- المصريون نجحوا بفضل تماسكهم وثقتهم وصبرهم.. حضور المواطنين بالخارج يكشف مدى إدراكهم حجم التحديات على مدى أكثر من 10 سنوات
- وعى المصريين ساعد فى مواجهة وهزيمة الإرهاب والتحديات الاقتصادية.. ومن حقهم أن يبنوا تجربتهم بطريقتهم
يستعد ملايين المصريين لإنهاء مرحلة جديدة من البناء السياسى والدستورى، لتنتقل مصر من مرحلة انتقالية صعبة، إلى مرحلة أكثر اتساعا وتنوعا، بالمشاركة فى الانتخابات الرئاسية التى تجرى خلال الأسبوع المقبل، وقد انتهت عملية التصويت بالخارج خلال الأيام الماضية.
ومن خلال متابعة الحضور بالخارج، يمكن توقع الحضور بالداخل، ما يفتح مجالات جديدة، وبناء على ما تحقق خلال الفترة الماضية كان الحضور الواضح للمصريين بالخارج، للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية، كاشفا عن مدى إدراك هذا القطاع من المواطنين، بحجم وشكل التحدى الذى يواجه الدولة، وبالتالى فإن الحضور اللافت للمواطنين المصريين فى كل دول أوروبا والولايات المتحدة والدول العربية سواء فى الخليج، أو دول المغرب العربى وآسيا وأفريقيا، انعكاس لإدراك المصريين أن الانتخابات تجرى فى ظروف وتحديات صعبة، داخليا وإقليميا.. وهو ما يدفع إلى ضرورة المشاركة بالداخل، للتأكيد على استكمال مسار سياسى واقتصادى، والتفاعل مع مطالب المرحلة القادمة، ومعطيات الظروف المطروحة.
الحرب على غزة، كشفت الغطاء عن حجم ما واجهته الدولة المصرية من تحديات وجودية، وبالرغم من هذا نجح المصريون فى الصمود أمام هذه التحولات التى يشهدها الإقليم والعالم، ضمن واحدة من أطول المراحل الانتقالية، وبعد أن نجحوا على مدى أكثر من 10 سنوات فى مواجهة هذه التحديات بفضل تماسكهم وثقتهم وصبرهم، وهو ما يضاعف الأمل فى تخطى التحديات القائمة، ومثلما عبر المصريون كل هذه الظروف، فإنهم قادرون على رسم خرائط المستقبل، من خلال قراءة المرحلة وتقييم ما جرى داخليا وإقليميا ودوليا.
كشفت الأحداث الأخيرة، والعدوان على غزة، وقدرة الدولة على العمل فيها، عن حجم وشكل تحديات ضخمة عبرتها مصر على مدى أكثر من عقد، وكشفت لكثير من المصريين كيف نجحت مصر فى التعامل مع كل الملفات فى وقت واحد، مواجهة إرهاب ممول نجح فى تفكيك دول إقليمية كبيرة، وفى نفس الوقت كان عليهم العمل فى ملفات الاقتصاد والطاقة والتوسع الأفقى والرأسى، بجانب بناء سياسة خارجية عربية وأفريقية ودولية تقوم على التوازن والتعاون، مع مواجهة كل التحديات الإقليمية غربا وجنوبا وشمالا وشرقا.
تنوع واسع
سياسيا كان العمل يجرى مع وجود تنوع واسع داخل المجتمع المصرى فى الداخل والخارج، كشفته المشاركة فى الحوار الوطنى، الذى ساهم فى توسيع مجالات النقاش، فى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإدارة التنوع، باعتبار أن كل دولة لها ظروفها التى تتطلب بناء تجاربها السياسية أخذا فى الاعتبار كل هذه المتغيرات، مع الأخذ فى الاعتبار أن التجارب السياسية تتم بالتراكم والمناقشة والجدل وإدارة التنوع السياسى والاقتصادى لصالح المجتمع، وخلال أكثر من عام نجح الحوار الوطنى فى خلق حالة من الحيوية، وفتح شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتم التعامل مع بعض المطالب مباشرة، وأن السياسة عملية مستمرة، لبناء الثقة بين كل الأطياف، وخلق جسور للحوار يمكن من خلالها للأطراف المختلفة أن تطرح وجهة نظرها، انطلاقا من تجربة 10 سنوات، بل والاستفادة من تجارب 12 عاما شهدت العديد من التحولات، وعجزت تيارات كثيرة عن خلق حالة حوار ومشاركة توسع التفاعل بين الأطراف المختلفة.
من هنا فإن الانتخابات الرئاسية تمثل خطوة أخرى فى طريق إدارة التنوع السياسى، وتمهد لتطبيق نتائج حوار وطنى نجح فى استقطاب أحزاب وتيارات سياسية لم تكن ظاهرة، ومثل حضور المصريين بالخارج فى التصويت بالانتخابات الرئاسية بشكل أكبر مما سبق، مؤشرا على توقع زيادة المشاركة بالداخل، خاصة مع وقوف الهيئة الوطنية للانتخابات على مسافة واحدة مع كل المرشحين ومنح المصوتين حرية كاملة فى الاختيارات.. وخلال سنوات كان وعى المصريين عاملا فى عبور مرحلة انتقالية صعبة منها إرهاب وتحديات اقتصادية، ومن حقهم أن يبنوا تجربتهم بطريقتهم ومن خلال تنوعهم.
واجه المصريون تحديات متوازية معا، فيما يتعلق بالإرهاب فإن مصر البلد الوحيد الذى لم ترفع فيه رايات سوداء من داعش أو أى تنظيم إرهابى بجهد أبنائنا البواسل من القوات المسلحة والشرطة، وأبناء سيناء، كما تم إطلاق مبادرات للصحة والتخلص من العشوائيات، وبدء مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومناطق صناعية وكبارى وتنمية فى الصعيد وبحرى، ومبادرة «حياة كريمة» التى تعيد صياغة حياة أكثر من نصف سكان مصر فى الريف والقرى والتوابع، وممرات التنمية فى كل اتجاه، عمران، طرق وكبارى، محاور فى القاهرة والمحافظات، ربط شرق الصعيد بغربه، قطارات سريعة، مترو، وعاصمة إدارية جديدة وعمران فى مدن حديثة، وإحياء للصناعات واتجاه لإصلاح التعليم يعالج تراكمات العقود الماضية، ويستوعب الجديد، حيث ارتفع عدد السكان أكثر من 25 مليونا خلال عقد واحد.
الإنفاق ضرورى على البنية التحتية
كان الإنفاق ضروريا على مشروعات البنية التحتية، الكهرباء والطرق والنقل، وإذا كان قطاع مثل الصحة يحتاج إلى مئات المليارات لاستكمال التأمين الصحى خلال عشر سنوات، بمبادرات القضاء على فيروس الكبد الوبائى سى، ومبادرة 100 مليون صحة، لم يكن ممكنا انتظار تحسين نظام الصحة وترك الملايين من مرضى فيروس سى، أو سرطان الثدى، كما نجحت استراتيجية المبادرات فى القضاء على العشوائيات التى كانت تحاصر القاهرة والمحافظات ونقل سكانها إلى مجتمعات حضارية.
كان ضروريا العمل فى مواجهة التحديات العاجلة أو تراكمات عقود، وهى أن المصريين يعيشون على 5 % من مساحة مصر، كان التحدى هو الخروج وإضافة رقعة جغرافية أخرى لمساحة الدولة، عبر عمليات استصلاح زراعى ضخمة، تتناسب مع حجم الزيادة فى السكان، و40 مدينة سكنية من الجيل الرابع، تستوعب الزيادة السكانية، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
الإنفاق على البنية التحتية والمرافق والطرق، ضاعف من قيمة الأرض التى كانت صحراء، ومن عوائد الأرض تم بناء المدن واستصلاح الأراضى، والمشروعات القومية التى وفرت 5 ملايين فرصة عمل، فى وقت عاد ملايين من الخارج من دول واجهت أزمات وصراعات، ونفذتها 5 آلاف شركة وطنية عامة وخاصة، ضمن مشاركة القطاع الخاص التى تدعمها الدولة.
المصريون الذين صمدوا وسط الأزمة ونجوا من مصائر دول إقليمية حولنا، حيث دخلت فى الفوضى، قادرون على تخطى أى أزمات والوصول إلى توازن طبيعى، وأن هؤلاء الذين راهنوا على الشعب والبلد هم من راهنوا على أنفسهم وعلى التاريخ، وأن المستقبل يحكمه العمل مثلما كان الماضى.
وكان ضروريا أن يحسم المصريون اختيارهم، باختيار رئيس جديد يدير المرحلة القادمة، ويبنى على ما تحقق، ويستكمل ما تم إنجازه، من خلال توسيع المجال السياسى والاجتماعى، ودعم المجتمع الأهلى.
الحوار الوطنى ورسم خريطة المستقبل
ساهم الحوار الوطنى فى رسم خريطة المستقبل، وبدا بعد أن هزمت الدولة الإرهاب وتجاوزت الكثير من التحديات، تسعى لرسم خارطة المستقبل، وتتيح المزيد من التنوع والانفتاح للأحزاب والتيارات السياسية والمدنية، بما يتيح لها تقديم نفسها وتوسيع مشاركتها بالعمل العام والمجتمع، والسباق فى المحليات والمجالس النيابية.. وتوسع المجال العام، للتعبير والتنوع، ضمن مرحلة تتناسب مع واقع جديد لرسم خارطة المستقبل.
أهم مكاسب الحوار الوطنى كان بناء جسور ثقة بين كل الأطراف تسمح بالكثير من الخطوات على طريق رسم خرائط المستقبل، وأكد انفتاح الدولة على الجميع، والاستجابة لمطالب الحوار الوطنى فيما يتعلق بالقضايا العاجلة، حيث تم تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وتلبية مطالب الحوار الوطنى بمد الإشراف القضائى على الانتخابات والاستفتاءات، وهو ما يطبق فى الانتخابات الرئاسية الحالية، ويساهم فى إتاحة ضمانات قضائية.
كما أتاح الحوار الوطنى توصيات مهمة فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للتعليم، وقوانين الوصاية ومفوضية منع التمييز، وقانون تداول المعلومات، بما يساهم فى توسيع المجال العام، بجانب تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتوسيع العمل الأهلى، وخلال شهور قليلة أصبح التحالف الوطنى للعمل الأهلى مؤسسة كبيرة، تستقطب المنظمات والجمعيات الأهلية وتركز توجيه العمل الأهلى بشكل منهجى يتماشى مع النمو السكانى، ومع عصر المعلومات فهو يهدف ببساطة إلى تنسيق جهود الجمعيات الأهلية والخيرية، بما يضاعف من قدرتها على تقديم خدماتها فى كل المحافظات، ويصل إلى المحافظات البعيدة التى عانت من التجاهل على مدى عقود.
التحالف الوطنى والعمل الأهلى
استقطب التحالف الوطنى 34 كيانا تنمويا وخدميا، من أهمها الاتحاد العام للجمعيات الأهلية والذى يضم 34 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانات خدمية وتنموية، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذى يضم فى عضويته 30 اتحادا نوعيا و27 اتحادا إقليميا، بيت الزكاة والصدقات المصرى، جامعة القاهرة، ويعمل التحالف فى 27 محافظة بما فى ذلك المناطق الحدودية والنائية.
وبجانب التحديات الداخلية نجحت مصر فى بناء سياستها الخارجية ضمن خطوات التوازن، حيث كان العالم يواجه تحولات وتفاعلات تبدو نوعا من إعادة توزيع القوة والنفوذ فى العالم، بجانب تفاعلات سياسية واقتصادية تستلزم التعامل معها واستيعابها وتفهمها، وما يجرى فى غرب وجنوب مصر، وشرقها وشمالها، من تحولات غير مسبوقة، تتطلب دقة فى التعامل معها، ضمن موازين السياسة وقواعد الصراع والنفوذ.. وسعت رؤية مصر لترميم العلاقات العربية، وتقوية التعاون والحوار، وتوسيع أطر التعاون، والتقاطع مع أوروبا وأمريكا واليابان والصين وروسيا، ونجحت القاهرة أن تكون محل ثقة إقليمية ودولية للتدخل والحل، وأبرز مثال الأحداث فى غزة.
وبالتالى فإننا فى الانتخابات الرئاسية أمام تجربة تضاف إلى تجارب المصريين على مدى سنوات، حيث ينتصر الوعى باتجاه بناء تجربة سياسية واضحة، يخوضها المصريون تجاه المستقبل، لصناعة تجربتهم السياسية، إيمانا بأهمية المشاركة فى العملية الانتخابية، ومثلما اصطف المصريون فى الخارج أمام مقار البعثات الدبلوماسية المصرية، واختار كل منهم بحريته ومن دون أى تأثير، يواصل المصريون بالداخل رهانهم على أن المشاركة هى الطريق للاختيار بشكل يضمن بناء المستقبل، وإيمانا بأن الشعب الذى عبر تحديات صعبة على مدى أكثر من عشر سنوات قادر على مواجهة ما هو قادم بنفس الشجاعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة