إن النسيج المجتمعى المصرى تعرض بمحاولات مغرضة لكثير من الصدمات التى استهدفت النيل منه والعمل على صدعه وتفكيكه؛ لكن وعى وإرادة الشعب المصرى العظيم صاحب الحضارة والتاريخ، واستنادًا على ما يؤمن به من قيم سامية، ساهم فى حماية هذا النسيج، بل وساعد فى تقويته؛ فكان النسق القيم بمثابة صمام الأمان له ضد كافة المخاطر التى التفت حوله من الداخل والخارج، وعبر الفضاء الذى كثيرًا ما حمل السموم والفكر المتطرف؛ فها نحن نعيش حالة من السلم المجتمعى والأمن والأمان منقطع النظير بمنطقة تزداد فيها الصراعات والنزعات وصور الاقتتال يومًا بعد يوم.
وتؤكد ماهية القيم على الثبات والدوام تجاه الشيء الذى يستحسنه المجتمع، ومن ثم يصبح معيارًا يهتدى به ويحدد سلوك أفراده؛ ففى خضمه وعبر تفاعلاتهم ومواقفهم اليومية يسعون إلى تحقيق ما يستهدفونه، ومن ثم فإن تعددها وتنوعها يشكل الأحكام المنطقية التى توجه رغباتنا وما نتطلع للوصول إليه، وهو ما يساعد فى بناء شخصية الفرد ويمكنه من أن يقوم تجاربه وخبراته على المدى القريب والبعيد؛ فيصل لمرحلة النضوج العقلى، وبالأحرى يؤثر فى محيطه بشكل فاعل.
وما أظهره الشعب المصرى من مسئولية صادقة تجاه نداء الوطن تكمن دلالته فى إيمانه الراسخ بحقوق هذا الوطن؛ حيث قيمة الانتماء والولاء التى يترجمها الشعور العام عندما تواجه الدولة مخاطر أو تحديات من الداخل أو الخارج؛ فنجد رأيًا موحدًا واصطفافًا سريعًا من كافة أطيفا الشعب العظيم، وفى ذات الوقت ينبذ الشعب بقوة كل خلافات أو توجهات أو تباين للرؤى حيال شتى القضية؛ لتحل محلها القضية الكبرى التى يجتمع عليها المصريون، وخاصة لو تعلقت بالأمن القومى للبلاد.
وتاريخ مجتمعنا الراقى يشير إلى تمسكه بقيمة سلامة الوطن ومقدراته والتى ترتبط بقيمة راسخة وهى الاستقرار السياسى، وبدون جدال يتطلب ذلك وعى مجتمعى بماهية وأهمية المشاركة السياسية التى أضحت نموذجًا فريدًا فى مصرنا الحبيبة، وإدراكٌ لدور الأحزاب السياسية ومدى فاعليتها فى تحقيق مطالب الشعب؛ بالإضافة إلى المناخ الديمقراطى الذى يقوم على العديد من القيم النبيلة من حرية مسئولة ومساواة وعدالة ونزاهة وشفافية، ناهيك عن معلومية الحقوق والواجبات، وبدون مزايدة رأى العالم ذلك جليًا فى الانتخابات المصرية من بعد ثورة التصحيح إلى يومنا هذا، وبالطبع حقق ذلك أحد متطلبات الأمن القومى المصرى من منظوره القريب والبعيد.
وحرى بالذكر أن الأمن القومى المصرى يرتبط بقيمة العمل؛ فهى لبنة الاقتصاد وعليها تعقد طموحات النهضة والتنمية المستدامة، وقيادتنا السياسية تتمتع بفكر تنموى وطنى بعيد المدى، وهذا ما أدى إلى الطفرة غير المسبوقة فى هذا المجال بصورة إيجابية، كما أن الشعب المصرى يمتلك القيم الداعمة للتنمية الاقتصادية فى صورتها الوظيفية؛ حيث تبدو فى الممارسات الترشيدية التى تتضمن صور الاستهلاك والاستخدام فى الموارد بكل أنماطها على المستويين الفردى والجماعى، وسياسة الادخار من طباع المصريين المحببة وهى قيمة نبيلة تحقق طموحات الفرد والجماعة، كما أن هناك الشراكة التى تقوم على أطر وسياسات واضحة تدعم التنمية الاقتصادية فى مراحلها المختلفة، وتخرج الدولة من حالة العوز لحالة العزة.
واهتمام الرئيس وسعيه الحثيث تجاه تعضيد قيمة الوفاق الوطنى لم تأتى من فراغ؛ فحالة الحوار الوطنى دلالتها تؤكد على أن الجميع شركاء فى بناء هذا الوطن، وأن أمنه القومى لا يكتمل إلا بالاتحاد فى الفكر تجاه تحمل المسئولية والشراكة الفاعلة فى حل ما يواجهه من تحديات وقضايا متباينة ومتواترة، وشعبنا العظيم بجميع طوائفه يسعى دومًا لنصرة الوطن، ويجنب أى خلافات كى يستعيد سبل السلام، ويحقق الوحدة الوطنية كقيمة أصيلة، ومن ثم يضرب مثالًا يحتذى به فى تحقيق ماهية قيمة التسامح واحترام الآخر، وفى المقابل لا يقبل الاستهانة بأمن وطنه القومى بأى شكل من الأشكال، وهذا فى مجمله يؤكد على قيمة التماسك وصورة الاندماج الاجتماعى المبهرة، ويشكل الإرادة الوطنية المصرية فى صورتها النقية.
وقيادتنا السياسية الحكيمة اهتمت اهتمامًا بالغًا بالعلم وضروبه؛ إيمانًا منه ومنا أن العلم قاطرة النهضة للدولة المصرية العظيمة، ومن ثم تولى مؤسساتنا بتنوعاتها المختلفة قيمة الابتكار وأمانة العلم الاهتمام التام؛ حيث توفر المُناخ الداعم الذى يحقق من خلاله العلماء ما يسعون إليه من أهداف تخدم غايات الدولة العليا فى شتى مجالاتها وقطاعاتها، وفى المقابل تقدر وتكرم الدولة المصرية هؤلاء العلماء ماديًا ومعنويًا، كما تبوء من يمتلك العلم مع مهارات القيادة الاستراتيجية المكانة المستحقة، ولنا أن ندرك الارتباط الوثيق بين العلم والتكنولوجيا؛ حيث قيمتهما لا تنعزلان عن بعضهما البعض، وهذا ما يحقق ماهية الأمن القومى المصرى فى الجانب الفكرى.
ويصعب أن يتحقق الأمن القومى المصرى فى بُعده البيئى بعيدًا عن قناعتنا وإيماننا الراسخ بالقيم البيئية التى تحقق استدامة التنمية، والدولة المصرية تهتم اهتمامًا جليًا بحماية البيئة؛ فالمشروعات القومية التى يرعاها الرئيس خير شاهد على هذا الأمر؛ فهناك مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ فى القاهرة الكبرى، ومشروع إدراج صون التنوع البيولوجى واستخدامه المستدام فى تنمية السياحة، ومشروع الإبلاغ الوطنى الرابع لمصر، وغيرها من المشروعات التى يصعب حصرها، وضمانة النجاح لتلك المشروعات تقوم على قيم الوعى البيئى وقيم الجمال وقيم المسئولية المشتركة فى حماية البيئة والحد من التلوث.
والرئيس عبد الفتاح السيسى لم يألُ جهدًا فى تعضيد قيم التعاون الدولى وتأكيد السلام العالمى فى كافة المحافل الدولة وعبر تناوله للقضايا المصرية والإقليمية والعالمية؛ فقد غلبت لغة الحوار لغة السلاح، وهذه قيمة يدركها العقلاء فى هذا العالم المليء بزخم الصراعات وتضخم الفتن فى أرجاء المعمورة، ورغم ذلك لم يفرط الرئيس فى كرامة الوطن، ومن ثم حقق المعادلة الصعبة؛ حيث أكد على ثقافة السلام، ورجاحة ورشد العقل فى استخدام القوة.
إن ما ذكر من قيم فى صورة مختصرة تؤكد فى مجملها على أن الأمن القومى المصرى تقوم فلسفته العميقة على سياج قيم مجتمعه النبيلة، ولن يرتضى شعب مصر وقيادته ومؤسساته الوطنية إلا سلام الأقوياء.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.