بالأمس مرت الذكرى الـ67 على يوم من الأيام الخالدة المضيئة في تاريخ مصر وفي ذاكرة شعبها المناضل والمكافح لكل أشكال وصور الاحتلال والعدوان.. ذكرى انتصار الإرادة المصرية وكفاح الشعب المصري على العدوان الثلاثي الغاشم من فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، الذي جاء ردا على تأميم مصر قناة السويس وعودتها إلى السيادة المصرية.
إنه يوم النصر وعيد النصر الذي يعتبر ملحمة سياسية عظيمة، وشهادة على استبسال قوات المقاومة الشعبية لأبناء بورسعيد، والتي قال عنها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، في خطابه في 23 ديسمبر 1957: "كانت بورسعيد تمثل طليعة المعركة، وكانت مصر كلها تحت السلاح"، وقال عنها الرئيس الراحل أنور السادات: "إنها حمت مصر وحمت العروبة"، وقال عنها المناضل اللاتيني ارنستو تشي جيفارا: "لقد منحتنا بورسعيد العزيمة لتحرير كوبا"، وقال عنها الزعيم الجزائري أحمد بن بيلا، قائد ثوار الجزائر: "بورسعيد قبلة النضال العالمي"، وقالت عنها المناضلة الجزائرية جميلة بو حريد: "إنها أرض الأبطال".
بدأ العدوان الثلاثي على مصر ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦ وقاومت المقاومة الشعبية ببورسعيد الاحتلال، وساندت الدول العربية مصر أمام العدوان وقامت بنسف أنابيب النفط في سوريا، وفي 2 نوفمبر اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بوقف القتال، وفي 3 نوفمبر وجه الاتحاد السوفيتي إنذارا إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وأعلن عن تصميمه على محو العدوان.
أدى الضغط الدولي بقيادة الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن، إلى وقف التغلغل الإنجليزي الفرنسي، وقبول الدولتين وقف إطلاق النار ابتداءً من 7 نوفمبر. تلاها دخول قوات طوارئ دولية تابعة للأمم المتحدة. وفي 19 ديسمبر أُنزل العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد، تلى ذلك انسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في 22 ديسمبر، وتسلمت السلطات المصرية المدينة الباسلة واستردت قناة السويس، وهو التاريخ الذي تحول إلى عيد قومي لمصر وليس لبورسعيد فقط.
خرجت مصر منتصرة وتجسدت زعامة عبد الناصر، واضطر أنتوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني للانزواء وترك الساحة السياسية حتى وفاته، وغربت الشمس عن الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها، وتأكدت مصرية قناة السويس وملكية خالصة للمصريين.
كانت تضحيات الشعب المصري كبيرة وجسيمة فيما قدم من شهداء في مدن القناة، ولكنه قدمها ثمنا للإرادة الحرة التي عز عليه أن يفقدها في خضم التحولات الكبرى في الإقليم، وازدادت المشاعر الشعبية الجارفة اشتعالا، رغبة في التحرر الوطني والأمل في التنمية.
الاحتفال بعيد النصر، عيدا قوميا لمصر استمر منذ عام 1957 حتى عام 1967، لكن ولأسباب غير مفهومة أو معروفة أصبح عيدا قوميا لبورسعيد فقط.
وكانت هناك دعوات بضرورة عودة الاحتفال بذكرى عيد النصر على المستوى ليكون عيدا لكل المصريين، فهذا الاحتفال سيظل تذكيرا للأجيال الجديدة بالصفحات المضيئة في تاريخ النضال الوطني والمقاومة الشعبية المصرية، وإظهارا لما يحمله هذا النصر من بطولات قدمها أهالي بورسعيد، وبرهانا على أن مردود التفاف الشعب واصطفافه حول قائده هو رد لكيد الحاقدين والمعتدين.
23 ديسمبر 1956 وانتصار إرادة ومقاومة المصريين للعدوان الثلاثي هو من اللحظات التاريخية ولحظة من الفخر والاعتزاز للشعب المصري واسترداد لهيبة وكرامة مصر، وبقاء قناة السويس ملكا للمصريين، ونجاح مصر في حسن إدارتها، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد حل أزمة جنوح السفينة إيفر جرين في مارس 2021 عندما قال: "ستظل قناة السويس شاهدا على أن الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون، وإعادة الأمور لمسارها الطبيعي بأيد مصرية، نطمئن العالم على مسار بضائعه واحتياجاته التي يمررها هذا الشريان الملاحي المحوري".
وفي مناسبة هذا اليوم المجيد لا بد من تذكير الأجيال الحالية بما فعله آباءهم وضحوا به للحفاظ على مقدرات الوطن والحفاظ على سيادته واستقلاله، استعادة و زرع الوعي لدى هذه الأجيال وتذكيرهم دائما بتاريخ وطنهم مهمة حيوية وضرورية، فالوعي هو السبيل الأقوى لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وحتى تعرف وتدرك الأجيال الحالية أنه لولا هذا النصر لما ظلت قناة السويس مصرية خالصة، والتي ستظل دائما تمثل شريانا بحريا حيويا، وقوة استراتيجية، وقوة ناعمة لمصر.. كل عام ومصر دائما منتصرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة