أكرم القصاص

ممرات التنمية وضرورات المستقبل.. ما بعد الانتخابات الرئاسية وما قبلها

الخميس، 21 ديسمبر 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما جرى فى الانتخابات الرئاسية، من حجم التصويت بالخارج والداخل بشكل وأرقام غير مسبوقة، يجعلنا أمام ما هو أكثر وأعمق من انتخابات رئاسية واستحقاق دستورى، إلى وعى من المصريين بأهمية تشكيل المستقبل، بناء على معطيات وتفاصيل سنوات ماضية وأيضا تحديات فرضت نفسها ولا تزال، وفى نفس الوقت أمل فى القدرة على حل أى معادلات طالما احتفظ المصريون بوحدتهم وقدرتهم على عبور ما سبق، بل إن حجم ما واجهه المصريون على مدى العقد الماضى، من تحولات وصمود بمواجهة أزمات وجودية يمثل عنوانا على إمكانية تحقيق نجاح فيما هو قادم.
 
ولا يمكن قراءة حجم وشكل إقبال المصريين على صناديق الانتخابات الرئاسية بمعزل عن معرفة ما واجهته مصر خلال عقد، وما قدمه الرئيس عبدالفتاح السيسى والدولة، ومع هذا فقد كانت هناك دائما أصوات تنعق وتسعى لزرع الشك والتقليل من حجم ما يهدد وما واجهته الدولة.
 
ربما تكون الحرب على غزة أحد عناصر الكشف عما واجهته الدولة المصرية طوال أكثر من عشر سنوات، وقد اجتمعت كل هذه التحديات خلال أقل من شهر، ما بعد اشتعال الأوضاع ما بعد 7 أكتوبر الماضى، والذى تحول من مجرد حرب إبادة وحصار من الاحتلال الإسرائيلى إلى كاشف عن مخططات ومساعدات لإعادة تشكيل الخرائط فى الإقليم، وهى مخططات كان البعض ينظر لها أو يراها ضمن نظريات المؤامرة أو الخيالات، واحتاج الأمر أزمة بهذا الحجم ليعرف أن ما بدأ نظريات إنما هو واقع يفرض نفسه بتعاون وتواطؤ من دول كبرى اعتادت أن تتعامل بوجهين وتعالج بازدواجية كل ما يتضمن مكونا  عربيا.
 
الحرب على غزة وما رافقها من تفاصيل كشفت أن مصر تقف فى قلب العواصف والتحولات طوال 12 عاما، وأكثر، وأن الكثير من التفاصيل تتضح الآن عندما يتم ربطها ببعضها، وتجميع الخيوط معا لتقدم صورة من زوايا عديدة، بجانب أن خطوات الدولة المصرية فى الكثير من الملفات كانت سابقة، وتقوم على توقعات وحسابات وليس مجرد تحرك فقط.
 
قبل 10 سنوات كانت مصر معزولة، وتواجه إرهابا فكك دولا من حولنا، مدعوم من دول وأجهزة تسعى لبسط نفوذها والتدخل فى أمن مصر القومى شرقا وغربا وجنوبا.
 
وكان على مصر الدولة تأمين الاستقرار، ومواجهة التهديد بينما الدولة مرهقة، تعانى تراجعا اقتصاديا وأزمات فى الوقود والخبز، وبنية أساسية متهالكة، وبطالة، وعشوائيات تحزم القاهرة والمحافظات، وفيروس الكبد الوبائى يلتهم أكباد المصريين. 
 
وكان السؤال: من أين نبدأ؟ هل نبدأ من الداخل أم نواجه تهديدا واقعا وتحركات لتنظيمات إرهابية تمتلك السلاح والمال، مدربة وجاهزة للانقضاض ورفع الرايات السوداء على سيناء.. الإجابة كانت العمل فى كل الملفات بوقت واحد وهو اختبار صعب يبدو اليوم أقرب للانتحار.
 
داخليا نجحت المبادرات الرئاسية فى مواجهة مشكلات مزمنة، وتم علاج ملايين من فيروس الكبد الوبائى، ومبادرات «100 مليون صحة»، وإنهاء قوائم الانتظار للعمليات الخطرة، والكشف على سرطان الثدى للنساء، وعلاج التقزم والعيون والسمع للأطفال، مع البدء فى التأمين الصحى الشامل بمحافظات القناة والصعيد تمهيدا لاكتمالها خلال سنوات.  
 
وبالتوازى معها كانت عملية إنهاء العشوائيات ونقل سكانها إلى الأسمرات 1و2، وغيط العنب، والسيدة زينب، والمدابغ، مع توسيع ملف الحماية والاجتماعية، وصرف معاش «تكافل وكرامة» للأسر الفقيرة. 
 
ومع مبادرات رئاسية كانت ممرات التنمية، والتى تعنى ببساطة إقامة شبكات طرق وقطارات وموانئ، وربط كل هذه الطرق بالمدن الجديدة.. خطة ممرات التنمية، بدأت منذ قناة السويس الجديدة وإعادة تخطيط المنطقة الاقتصادية، ثم شبكة الطرق، والقطارات والمترو، وأنفاق قناة السويس التى تربط سيناء بالوادى والدلتا، ومبادرة «حياة كريمة»، واستصلاح 500 ألف فدان فى سيناء، وملايين أخرى فى الدلتا الجديدة وتوشكى، ومستقبل مصر، بما يضيف ربع المساحة المزروعة على مدى عصور، وإضافة مساحات إلى الجغرافيا فى بلد 95 % منها صحراء، ويزيد سكانها 25 مليونا خلال عقد واحد.
 
ولم تكن العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة منفصلتين عن المدن الجديدة فى الدلتا والساحل، الشمالى والغربى، والصعيد، ضمن استراتيجية الدولة لبناء منظومة متكاملة لبناء 48 مدينة جديدة، وبجانب العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين.. و30 مليون نسمة إجمالى عدد السكان المستهدف فى مدن الجيل الرابع، الفيوم الجديدة وبنى سويف الجديدة والمنيا الجديدة وأسيوط وسوهاج وأسوان والمنصورة الجديدة والإسكندرية الجديدة فى الوجه البحرى، ومدن سفنكس الجديدة والسويس الجديدة وطيبة الجديدة وغيرها، ولأول مرة ربط شرق النيل بغربه من خلال محاور وكبارى وأعمال هندسية.
 
كل هذا فى عشر سنوات وفى نفس الوقت كانت الدولة تحارب إرهابا فكك دولا وأدخلها فى فوضى، تحطم الإرهاب فى سيناء بفضل بسالة القوات المسلحة والشرطة وأهالى سيناء، وبتكلفة الآلاف من أرواح الشهداء والجرحى، ومليار جنيه شهريا لمدة 90 شهرا.
 
وفى نفس الوقت كان السيسى يعيد بناء سياسات مصر الإقليمية، عربيا وأفريقيا، ومتوسطيا، والدولة عليها تأمين حدودها الغربية والجنوبية والشرقية، وتسعى لوقف الحروب الأهلية بدول شقيقة كانت صراعاتها تفتح أبواب التدخلات الخارجية، وانتشار التنظيمات الإرهابية، وتعاملت مصر لمنع التئام هذه الجماعات والتنظيمات، بالعمل فى ملفات الأمن القومى.
 
الواقع أن التصويت بهذه الكثافة ولصالح الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو إدراك ووعى فى معادلة السياسة، فعندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، كانت كل الملفات مفتوحة، وضرورية، وكان على مصر أن تجرى فى سباق، وهناك من يطلق النار، ويفجر، ويضع العراقيل ويطلق الشائعات ويستهدف المجتمع، ويزرع الشك فى أن تستطيع الدولة أن تستعيد مجرد حياتها، وهناك من يراهن على أن الفشل حتمى فى ظل عجز وارتباك.
 
ومع هذا حمل السيسى المسؤولية وواجه كل هذا وعمل فى كل الملفات معا، وحتى عندما قدم كشف حساب الدولة طوال 10 سنوات، فى مؤتمر حكاية وطن، حرص السيسى على التأكيد أن الأمر يتطلب وضوحا ومصارحة، بعيدا عن دغدغة المشاعر، أو تقديم وعود، وأن من يريد التصدى للعمل العام والسياسة، عليه أن يدرك تفاصيل ما تحقق خلال السنوات الماضية، وما يفترض أن يتم تحقيقه، وأن مصر واجهت ضرورات فرضت نفسها على الدولة، وأن بناء الدولة يتطلب الكثير من الجهد، لأن الهدف هو الاستمرار فى العمل حتى نضع مصر على خرائط الدول الكبرى.
 
لم يكن الأمر يومها عرضا انتخابيا، ولا هو محاولة للتفاخر، لكنه وقفة مهمة للتعرف على ما تحقق خلال سنوات كانت صعبة بالفعل، وشكل العمل فى المرحلة المقبلة.
 
وخلال أربعة أعوام واجه العالم ثلاث أزمات كبرى انعكست على الاقتصاد العالمى، وكانت لها تداعياتها على الاقتصاد المصرى، وما كان يمكن الصمود فى مواجهة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة للمرة الثالثة، من دون امتلاك القدرة على المقاومة لهذه الأزمات.
 
ربما لكل هذا وغيره، قرر المصريون النزول بكثافة والتصويت لاختيار السيسى، بناء على معطيات سنوات مضت، وتحميله مسؤولية سنوات مقبلة تتسع فيها مجالات السياسة والعمل العام والمشاركة وإدارة التنوع فى حوار يستوعب الجميع.
 
p
 

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة