرشاوى والابتزاز وامتهان الدين. إنهم يُحبّون الاصطناع ويُمارسونه كلَّما تيسَّر لهم، وإن صاروا إلى خارج المشهد يتّهمون الآخرين بما فيهم، والواقعُ أنه لو تيسَّر لمُرشَّحٍ أو حزبٍ وتيَّار أن يحشد كل هذه الملايين؛ فالدلالة أنه الأقوى والأكثر حضورًا وتأثيرًا، وبالتبعية والضرورة هو الأجدر بأن يتصدَّر الساحةَ محمولاً على أكتاف الأغلبية الكاسحة، لكن حتى لا تمرّ السرديَّةُ الزائفة فى الزحام: كانت تجربة مبارك كثيفةَ المُرشَّحين والأحزاب وجمعت أقل من رُبع الناخبين، وكذلك تجربة مُرسى وجمعت أقلَّ من النصف، وهذا بكل ما أُتيح لهما من عاطفةٍ وشعبويّة وإغراءات وإكراهات وأموال وآيات وأحاديث، أى أن أباطرة الحشد المُوجَّه فى عزِّ سطوتهم بلغوا السقف عند نسبةٍ حققتها نسخة 2024 خلال ساعات، ولم تتحقَّق حتى فى 2014 وقتما كانت «ثورة يونيو» ساخنةً وصداها يرجُّ الشارع، من هنا لا يُمكن أن يصمد تفسير التجييش المُخطَّط، ولا أن يُقنِع طفلاً صغيرًا؛ لكنهم يسوقونه بحثًا عن مُبرِّراتٍ خفيفة لإخفاقهم الثقيل.
يُضاعِف من قيمة الحشد أنه خالٍ من الإخوان وحُلفائهم، الجماعةُ خارج المُعادلة بقوَّة الواقع؛ ثمَّ باتخاذها موقفًا مُضادًّا بعدما فشل الوجهُ الذى دعمته لخَوض السباق، وكُتلةٌ من المُعارضة القريبة للتنظيم أو المُتسامحة معه أعلنت المُقاطعة، كما يغيبُ الإجماع عن دوائر المُرشَّحين الثلاثة أمام الرئيس: يمامة يبدو أنه يفتقد دعمَ الحرس القديم لحزبه، كما لا تصطفُّ الجبهةُ الليبرالية تحت رايته، وفريد زهران تعرَّض لخيانةٍ ظاهرةٍ من تيّار الديمقراطية الاجتماعية بتدفيعٍ من بعض الناصريِّين، وحازم عُمر رغم حيويّة حملته فإن أغلب شُركائه فى الأيديولوجيا يُساندون مُنافسًا آخر، زمنيًّا تتوزَّع الخريطة: «الوفد» مُمثّلاً لأحزاب ما قبل يناير، و«المصرى الديمقراطى» لما بعدها، و«الشعب الجمهورى» عن 30 يونيو، وفكريًّا هم بين اليسار واليمين والوسط؛ والدوائرُ كلُّها تتوزّع على الحياد أو القطيعة أو دعم السيسى؛ باستثناء كيانٍ أو اثنين بجانب زهران، التركيبة تُشير لانقسامٍ عمودى وأُفقى بين الطبقة السياسية، وتُرجِّح أنَّ جانبًا كبيرًا من زُوَّار اللجان جاءوا بمُبادراتٍ فردية، وأنّ النسبةَ الأقل كانت عبر رسائل الجذب والتحفيز الحزبيّة؛ مثلما كان نصيبُ دُعاة السلبيَّة والإحجام ضئيلاً من الناخبين.
عندما حضر الجميعُ وغابت دعاوى المقاطعة؛ كانت الذروة 33 مليونًا بمجموع المصوِّتين فى 2005 و2012 معًا؛ وذلك بجهد الدولة والأحزاب من كلّ التيَّارات، ومعنى أن ينتهى مُعترك 2024 بثلاثة أمثال نُسخة الاستقرار الباهت، وقُرابة ضعف نسخة الثورية الحارقة، ومع غياب الجماعة الإرهابية وطيفٍ واسعٍ ممَّن يعملون بإمرتها؛ أنَّ الغائبين من دكاكين السياسة لا وزنَ لهم، ولا قواعد عضويَّة أو تأثير، كأنَّ الناس من دون قصدٍ يُشخِّصون أمراض البيئة الحزبيّة القديمة، ويضعون رموزها الهشَّة أمام حقائق مُفزعة وتُوجِب الاعتذار والمُراجعة، سيولة «25 يناير» أغرت بعض خِفاف العقول والأبدان بتجربة الزعامة؛ وبعدما تسلَّم الشارعُ زمامَ المُبادرة فى «30 يونيو» كان مُريحًا لهم أن يُبرِّروا الأمر بضغط المناخ وانسداد القنوات، ولا إنكارَ لأثر معركة الإرهاب الطويلة على المجال العام؛ لكنها ليست العامل الأوحد فى تقييم الأداء اليوم، الناخبُ العابر مشروع «ظهير سياسى» دائم؛ وإذا تدفَّق الملايين على اللجان وغابوا عن الأحزاب؛ فلا يُلامَ المواطنُ بينما تلعقُ النُّخبة جراحَ رُعونتها، وتُواصل تجريب المسارات الخاطئة.
القِيَم ما لم تُختبَر لا يُمكن الحُكم عليها؛ ويتساوى السياسى والناخب.. أحد مُرشَّحى 2005 بدأ ليبراليًّا وانتهى خادمًا للإخوان، والذى صار رئيسًا بالديمقراطية فى 2012 داسَ على إرادة الناس، ووضع الوطن فى عين العاصفة، والمُعارضة التى تطلبُ المشاركةَ دائمًا انصرفت عن مُمثِّلها فى الانتخابات؛ عندما فرضَ المحكُّ العملىّ أن تتقدَّم الفكرة على الأشخاص، أمَّا الناخبون الذين أحجموا قديمًا وأقدموا الآن؛ فإنهم ساروا إلى اللجان دون تديينٍ ولا شعارات أو وعود ورديّة، وفى أجواء لا تُنكِر الإدارةُ السياسية أنها محفوفةٌ بالتحديات، الرسالةُ أنَّ بعض السياسيين تتحدَّد مواقفهم على ميزان الانتهازية والمصلحة، بينما أغلبُ العوام تزدادُ جدّيتهم كلَّما تزايدت المخاطر.. أرقام «الهيئة الوطنية» تكشفُ الكثير، وصُور مقرَّات الاقتراع تُفصِح عمّا هو أكثر، تتجدَّد شرعية يونيو بقوَّة الجمهور الذى أنتجها، وتتآكل رواسب الرومانسية القديمة؛ بعدما صارت نُخَب الماضى عاجزةً عن مُجاراة الحاضر، وما بعد السباق أهمُّ من سوابقه؛ فلا بديل عن عُكوف الجميع على أوراقهم، وقراءة الرسائل واستنتاج الدلالات، والأولوية أن يتوقَّفوا عن عادة الابتزاز فى وقت المحنة؛ فالدولُ لا تخضعُ لمُناكفات الباحثين عن دور، والشعوب لا تخدعها بلاغةُ المقاهى، والإصلاح يُبنَى بالعمل الجاد؛ لا بالترخُّص والشخصنة وعضّ الأصابع.