أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، اسم "السخاوى"، فى مشروع "حكاية شارع"، وذلك تخليدًا لذكراه عبر الأجيال المتلاحقة، حيث تم وضع لافتة فى منطقة مصر الجديدة.
السخاوى
السخاوى هو "شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان بن محمد السخاوى، نسبة إلى بلدة سخا بالغربية، ولد في ربيع الأول سنة 831هـ، الموافق 1427م، في حارة بهاء الدين بالقرب من باب الفتوح بالقاهرة.
في البداية أرسله والده إلى المؤَدِّب الشَّرف عيسى بن أحمد المقسي الناسخ فأقام عنده فترة قصيرة، ثم نقله أبوه إلى زوج أخته الفقيه "الصالح البدر حسين بن أحمد الأزهري أحد أصحاب الشيخ يوسف الصَّفِيِ المالكي" فقرأ عنده القرآن.
بعد ذلك قرأ بعض القرآن علي الشيخ النور البلبيسي، إمام الأزهر، وقرأ على الشيخ الزين عبد الغني الهيثمي على رواية ابن كثير، وسمع كثيراً من الروايات السبعة والعشرة على الشيخ الزين رضوان العُقْبِي، والشيخ الشهاب السكندري وغيره من مشايخ هذا العصر، حتى حفظ القرآن وهو لايزال صغيرًا.
ثم لازم السخاوي شيخه إمام الأئمة الشهاب ابن حجر العسقلاني حيث كان يسمع منه مع والده ليلًا الكثير من الحديث، فكان أول ما وقف عليه من ذلك في سنة ثمان وثلاثين، وأوقع الله في قلبه محبته فلازم مجلسه وعادت عليه بركته في هذا الشأن فأقبل عليه بكليته إقبالًا يزيد على الوصف؛ بحيث تقلل مما عداه، وداوم الملازمة لشيخه ابن حجر حتى حمل عنه علمًا جمًّا اختص به كثيرًا بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قُرب منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر، إما لكونه حمله أو لأن غيره أهم منه وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء.
ولما علم شيخه ابن حجر شدة حرصه على ذلك كان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة، وكان شيخه يأذن له في الإقراء والإفادة والتصنيف، وصلى به إمامًا التراويح فى بعض ليالي رمضان، وتدرب به فى طريق القوم ومعرفة العالي والنازل والكشف عن التراجم والمتون وسائر الاصطلاح، وأخذ عنه علم الحديث وبرع فيه، ولم ينفك عن ملازمته ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون؛ خوفًا على فقده، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية، بل ولا حجَّ إلا بعد وفاة شيخه ابن حجر.
وهنا تبدأ المرحلة الثانية في حياة السخاوي؛ وهي مرحلة درس وتحصيل أيضًا ولكن خارج مصر. فبعد وفاة ابن حجر، ارتحل السخاوي إلى عدد كبير من البلدان لتحصيل العلم، ففي مصر سافر إلى دمياط والمنصورة والرشيد وغيرها. ثم رحل إلى مكة والمدينة ودمشق وحلب وبيت المقدس ونابلس، وسَمِعَ في هذه البلدان لعدد كبير من علمائها وأخذ عنهم.
كان السخاوي يومئذ في الثانية والعشرين من عمره؛ ولكنه كان رغم حداثته قد برز في كثير من العلوم التي تلقاها؛ وكان قد استأثر في هذه الأعوام الطويلة التي قضاها إلى جانب ابن حجر بكثير من علمه ومعارفه، وتأثر أعظم تأثير بأساليبه ومناهجه؛ بل نستطيع أن نقول إن السخاوي كان بعد ابن حجر، مستودع علمه وتراثه، وكان أشد تلاميذه تمثيلًا لمدرسته؛ بل كان بعد شيخه زعيم هذه المدرسة وأستاذها القوي يرفع لواءها ويحمل مناهجها حتى خاتمة القرن التاسع؛ وقد أشار ابن حجر نفسه في أواخر أيامه إلى تلك الحقيقة، وكثيرا ما وصف السخاوي بأنه (أمثل جماعته) أو (ممثل جماعته).
وسافر السخاوي عقب وفاة أستاذه إلى دمياط ودرس على شيوخها حينًا؛ ثم سافر مع والدته بحرًا إلى مكة ليؤدّي فريضة الحج؛ وانتهز هذه الفرصة فدرس على شيوخ مكة والمدينة، وطاف بالبقاع والمشاهد المقدسة كلها؛ ثم عاد إلى مصر، وسافر إلى الإسكندرية وقرأ بها مدى حين؛ وزار معظم عواصم الوجه البحري وقرأ على شيوخها الأعلام جميعًا، وحصل كثيرًا من الفوائد والمعارف. ثم رأى أن يقوم برحلة إلى الشام ليزور معاهدها، ويتعرف بشيوخها؛ فسافر إلى فلسطين وطاف بيت المقدس والخليل ونابلس؛ ثم قصد إلى الشام، وزار دمشق وحمص وحماه، ثم استقر حينًا في حلب؛ كل ذلك وهو يدرس ويقرأ على أعلام هذه العواصم.
ويبدو من تعداده للكتب التي درسها وقرأها في هذا الطواف، إنه كان يعنى بدراسة الحديث والقراءة والنحو والفقه وعلوم البلاغة والتصوّف. ولم يعين السخاوي لنا تواريخ تنقلاته في هذه الرحلة، ولكن الظاهر إنها استغرقت بضعة أعوام.
ولما عاد السخاوي إلى مصر، عكف على التدريس، ولا سيما تدريس الحديث، أحيانًا بمنزله، وأحيانًا بخانقاه الصوفية المعروف بسعيد السعداء؛ وكذا انتدب في أوقات مختلفة للتدريس في أعظم مدارس القاهرة كدار الحديث الكاملية والصرغتمشية، والظاهرية، والبرقوقية، والفاضلية وغيرها، وذاع صيته وأقبل عليه الطلاب من كل صوب. وفي سنة 870هـ سافر مع أسرته وكان قد تزوج يومئذ ورزق بعض الأولاد كما يفهم ذلك من إشارته إلى مولد ولده أحمد، ومع والده وأكبر أخويه إلى الحج للمرة الثانية؛ وصحبه أيضًا في تلك الرحلة صديقه وأستاذه النجم بن فهد الهاشمي وكان من أعلام العصر. ودرس بمكة مدى حين، وقرأ بالمسجد الحرام بعض تصانيفه وتصانيف غيره. ولما عاد إلى القاهرة استأنف دروسه وإملاءاته؛ وتبوأ مركز الزعامة يومئذ في علم الحديث، وشغل فيه نفس المركز الذي كان يشغله فيه أستاذه ابن حجر قبل ذلك بثلاثين عامًا.
ثم حج السخاوي للمرة الثالثة في سنة 885هـ، وقضى بمكة عامًا في التدريس والدرس؛ ثم حج سنة 87 وقضى ثمة حين في الدرس والإقراء؛ وحج للمرة الخامسة في سنة 892هـ وقضى ثمة عامًا آخر في الدرس والإقراء؛ ثمّ حج في سنة 894هـ، وقرأ الكثير من دروسه وتصانيفه، وغدت مكة وطنًا ثانيًا له؛ وكتب بها كثيرًا من مؤلفاته.
ولما عاد إلى القاهرة في سنة 898هـ استقر بمنزله، وأبى الدرس والإقراء في المعاهد والحلقات العامة (ترفعًا عن مزاحمة الأدعياء) حسب قوله، وترك الإفتاء أيضًا واكتفى بالإقراء في منزله لخاصة تلاميذه؛ وكان السخاوي قد اشرف يومئذ على السبعين من عمره، ولكنه استمر منكبًا على الدرس والتأليف؛ وكانت قد انتهت إليه الرياسة يومئذ في معظم علوم عصره، ولا سيما الحديث، حتى قيل أنه فاق شيخه ابن حجر في ميدانه، وانتهى إليه فن الجرح والتعذيب، حتى قيل لم يبلغ أحد مكانته فيه منذ الحافظ الذهبي؛ وكانت شهرته قد تعدت حدود مصر منذ بعيد وذاعت في أنحاء العالم الإسلامي، ولا سيما في الشام والحجاز حيث تلقى عليه مئات العلماء والطلاب.
ولبث السخاوي رغم مكانته العلمية الرفيعة ونفوذه القوي بعيدًا عن ميدان السياسة ودسائس البلاط والمناصب الرسمية؛ واقترح عليه صديقه الأمير “يشبك الداودار” أن يقرأ التاريخ بمجلس السلطان الظاهر خشقدم فأبى؛ ثم عرض عليه أن يتولى القضاء بعد ذلك، فاعتذر وأشار بتعيين خصمه ومنافسه السيوطي رغم ما كان بينهما من الخصومات الأدبية الشهيرة.
وقد حدث خلاف بين السخاوي ومعاصره جلال الدين السيوطي، وهو من خلاف الأقران الذي لا يُقبَل فيه نقد أحدهما في الآخر مع جلالة قدر كل منهما في علمه وعمله في خدمة العلم وأهله. وللسخاوي مصنفات كثيرة جدًّا منها ترجمة لشيخه ابن حجر في كتاب سماه الجوهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، والمقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، ووجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام، والضوء اللامع في أخبار أهل القرن التاسع، واستجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف، وغيرها من الكتب والسؤالات المدونة له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة