عادل السنهورى

سر انحياز عبد الناصر والسادات إلى فريد الأطرش

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوم 26 ديسمبر يكون قد مر على رحيل الموسيقار فريد الأطرش 49 عاما، فقد رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم عام 1974 وعمره 57 عاما، بعد مسيرة حافلة من الغناء والتلحين. 
 
فريد ولد فى 21 أبريل عام 1917 وينتمى إلى آل الأطرش، وهم من الأمراء وإحدى العائلات العريقة فى جبل العرب جنوب سوريا فى المنطقة المسماة جبل الدروز نسبة لسكانها. 
 
شارك فى 31 فيلما سينمائيا فى السينما المصرية فى الفترة من 1941 حتى السنة 1974 وكان بطلها جميعا، ربما أشهر هذه الأفلام على الإطلاق والذى جنى منها أرباحا طائلة هو فيلم "حبيب العمر" لأنه مثل قصة حب حقيقية. وغنى فريد حوالى 224 أغنية لحنها جميعا إلا أغنية واحدة هى أغنية "من يوم ما حبك فؤادي" كلمات وألحان مدحت عاصم. وصدر حوالى 17 كتابا ومؤلفا عنه وعن فنه.
وقد يدهشك أن فريد الذى جاء إلى مصر مع شقيقته "آمال الأطرش" التى عرفت فيما بعد فنيا باسم أسمهان هربا من اضطهاد الاحتلال الفرنسى – يعنى ليس مصريا – إلا أنه الفنان الوحيد الذى كان يحمل 4 جنسيات هى السورية واللبنانية والمصرية والسودانية، فقد كان نموذجا لوحدة الفن العربى ومعبرا عنه فى أعماله.
 
منذ بداية الأربعينيات سعى فريد الأطرش بفنه فقط إلى وضع بصمة فنية خاصة به فى خريطة الموسيقى والغناء المصرى المتخمة والمزدحمة بساكنيها من عمالقة الطرب فى ذلك الوقت على مستوى الغناء والتلحين، أمثال عبد الوهاب والسنباطى والقصبجى وزكريا أحمد ومحمود الشريف وأحمد صدقى وأم كلثوم وغيرهم، وبعد سنوات قليلة يأتى عبد الحليم حافظ وكمال الطويل ومحمد الموجى وغيرهم لتزداد الساحة ازدحاما وتشتد حدة المنافسة ليجد ذلك الفتى " لأمير الدرزي" نفسه فى "معمعة كبرى لا تخلو من بعض المواقف والتصرفات والضربات الخفية فوق وخارج حلبة المنافسة. وهذا الوافد الجديد عليه بصفاته الشخصية المسالمة والطيبة و"الغلبانة" التى لا تعرف "مقالب الوسط الفني" أن يستمر ويتقدم فى السباق بأعماله فقط ليصبح أحد أهم عمالقة الغناء والألحان فى مصر والوطن العربى.
 
كل من يعرف فريد واقترب منه وصادقه يشهد على إخلاصه وحسن نواياه وحبه لمن حوله وطيبته الزائدة، وربما هذا ما يفسر انحياز النخبة السياسية الجديدة التى حكمت مصر منذ بداية الخمسينيات والستينيات والسبعينيات إلى فريد الأطرش وانسجمت ذائقتها الفنية ومزاجها الغنائى مع ألحان وأغانى فريد، وهو ما يشير إليه عدد من المؤرخين الموسيقيين فى كتاباتهم.
 
 وربما السبب الآخر للانحياز هو الحرب الخفية والخلافات الفنية والشخصية المسكوت عنها أحيانا والمعلنة أحيانا أخرى ضد فريد ومن زعماء المرحلة الفنية خاصة عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وربما هذا ما أنقذه- إلى جانب أعماله الرائعة- من أنياب فنية حادة.
 
من هنا نشأت صداقة قوية بين فريد الأطرش والزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل أنور السادات. فصداقته مع ناصر لخصها فى النهاية منحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، تقديرا لخدماته للموسيقى العربية، الأمر الذى كان أجمل لحظات حياة فريد التى وصفها بـ”فرحة العمر”. وهو الوسام الذى لم يحصل عليه حليم رغم علاقته مع عبد الناصر واعتباره "فنان ثورة يوليو"..!
ولا ينسى فريد لحظة أن رن جرس الهاتف فى شقته المطلة على النيل ليجد على الطرف الآخر مكتب السيد صلاح الشاهد، كبير الأمناء برئاسة الجمهورية، يبلغه أن الرئيس قرر تكريمه. 
ويقول فريد بعد ذلك فى حواراته: "كانت المفاجأة أكبر من أن يتحملها قلبى فبكيت من الفرحة". وتم تحديد موعد استلام الوسام ولم يستطع فريد الأطرش أن ينام ليلة سماعه الخبر قبل أن يذهب فى اليوم التالى، فكانت فرحته وامتنانه بلا حدود لهذا التقدير، ولم يعبر عن هذه المشاعر أى شيء غير البكاء.
 
وعندما ذهب فريد إلى القصر الجمهورى لاستلام الوسام من صلاح الشاهد تدفقت مشاعره وهو يقرأ نصه:
 
"من جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة إلى الموسيقار فريد الأطرش، تقديرا لحميد صفاتكم، وجليل خدماتكم للموسيقى، قد منحناكم وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى".
أمسك فريد بالقلم وحاول التعبير عما يدور فى قلبه والمشاعر التى تعتمل فى أعماقه، ليكتب فى سجل التشريفات:
 
"سيدى الرئيس...إن تقديركم النبيل قد جعلنى أشعر بأننى قد ولدت من جديد، وأن هذا اليوم المشهود الذى نلت فيه شرف تقديركم وتقدير وطنى، لهو يوم خالد فى حياتى سوف أعتز وأفخر به ما بقى لى من عمر فى هذه الحياة، فلكم كل شكرى وامتنانى ولوطنى الغالى مصر حياتى وكل قطرة فى دمى، ووفقكم الله لنصرة وطننا العزيز لترتفع دائما راية العروبة شامخة عالية."
 
وبحسب ما نشرته مجلة آخر ساعة المصرية فى عددها الصادر بتاريخ 18 مارس 1970 قال فريد: "لا أدرى ما أقول فى هذا الموقف المشهود فى حياتى، فإننى مهما بذلت من جهد ومهما قدمت من عمل بعد ذلك لن أستطيع التعبير عن امتنانى وحبى ومشاعرى تجاه الرئيس جمال عبدالناصر، الإنسان العظيم والقائد الحق، وراعى الفنون والثقافة العربية.
 
حالة الحب والتقدير و"الانحياز" من الزعيم الراحل لموسيقار الشرق فريد الأطرش، كانت واضحة فى العلاقة بينهما، حتى أنه نصره فى بعض الأحيان على العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ- مطرب الثورة- ففى إحدى المرات تدخل عبد الناصر بين فريد وحليم، فى حسم واقعة نقل التليفزيون لحفلات شم النسيم، وأمر عبد الناصر وقتها أن ينقل التليفزيون حفلة فريد الأطرش وبثها على الهواء مباشرة، وتسجيل حفلة عبد الحليم وبثها فى اليوم التالى.
 
وتفاصيل هذا الموقف كثيرة، فقد جاء موقف الرئيس فى وقت بلغ فيه الصراع التقليدى بين حليم وفريد للذروة حفل الربيع، فقد رفض حليم أن يغنى من ألحان فريد وتهرب منه. وكان بعد أن يتفقا ويجرى عبدالحليم البروفات المبدئية على عود فريد، ويسارع فريد بإبلاغ الصحف باقتراب اللقاء، لكن عبدالحليم كعادته، فص ملح وداب، فقد أعد له فريد أغنية «يا واحشنى رد عليه إزيك سلامات» تراجع عنها حليم فى اللحظات الأخيرة، فمنحها لمنافسه محرم فؤاد، بعدها يقدم له «يا ويلى من حبه يا ويلى»، يتراجع حليم فيغنيها فريد بصوته، وهكذا تزداد حدة الصراع، خاصة أن أنصار فريد وعبدالحليم يصبان على نيران الخلاف المزيد من البنزين لتزداد اشتعالا، إلا أن حفل الربيع فى ذلك العام – كما يقول الناقد الفنى طارق الشناوي-كان هو الحلبة الرئيسية، وبدا سؤال كبير "من الذى يعرض له الحفل فى التليفزيون الرسمى، والذى كان يُطلق عليه فى تلك السنوات من زمن ناصر «التليفزيون العربى»، فلا توجد سوى قناتين فقط، والدولة ليست لديها إمكانيات هندسية سوى أن تنقل حفلا واحدا، وزير الإعلام فى تلك السنوات عبدالقادر حاتم أُسقط فى يده، كان عبدالحليم قبلها بنحو خمس سنوات معتادا على إقامة حفل الربيع وتقديم أغنية جديدة لجمهوره، ولكن فريد عاد لمصر، والجمهور يشعر أن الربيع هو فريد، وفريد هو الربيع.
 
وجاء القرار الرئاسى بفض الاشتباك بين المطربين الكبيرين فى حفل الربيع عام 1970 الذى كان مقصورا على فريد فزاحمه فيه عبدالحليم.. وكان جمال عبدالناصر بشخصه هو من قام بفض الاشتباك فى حفل زفاف ابنة عبداللطيف البغدادى، حيث جاء الزفاف فى ذروة المعركة بين فريد وحليم قبل ليلة شم النسيم بأيام، وكان عبدالحليم مدعوا ليغنى للعروسين فإذا بناصر يستدعيه على عجل، فهرول عبدالحليم سعيدا، ولكنه صُدمَ عندما سأله الرئيس: مزعل الأستاذ فريد ليه يا عبدالحليم؟! ولم يكن أمام عبدالحليم سوى إلا أن يرد فقال: يا ريس.. فريد.. وقبل أن يكمل كـلامه قاطعه الرئيس عبدالناصر: «الأستاذ فريد».. ولم ينطق حليم، لكن الرئيس أكمل بأنه خلاص قد أمر أن يذيع التليفزيون والبرنامج العام حفل الأستاذ فريد، وسوف يسجل التليفزيون حفلك لإذاعته فى اليوم التالى، وعندك صوت العرب تذيعه لك على الهواء.. ووافق حليم ولم يكن فى مقدوره سوى الموافقة فقط.. 
 
ويطل فريد فى موعده من أول ابريل 1970 من فوق خشبة مسرح سينما قصر النيل وعبر شاشة التليفزيون المصرى وميكروفونات إذاعتى البرنامج العام ومع الشعب، حيث ألقى كلمة حيَّا فيها الحضور شاكرًا مصر شعباً وقيادة ممثلة فى الزعيم عبدالناصر، وبعدها انطلق بحماس ابن العشرين ليقدم أغنية وطنية جديدة تغنى فيها لمصر وزعيمها بكلمات مأمون الشناوى 
"ســنة وســنتين ســــنة وسـنتين.. وأنت يـا قـلبى تـقــول أنـا فـــين
وأنـا دبت وتهـت فـى أشـــواقـك.. وشفـت النيـل وعــرفت أنا فـــين
يا مصر.. يا عمرى.. يا نور العين".
 
وفى واقعة أخرى من زعيم تجاه فنان ولم تحدث بعد ذلك فى علاقة الرؤساء بالفنانين، عبرت عن عمق العلاقة بين الاثنين.. فقد تعرض فريد لوعكة صحية شديدة بعد الانتهاء من فيلمه "عهد الهوى" بطولته مع مريم فخر الدين وإيمان ويوسف وهبى عام 1955 منعته بأمر الأطباء من مغادرة الفراش، وتقرر عرض الفيلم فى إحدى دور العرض بوسط القاهرة يوم 7 فبراير من العام نفسه، وكان من المألوف أن يحضر أبطال العمل الفنى حفل الافتتاح، ولم يقدر فريد على الحضور، فأمسك بقلمه وكتب خطابا مذهلا ومدهشا ومفاجئا إلى "صديقه" جمال عبد الناصر جاء فيها: "سيادة الرئيس جمال عبد الناصر.. أنا أصبت بذبحة صدرية تمنعنى من الحضور لحفلة افتتاح فيلمى عهد الهوى، كما هى عادتى مع الليلة الأولى فى حضور العرض الاول.
 
لذا ارجو منك يا سيادة الرئيس أن تتكرم بحضور هذا العرض، وأن تحيى جمهورى الذى يحبك، وهو جميل سيظل فى رقبتى طول العمر"...!!
المفاجأة الأكبر كانت فى استجابة عبد الناصر لطلب فريد الأطرش. ففى يوم حفلة العرض الأول مساء 7فبراير 1955 يفاجأ الناس مساء بموكب سيارات تصدح بأبواقها، فى إشارة إلى حضور شخصية كبيرة، فخرج من فى السينما واحتشد من فى الشارع ليلتقوا مع من أذهلهم بحضوره..
 
كان جمال عبد الناصر وبرفقته عبد الحكيم عامر، وقد نزلا من سيارة واحدة وتوجها إلى المقصورة السينمائية، يحييان الناس المكتظة بها الممرات والسلالم، والهتافات تعلو، فيسارع من أرسله فريد إلى الهاتف ليزف البشرى للموسيقار: "لقد حضر الريس والناس غير مصدقة، فيسمع صوت فريد يعبر عن فرحة لا توصف وهو يقول: “أنا أسمع الهتافات الآن.. أشكرك يا رب، الله يحفظك يا ريس“.
وفى إحدى حفلات عيد ثورة 23 يوليو المجيدة، حرص الزعيم جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر على الذهاب إلى نادى ضباط القوات المسلحة، للاستماع إلى فريد الأطرش ومعه سعاد محمد وفايدة كامل، وهم يشدو بأغنية "يا مرحبا يا جمال".
 
ولاقت الأغنية التى تقول بعض كلماتها: "يا مرحبا بك يا جمال فى عيد ميلاد الثائرين.. ثورة كفاح ثورة جمال تعيش لآلاف السنين"، إعجاب الحضور وظلوا يصفقون كثيرا لفريد الأطرش.
 
وعند رحيل عبد الناصر فى سبتمبر 1970 كانت الصدمة قوية بشكل خاص لفريد الأطرش وظهر فريد – رغم مرضه- فى العديد من الصور النادرة التى تعبر عن صداقة فريد تجاه الزعيم ومدى حبه له ووفائه له، وهو يقرأ له الفاتحة ويضع أكليلا من الورود على قبره، كما ظهرت صور نادرة لفريد وهو يقبل قبر الزعيم، تعبيرا عن حبه الشديد وفقدانه للصداقة القوية التى جمعتهما.
 
نأتى إلى أم كلثوم ومازال السؤال القديم يتردد حتى الآن: "لماذا لم تغنى أم كلثوم من ألحان فريد الأطرش..؟"
 
فى 28 يناير عام 1970 بعد 42 شهرا من الغياب عن مصر- رحل عنها عقب هزيمة 67-، يعود فريد إلى معشوقته وفى مطار القاهرة كانت فى استقباله بطاقة من الموسيقار محمد عبدالوهاب تقول: «ألف حمد الله على السلامة»، ومجموعة من الأصدقاء بينهم الشاعر مأمون الشناوى، وسمير صبرى، ومحرم فؤاد، وعازف الكمان أحمد الحفناوى، والموسيقار أحمد فؤاد حسن، قائد الفرقة الماسية، وفؤاد الأطرش وزوجته.
 
وفى المطار صرح للصحفيين: "أنه أعد لحنين لأم كلثوم، قصيدتان للأخطل الصغير وهما: زهرة من دمنا، ويقول فيها: عرس الأحرار أن تسقى العدا كئوسا حمرا وأنغاما حزانا، وقصيدة عش أنت إننى قد مت بعدك».
 
كان إعلان فريد عن لحنيه لأم كلثوم استمرارًا لأمل تمناه طوال حياته لكنه لم يتحقق، والأقاويل حول ذلك كثيرة، منها ما يذكره فريد فى لقاء له مع الإذاعة اللبنانية، قائلا: «أم كلثوم كانت تشعر بالغيرة من شقيقته أسمهان، وأنه رغم رحيل الأخيرة عام 1944 إلا أنها لم تنسَ أبدا أنه شقيق غريمتها الأولى وأول مطربة تهدد عرشها الغنائى».
 
غير أن الناقد طارق الشناوى، يذكر سببا مختلفا حيث سأل عمه الشاعر مأمون الشناوى: لماذا لم تغن أم كلثوم لفريد،ولماذا لم تحاول إقناعها بذلك؟ فأجاب: «حاولت ولكن السبب الحقيقى الذى لم تستطع أن تعلنه مباشرة أم كلثوم لفريد هو، أنها لم تكن تحب المذاق الموسيقى الذى تجده يشكل طابعا مميزا لكل ألحانه».
 
لكن بليغ حمدى – حسب ما نشره الكاتب الصحفى رشاد كامل فى روز اليوسف فى 17 أغسطس منذ عامين- قدم تفسيرا للخصام الفنى بين «ثومة» و«فريد» فى مقال رائع كتبه بعد فترة من رحيل «فريد»، بعنوان «دفاع عن الضياع الحضارى" قال فيه: أن نجاح فريد الأطرش كان يكمن بالدرجة الأولى فى أنه جعل الجمهور منذ لحظته الأولى يحس تماما بوجوده وبتأثيره فى الغناء العربى والموسيقى الشرقية، وبعد ذلك بمساهمته فنيا فى تشكيل ذوق المستمع العربى لفترة زمنية طويلة». 
 
و«إن فنانا يمتلك موهبة فريد الأطرش وقدرته وتفوقه وإحساسه كان يستطيع أن يعطى المكتبة العربية أضعاف أضعاف ما أعطاه، كان يستطيع أن يفعل ذلك فى ألحانه وأغانيه وحتى فى أفلامه، أن من يرى ويسمع اسكتشاته الموسيقية والغنائية الجميلة فى أفلامه السينمائية يحس على الفور أن بذرة النجاح الضخم فى المسرح الغنائى كانت موجودة فى فن فريد الأطرش، أن التفسيرات لذلك كثيرة، ولكننى شخصيا مقتنع بتفسيرين أو بسببين، السبب الأول هو أن إقبال فريد على الحياة وحبه لها استهلك جزءا كبيرا من وقته، بحيث إنه كان مشغولا أساسا بيومه، وليس بالتفكير فى مستقبله.
 
 والسبب الثاني- كما جاء فى المقال- كان هو طبيعة شخصية فريد نفسه، أن فريد كان معتزا للغاية بنفسه، وعنيد إلى آخر مدى، حتى فيما لا يخدم فنه هو. أن هذا هو السبب فى أن أم كلثوم لم تغن من ألحانه، أن فريد لم يعرف كيف يتعامل مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، كانت له طريقته فى التعامل، وهى طريقة كانت - فضلا عن اقتناعه بها - جزءا من شخصيته، هذه الطريقة هى التى جعلته يرى مثلا أن فنانا كبيرا وناجحا وشعبيا مثله، لا بد أن يكون له حق اختيار الكلمات التى يلحنها لكى تغنيها أم كلثوم. 
 
وأم كلثوم من جانبها كانت ترى أن من حق فنانة فى مكانتها أن تختار الكلمات التى تنفعل بها والتى تعطيها لملحن ليلحنها، ولهذا السبب لم يتم هذا اللقاء الفنى الذى كان منتظرا وممكنا، لقد اختار فريد قصيدة الأخطل الصغير «وردة من دمنا» ليلحنها ويعرضها على أم كلثوم لكى تغنيها، أن أم كلثوم لم تغنها ليس اعتراضا على القصيدة ذاتها ولكن لسبب آخر حددته هى بكلماتها: «ما دام فريد عاوز يلحن لى إذن يلحن لى أغنية حفلة، أغنية تصلح لما أؤديه على المسرح فى حفلاتى، ولكن فريد رفض، إلا إذا غنت له أم كلثوم أولا أغنية «وردة من دمنا»، واعتبر هذا التصرف من أم كلثوم هو - أولا - إهانة له، أو تقليلا من شأنه وهو أمر لم يكن صحيحا بالطبع، وهو ثانيا تعامل معها بعناد هو فى الحقيقة جزء طبيعى - غير متعمد - من شخصيته، وهكذا خسرنا لقاء فنيا كان سيصبح مثمرا جدا وناجحا للغاية، ولكن تلك كانت هى طبيعة فريد الأطرش.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة