إن ضمانة تحقيق غايات التنمية الشاملة في مجالاتها ومستوياتها وأبعادها المتعددة بالدولة المصرية، يقوم في الأصل على مقومات الأمن القومي بصورة متكاملة لا تنفك عن بعضها البعض؛ إذ تشكل سياجًا منيعًا ضد المخاطر أو التهديدات، ويؤدي لحالة من الاستقرار على كافة المستويات الداخلية والخارجية، وفي المقابل يؤدي الصدع أو الخلل في مقومات الأمن القومي يضعف المجتمع ويسهل النيل منه وقد يصل لحافة الانهيار.
ويُعد المقوم الاستراتيجي في الصدارة؛ فمصر من الدول التي تتمتع بموقع جغرافي مهم، وتمتلك منفذًا ملاحيًا عالميًا، ولديها موارد وثروات طبيعية فريدة، ومنذ عقد من الزمان دشنت بنيتها التحتية والفوقية وأضحى الاتصال والتواصل بكل الصور متاحًا، فلا معوق للوصول من مكان لمكان أو من منطقة إلى منطقة، ومساحة الدولة الجغرافية كبيرة وعدد سكانها في تنامي، وخاصة الفئة الشبابية، وهذا مجتمعٌ يجعل أصحاب المطامع والحاقدين ينظرون لهذه الدولة العظيمة برؤية مختلفة؛ فرغم الهيبة من قوتها وفرض سيادتها؛ إلا أن هناك محاولات مستمرة تجاه العمل بشكل ممنهج لإضعاف المقوم الاستراتيجي.
وتتأتى أهمية المقوم السياسي في إدارة شئون الدولة بكامل مكوناتها؛ إذ تعمل على تحقيق الغاية العليا بها والمتمثلة في الحفاظ على سيادة الدولة ومقدراتها وثرواتها البشرية والمادية، ما يجعل القيادة السياسية تعمل بكل قوة على التصدي للمشكلات الداخلية والعمل على حلها، تزامنًا بتحقيق استراتيجية الدولة التي تستهدف استثمار مواردها بصورة تتسم بالابتكارية والرؤية المستقبلية الطموحة؛ بالإضافة إلى السياسة الخارجية مع دول العالم التي تستهدف تحقيق مصالح الدولة وشعبها في داخل إطار وحدود الدولة وخارجها، وهذا الأمر معقد للغاية؛ حيث يستلزم التمسك بالقيم والمبادئ والمعتقدات التي يؤمن بها المجتمع المصري.
كما أن السياسة الخارجية المصرية لها طابع مميز في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ إذ تعمل بكامل طاقتها على تحقيق مصالح الدولة دون التنازل أو الخضوع لأي ضغوط من أي جهة خارجية، وهذا ما يسهم في تعضيد حماية الأمن القومي المصري بصورة فاعلة، ويؤكد أهداف وسياسة الدولة المصرية لدى الرأي العام الدولي، ويحقق المصالح الحيوية للوطن دون التفريط في هيبة الدولة؛ فمصر ثابتة راسخة رسوخ الجبال في شتى ما تتبناه من قضايا على كافة المستويات المحلية والإقليمية والخارجية.
ويشكل اقتصاد الدول ركنًا ومقومًا رئيسًا من الأمن القومي؛ فلا استقرار داخلي أو خارجي بعيدًا عن المقوم الاقتصادي لأي دولة؛ حيث يصف بوضوح صورة الاستثمار للموارد الطبيعية والبشرية ومقدرة الدولة على تعظيم منتجاتها لتحقق الحياة الكريمة لشعبها، ومن ثم تهتم الدولة المصرية بتعليم وتدريب وتأهيل وصقل خبرات القوى البشرية في شتى مجالات العمل والإنتاج كي تضمن استقرار هذا المقوم على المدى القريب والبعيد له؛ فقد أخذت الصناعات الحربية مسارها وطريقها تجاه تحقيق غايات الدولة لتحدث الكفاية الذاتية من معدلات وآلات وذخائر الحرب، كما اهتمت بالصناعات المختلفة لتقضي على البطالة وتزيد من حجم التشغيل بصورة فاعلة، مع العمل الدؤوب تجاه تعظيم مواردها الطبيعية؛ فلا مجال لتصديرها دون مرورها بمراحل التصنيع التي تزيد من قيمتها؛ بالإضافة للجهود المبذولة تجاه تحقيق الأمن الغذائي بمزيد من المساحات الزراعية والصناعات الغذائية.
ومصر من الدول التي لا تعاني انقسامات ثقافية أو طائفية حادة؛ فنرى أن الشعب المصري نسيجه قوي لا يقبل المساس به؛ حيث تنسدل ثقافة المجتمع من حضارته الأصيلة التي تنبذ العنف والفكر المنحرف وجميع صور الإرهاب، وفي المقابل يعشق المجتمع المصري التسامح والعيش السلمي ويحب التواصل الفاعل مع شعوب الأرض، وهذا المقوم الثقافي تكمن أهميته في دحر كل محاولات التشتيت وزرع الفتن التي تستهدف إضعاف الثقة بين الشعب المصري وقيادته السياسية ومؤسسات الدولة الوطنية، وهو ما يحقق مفردة من مفردات الأمن القومي بشكل فعال.
ولم تتجاهل الدولة المصرية مهددات المقوم الاجتماعي؛ فتعمل مؤسساتها على دحر أسباب ومسببات الانحراف والجريمة في صورتها المنظمة أو التي تتأتى من سلوك فردي، وتحاول الدولة جاهدة تجاه تلبية الاحتياجات المجتمعية الأساسية والملحة؛ فكان مخطط القضاء على العشوائيات من المهام الرئيسة في الفترة الماضية وما زال العمل عليه مستمرًا؛ لتستقر حياة الأسرة المصرية في بيئة صحية متكاملة، وينمو الانتماء والولاء للدولة، ويحافظ الشعب العظيم على مكتسباته ومقدراته بشكل مستدام، ومن ثم لا وجود لخلافات مجتمعية نابعة من تمييز عنصري قائم على معتقد أو فكر أو طبقية؛ فالجميع شركاء في بناء الوطن وتحمل المسئولية من قبل الجميع من مقومات الأمن القومي المصري.
وندرك مجتمعين أن الأمن القومي المصري لن يكتمل بعيدًا عن المقوم العسكري؛ لذا عمدت القيادة السياسية الحكيمة صاحبة الرؤية المستقبلية والاستباقية إلى رفع جاهزية المؤسسة العسكرية بكل قوة وسرعة من الناحية التدريبية والإمدادات العسكرية، ناهيك عن مرحلة الإنتاج الحربي التي حققت فيها الدولة المصرية تقدمًا ملموسًا ومشهودًا؛ لتستطيع حماية الحدود وفرض الأمن والأمان وسيادة الدولة على أراضيها، وتمكين مؤسسات الدولة من تحقيق أهدافها في الداخل والخارج.
ولا نغالي عندما نقول أن التعليم أحد مقومات الأمن القومي المصري وقضية لا تقبل المزايدة؛ حيث يحافظ على هوية الشخصية المصرية الوطنية، وينمي الوعي السليم تجاه كافة القضايا المحلية والعالمية وفق تنوعاتها، ويزيد من ترسيخ القيم المجتمعية والولاء والانتماء، ويضمن حفاظ المواطن على مقدراته العامة والخاصة، ويثمن إنجازاته، ويؤكد عمق المفاهيم التي تعضد ماهية الأمن القومي في صورته الكلية، والدولة المصرية خطتها التنموية تجاه التعليم غير مسبوقة؛ فقد دشنت المؤسسات التعليمية بمختلف السلم التعليم في ربوع الوطن، وتم إمدادها بمقومات ومتطلبات العملية التعليمية التي تحقق أهدافها العامة والإجرائية، والمطالع للمشهد التعليمي المصري يجد أن المؤسسات التعليمية تجري شراكات لا حصر لها مع مؤسسات الدولة للتغلب على ما يواجه المجتمع من تحديات ومشكلات.
ومسلمة أن التعليم قضية أمن قومي لم تأت من فراغ؛ لكن التنمية المجتمعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتقنية، والعسكرية، تستمد من مخرجات التعليم؛ لذا اهتمت الدولة برعاية القائد العام للقوات المسلحة بالتعليم ووصوله لمستوي يحقق التنافسية والريادة وينهض بالبحث العلمي كونه قاطرة النهضة والتقدم لجمهوريتنا الجديدة.
وفي سياق متصل نعيش جميعًا عصرًا مليئًا بالتسارع غير المسبوق في شتى مناحي الحياة؛ فقد ساهمت التقنية في تقدم دول وتخلف البعض منها؛ حيث إن المقوم التقني يؤدي دورًا خطيرًا في الحفاظ على الأمن القومي؛ فقد باتت حروب الجيلين الرابع والخامس تستهدف تفكيك المجتمعات بكل ضراوة؛ لتحقق ما لا تستطيع الحروب العسكرية تحقيقه في ساحة القتال؛ حيث تخلق حالة من الصراع والنزاع الداخلي بالدولة من خلال تشويه الفكر وتزييف الحقائق والوقائع بواسطة سلاح فتاك يسمى بالشائعات؛ لذا حرصت الدولة المصرية على توفير الأمن المعلوماتي، واهتمت بتنمية مسارات الانتاجية التقنية في صورها النوعية لتواكب التقدم العلمي المصبوغ بالتقنية، ومن ثم تجني ثمرات التكنولوجيا في مربعات العمل والإنتاج بجميع مؤسسات وقطاعات الدولة المصرية.
وفي نهاية المقالة أعتذر عن الإطالة، كون ما ورد من مقومات ينبغي أن تذكر في صورتها المتكاملة؛ لأن رؤية الأمن القومي المصري تحكمها قيم مجتمعية تعد حاكمة للاستراتيجية المصرية الطموحة؛ فبرغم التحديات نثق في دولتنا وقيادتها الرشيدة كي تنجو سفينة الوطن لبر الأمان، وتستكمل الدولة نهضتها المرتقبة.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة