على غرابة هذا الاسم ظاهريا، لكنه يظل علامة مهمة جدا على الكيفية التي تعامل بها أجدادنا المصريون القدماء مع مفردات وطنهم، وكيف عرفوا كل ذرة تراب فيه وأحسنوا استغلالها، ووضعوا بصمتهم الخاصة في كل شبر منه.
في وسط سيناء وبالقرب من مدينة أبو زنيمة التي تطل على خليج السويس جنوب راس سدر بحوالي ثمانين كيلومتر، في عمق الصحراء يقع هذا المكان: سرابيط الخادم، وتقع فوق هضبة مرتفعة والطريق إليها بالغ الوعورة والصعود إليها صعب من جميع الجهات، لكنه مكان مميز بكل معاني الكلمة، ففيه الأدلة القاطعة على تطور علوم المصريين القدماء وقدرتهم على استغلال مواردهم الطبيعية مع حرصهم الشديد على الجانب الروحاني في حياتهم.
فقد أظهرت عمليات التنقيب عن الآثار بواسطة سير فلينردز بيتري عن معسكرات التعدين المصرية القديمة بالإضافة إلى معبد حتحور، وهي المعبودة المصرية القديمة التي استعان بها المصريون القدماء لحماية الصحراء، وهكذا تتجاور معسكرات عمال مناجم النحاس مع المعبد المصري القديم.
وقد عثر في هذه المنطقة على تماثيل عديدة تحمل أسماء الملك سنفرو من الأسرة الرابعة، الملك منتوحتب الثالث والملك من ملوك الأسرة الحادية عشر، ونقش لكل من واسم أبيه أمنمحات الأول. أما أشهر الآثار في تلك المنطقة فهو معبد حتحور والنقوش السينائية الأخرى التي اكتشف فيها عام 1905 وعرفت فيما بعد باسم الأبجدية السينائية الأولية وهي التي يعتبرها بعض علماء المصريات أصل الأبجديات.
لسيناء إذا مكانتها الكبيرة في قلوب المصريين لكنها أيضا كانت جزءا مهما من تاريخ هذا الوطن وربما تتجه الأنظار فيها إلى الأماكن التي تحظى بشهرة سياحية مثل دهب ونويبع وشرم الشيخ وراس محمد، وبالطبع منها ما يحظى بشهرة دينية مثل الطور وسانت كاترين وعيون موسى، لكن مثل هذا المكان تبقى دلالاته قوية على مستوى الوعي بالهوية المصرية، فوجود منجم للنحاس هو مؤشر على تطور علم الجيولوجيا والتعدين في مصر القديمة، ووجود معبد لحتحور في تلك المنطقة هو دليل قوي على خضوعها عبر القرون الممتدة لهذه الهوية المصرية.
ليبقى السؤال إذن: كيف لا يعرف الكثيرون ممن يمرون بطريق شرم الشيخ بوجود مثل هذا المعبد على بعد دقائق من هذا الطريق؟ ألا يستوجب الأمر أن يكون مثل هذا المعبد في هذا المكان تحديدا على الخريطة السياحية والثقافية المصرية؟
في سيناء مثل هذا المكان كثير، كلها أماكن في القلب من التاريخ المصري، ولذلك فلمثل هذا الحديث بقية.
