استضافت الدولة المصرية الدورة (27) للدول الأطراف (COP 27) إنابة عن القارة الأفريقية؛ ونتج عن ذلك توعية مجتمعية عن آثار التغير المناخي وآليات مواجهته بدأ من تعضيد القيم الأخلاقية في الوجدان، وانتهاءً بالإحساس الذي تترجمه المسئولية والشراكة الفاعلة في مواجهة هذه التغيرات بصورة وفق آليات تتسم بالإجرائية.
وتستكمل مسيرة العطاء العربي باستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لفاعليات قمة رؤساء الدول والحكومات في الدورة الـ (28) لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في مدينة دبي تحت رعاية صاحب السمو الشيخ مُحمَّد بِن زايِد آل نهيان، رئيس الدولة الشقيقة، والتي نظمت فاعليات الدورة بصورة مبهرة أشاد بها الجميع.
ورغم التحديات التي تمر بها المنطقة، بل والعالم كله، نجد أن الإصرار تجاه الحفاظ على البيئة ومقدراتها والاهتمام بقضاياها المتنوعة والمتعددة يمثل الهدف الرئيس؛ حيث إن قضية التغير المناخي ترتبط بحياة البشرية الآنية والمستقبلية؛ فيصعب أن نتغافل أو نتجاهل أو نؤجل أو نحيد عن هذه القضية بالغة الأهمية والخطورة.
وقد أشار سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلا القمتين إلى أمر مهم؛ حيث ذكر أن مسئولية ورعاية التخطيط والتنفيذ لاستراتيجيات المواجهة تقع على عاتق القيادات السياسية في بلدان العالم؛ فالشعوب تنتظر ما يدشن من توصيات وتتطلع إلى إجراءات فعلية تترجم التعهدات، وتؤكد مصداقية المواثيق التي يتم التوافق عليها.
إن توفير الأمن والأمان في ربوع الأوطان مرهون ببيئة نظيفة تضمن حياة صحية للأجيال الحالية والمستقبلية؛ فليس الأمر قاصرًا على تنمية مادية بصورة بحتة؛ فبناء البشر الذي يمتلك مقومات الصحة العامة مقدم عن كل شيء نتطلع إليه في كوكب الأرض، وتلك هي الغاية الرئيسة التي تقوم على المسئولية المشتركة ولا جدال حولها.
ومن ملامح الرؤية المشتركة في قمتي المناخ "كوب 27 _ كوب 28"، وضوح الرغبة في التعاون المشترك وتفعيل أطره بين دول العالم، وهذا يؤكد صورة الشراكة القائمة على التقدير والاحترام والالتزام بالمسؤوليات، ومن ثم يؤدي إلى تنمية توافقية في صورتها المكتملة؛ حيث الشراكات الاقتصادية الآمنة، والاستثمارات الرابحة التي تقوم على معايير الحفاظ على البيئة التي تضمن جودة الحياة للأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء.
ولا ريب أن التاريخ لن يرحم من تسول له نفسه إذا ما سعى لتحقيق غايات آنية ضيقة تعتمد على البرجماتية وتدحر قيمة النفعية الكونية التي تعود على كوكب الأرض وسكانه؛ فالآثار جد خطيرة وتنذر بكوارث طبيعية يصعب تحملها، ولن تستطيع دولة ما أن تنجو بنفسها، أو تقصي مصالحها أضرار هذه التغيرات شديدة المخاطر ممتدة الأثر.
وبصورة مجردة يمكننا القول بأن ما توصلت إليه قمتي المناخ "كوب 27 _ كوب 28"، تمخض عن توافق لما أكدت عليه القمم السابقة، وهذا يشير إلى أن العزيمة ماضية تجاه تحمل المسئوليات من قبل قادة العالم دون استثناء؛ لأن مبادئ الإنسانية لا تتجزأ أو تتغير أو تتبدل بالزمان أو المكان؛ فما لدينا يؤكد أن التغيرات المناخية سارية بقوة في الاتجاه الذي يزيد من مخاطرها، وهو ما يفرض على الجميع تحمل المسئولية وفق ما يمتلكه من قدرات تساهم بشكل ناجز في الحد من هذه الأثار.
وفي هذا السياق أكد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه على أهمية مبادئ الإنصاف والانتقال العادل والمسئوليات المشتركة متباينة الأعباء؛ باعتبارها مبادئ أساسية في الإطار متعدد الأطراف، وقد ترجم هذا بشكل عملي في إنشاء صندوق تمويل الدول النامية لمواجهة الخسائر والأضرار المناخية.
وما ذكره الرئيس دلالته واضحة في الأذهان؛ حيث إن العمل الجاد ينبغي أن ينبري على ممارسات عملية لا أقوال جوفاء؛ فيعتقد البعض أن المؤتمرات والقمم لا تتمخض عن أفعال؛ لكنها مكلمات يذوب أثرها مع الوقت، وهذا معتقد خطأ؛ فالهدف واضح والسعي نحو تحقيقه جاري على قدم وساق؛ فعلى المستوى التطبيقي ووفق برنامج العمل تجاه خفض الانبعاثات بادرت العديد من دول العالم وشركات الطاقة العالمية بخطوات متقدمة في مجالات الطاقة الخضراء وتوسيع استخداماتها؛ بغرض خفض انبعاثات الكربون؛ بالإضافة إلى رفع كفاءة استخدام الطاقة.
ونحن نثق في أن قيادتنا السياسية تمتلك العزيمة والمقدرة على وصال رسالة السلام للبشرية جمعاء والتي تتعدى الحدود وتتعمق في الوجدان؛ فحماية الأرض تمثل حماية البشر، وتنمية البلاد ونهضتها لا تنفك عن تنمية وبناء البشر؛ فالحياة متكاملة بكل مكوناتها، حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
__________________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر