بينما تتواصل تدفقات المصريين فى كل دول العالم للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية، نحن أمام تجربة تضاف إلى تجارب المصريين على مدى سنوات، حيث ينتصر الوعى باتجاه بناء تجربة سياسية واضحة، يخوضها المصريون تجاه المستقبل، لصناعة تجربتهم السياسية، إيمانا بأهمية المشاركة فى العملية الانتخابية، حيث اصطف المصريون فى الخارج أمام مقار البعثات الدبلوماسية المصرية فى 121 دولة، واختار كل منهم بحريته ومن دون أى تأثير، رهانا على أن المشاركة هى الطريق للاختيار بشكل يضمن بناء المستقبل، وإيمانا بأن الشعب الذى عبر تحديات صعبة على مدى أكثر من عشر سنوات قادر على مواجهة ما هو قادم بنفس الشجاعة.
الحضور الكثيف من المصريين فى كل قارات الدنيا ينسف الكثير من محاولات نشر الشائعات أو التحليلات المختلة، أو محاولة الإيحاء بأن النتائج محسومة، أو أن الانتخابات مجرد شكل، بينما كل من تابع الحال على مدى سنوات، وتعرف على الحوار الوطنى، وشروط الهيئة الوطنية للانتخابات، يعرف أن الجدية والعدالة هما عنوان الانتخابات الجارية، التى ترسم صورة المستقبل بتجربة تفصيل بعيدا عن تجارب منقولة، أو ادعاءات ثبت تهافتها.
ومن يريد التعرف على تأثير وحجم الحضور، يمكنه متابعة حالة الإحباط التى أصابت لجان التنظيم، وأصدقاء الإرهاب، لجانا وقنوات ومنصات، ممن واصلوا عملهم خلال شهور لترويج انصراف الناس، لكنهم مثل كل مرة يأخذون الدرس، من الحضور الكثيف بالخارج والداخل، فيبدأون فى توجيه اللوم للشعب فى حالة من المرض والاختلال اعتقادا أن «الزعيق» سوف يجعلهم أكثر إقناعا، لدرجة أن هناك من يتهم الناخبين بأنهم «يريدون مصالحهم» وهى مفارقة تضاف إلى مفارقات منصات الهيستريا، التى تجمع كل المختلين والممولين الذين يعرفون الحقيقة لكنهم يسعون إلى الحصول على المقابل والراتب، ولهذا يتفننون فى انتقاء أكثر الألفاظ انحطاطا، ليثبتوا أنهم يؤمنون بالجماعة والتنظيم الإرهابى أكثر مما يؤمنون بوطن، ينفذون التعليمات، حتى لو كانت خارج إطار العقل والمنطق، وكل منهم يقدم عرضا أراجوزيا ليضمن تدفق راتبه، ورضا الممولين، ويضطر الواحد منهم لإهانة نفسه من أجل أن يحصل على يوميته، وبالتالى فإن كل صوت يسبب المزيد من الضيق لدى قطعان الممولين.
الشاهد أن المصريين بالخارج، الذين حصلوا على حق التمثيل والانتخاب، وأصبح لهم ممثلون بمجلسى النواب والشيوخ، يجدون فى المشاركة أقصر طريق لصياغة المستقبل وتأكيد ارتباطهم بوطنهم.
وقد كشفت الأحداث الأخيرة، والعدوان على غزة، وقدرة الدولة على العمل فيها، عن حجم وشكل تحديات ضخمة عبرتها مصر على مدى أكثر من عقد، وكشفت لكثير من المصريين أن التجارب تتم بالتراكم والمناقشة، ثم إن الحوار الوطنى خلق حالة من الحيوية، وفتح شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتم التعامل مع بعض المطالب مباشرة، وأن السياسة عملية مستمرة، لبناء الثقة بين كل الأطياف، وخلق جسور للحوار يمكن من خلالها للأطراف المختلفة أن تطرح وجهة نظرها، انطلاقا من تجربة 10 سنوات، بل والاستفادة من تجارب 12 عاما شهدت العديد من التحولات، وعجزت تيارات كثيرة عن خلق حالة حوار ومشاركة توسع التفاعل بين الأطراف المختلفة.
وبالتالى فإن الحضور الكثيف للمصريين بالخارج فى انتخابات الرئاسة هو رد عملى على الكثير من الأسئلة التى طرحت، أو التقارير والمنصات التى حاولت الترويج لأن الأمر مجرد نسخة جاهزة، بينما الممارسة تثبت أننا أمام نسخة محلية من التعامل فى الممارسة السياسية، بعيدا عن القوالب الجاهزة التى تبقى فى سياق الطرح النظرى من دون مراعاة لخصوصيات كل مجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.