عصام محمد عبد القادر

الحرية المسئولة

الأربعاء، 01 فبراير 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تنص المادة (4) من الدستور المصري على أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين في الدستور.
 
وفي خضم مواد الدستور، يمتلك المواطن حرية التصرف غير المنقوص وفق قوانين يلتزم بها، تحقق له الأمان والاستقرار والتكيف والتوافق النفسي في الحياة العامة أو عبر مفردات البيئة الافتراضية المفتوحة، ولا مجال لمن يشكك فيما يستمتع به المواطن من مزايا للحرية في إبداء الرأي السديد والحرية في عرض فكرٍ بنّاء يُسهم في دفع عجلة الإنتاج في شتى مجالات الحياة العلمية والعملية والعامة؛ فترابط المجتمع مرهون بتماسك ووحدة مواطنيه.
 
وثمت حقيقة يصعب تغافلها، فقد عشنا شواهدها وواقعها في أيام صعاب مرت على وطننا العزيز، وهذه الحقيقة تؤكد على أن بناء المجتمعات لا تقوم على شعارات الهدم والفوضى والعشوائية؛ لأن ماهية الحرية المسئولة تخالف تماماً الحرية غير المسئولة، والتي تتبناها طائفة ضالة أو ممولة أو تمتلك فكرًا هدامًا أو منحرفًا، وفي كل الأحوال لا يتقبلون الطرف المنتج مطلقاً، بل يطلقون أبواق التشكيك والإشاعات المغرضة كي تنال من إنجازات يشهد لها القاصي والداني.
 
وإن المطالع لتغيرات الدول الراقية والمتقدمة، والتي دوماً في ازدهار برغم ما يمر بالعالم من تحديات وأزمات هائلة- ليجد أن المجتمعات الراقية والمتماسكة في نسيجها المتباين تُبنى في مناخ من الاستقرار الذي يستشعر المواطن من خلاله بتوفير حقوقه وبيان واجباته لتصل لمستوى الحرية المسئولة. فلا مكان للحريات في غياب حضور الدولة وأمنها العام.
 
ومن يمتلك الوعي الصحيح يستبصر أن الحرية من القيم النبيلة التي تهرول المجتمعات المتقدمة إلى التمسك بها وفق معايير تحترم بناء وكيان الدولة، والمشروطة لديهم بالانتماء والولاء للوطن والاهتمام بشئونه في المقام الأول، وتلك أمور تغيب عن من يمتلك الوعي المشوه؛ حيث يضع نصب عينيه حرية الأفعال والأقوال بصورة غير مشروطة؛ فلا أهمية للأمن والأمان والاستقرار، ولا يعتد بثوابت الانتماء والولاء للوطن؛ لكن المصلحة الخاصة تمثل الهدف الرئيس لديه.
 
وجدير بالذكر أن ممارسة الحرية المسئولة تهيء المواطن بأن يتيح الفرصة أمام الآخرين لممارسة حريتهم؛ فلا مساس بعقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم وما يرتبط بأشخاصهم، والحد الفاصل بين هذا وذاك يقوم على عدم الضرر الذي قد ينتج عن تلك الممارسة؛ حيث باتت محسوبة بتأثير وتأثر الآخرين إذا ما تجاوزت حدود المسئولية التي شرعها الدستور وفسرتها القوانين المنظمة.
 
وتؤكد الحرية المسئولة على العديد من القواسم المشتركة، والتي منها أن العلاقات بين البشر تتخطى الحواجز السياسية والعرقية والثقافية التي قد تحول دون تآخيهم وتعاونهم؛ حيث إن الطبيعة البشرية تحمل في مكنونها حب التواصل والتعارف ومشاعر الإنسانية التي يصعب بحال سردها في هذا المقام، ومن ثم يجد الإنسان نفسه في مكان يشعر فيه بالاحتواء والمحبة والعطاء بغض النظر عن معتقده أو لونه أو جنسه أو فكره؛ فأصل الغريزة والطبيعة هو الحاكم لتصرفاته وتعاملاته التي تتسم بالمسئولية المنظمة من قبل شرائع وقوانين المكان الذي يعيش فيه ويمارس مهامه بكل حرية.
 
ويصعب أن تنفك الحرية في صورتها البناءة عن ماهية القومية والتي تحض على دعم الإنسان لأخيه الإنسان في كل مكان وزمان؛ فالتاريخ يؤكد أن الدول التي تبنت القومية التي تدعم شريحة واحدة من البشرية لم تستقر، بل أطاحت بها شعوبها لشعورها بالظلم والاضطهاد والتمييز بين أطيافه؛ لذا أضحى استقرار الأوطان رهن من يؤمن بأن المحبة والتآخي والتعايش السلمي سلم النجاة نحو النهضة والرقي فيما ينشده من مسار استراتيجي يرتبط بغايات الدولة الكبرى.
 
وفي ضوء ما سبق نجد أن توعية المواطن بالآليات التي تتبناها دول العالم المتقدم على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتقني والبيئي وفق الواجبات والحقوق لكل مواطن يظهر ملامح الحرية المسئولة، التي تضع الفرد تحت تقييم ذاتي وتقويم من مؤسسته ومجتمعه؛ ليقف على الطريق الصحيح، ومن ثم يلبي طموحاته ورغباته المشروعة ويحقق أهدافه التي تنسجم مع الغايات الكبرى للمجتمع، وهذا ما يمثل النظام العام للدولة.
 
ويتمخض عن الحرية المسئولة إيجابيات متعددة تعمل على أن يحترم الفرد التنوع الثقافي ويقدره، ويحترم حقوق وحريّات الآخرين، ويعي طبيعة الأيديولوجيات المختلفة، وهذه الأمور تسهم في تعضيد مبادئ التعايش السلمي بشكل عميق يتسم بالصدق في التعامل والإخلاص في العمل، وهو ما يوجد المناخ الداعم على المستوى الاجتماعي، بما يؤدي لشيوع حالة من الرضا النفسي بين الأفراد داخل المؤسسات وخارجها، ومن ثم يساعد ويشارك المواطن بكامل مقوماته وقدراته في بناء مجتمعه على كافة المستويات من المحلية للعالمية.
 
وقد أشاد العالم بأسره بآليات التجربة المصرية في إدارتها لملفات الصراعات حول بعض القضايا التي تخصها أو تخص جيرانها؛ حيث اتبعت طرائق الحوار البناء والتفاوض الرشيد الهادئ لتصل لمبتغاها، ولم تتطرق البتة لمسالك التهديد والعنف؛ برغم مقدرتها العسكرية، وهذا الوعي لم يتأتى فجأة؛ فقد عانت الدول التي اتبعت استراتيجيات العنف كثيراً وحصدت الخسائر في الجانبين المادي والمعنوي، مما أثر على نهضتها وتقدمها بين مصاف الدول، والحق أن الفضل في منهجية إدارة الصراعات بطريقة بعيدة عن العنف ترجع للقيادة السياسية الرشيدة التي تبذل من الجهود ما يعضد السلم والسلام، مع أخذ الحقوق غير منقوصة بطرق التفاوض والسلم، وتلك هي الحرية المسئولة في نموذج القيادة التي أخذت على عاتقها مسئولية البلاد والعباد، ومن ثم يتوجب على كل مواطن أن يشارك في هذا الاتجاه القويم؛ لنجني ثمار التقدم والازدهار نحو مستقبل يخلو من الصراعات.
 
وتثابر العديد من الدول وتتحمل الصعاب لتحقق المعادلة الصعبة والتي تتمثل في الحفاظ على مقدراتها من الأطماع الخارجية، مستخدمة مسار السلام على المستويين المحلي والدولي؛ برغم ما تتعرض له من ضغوط داخلية وخارجية قد تدفعها للتناحر أو استخدام سبل الحرب، خاصة وأن هناك تشابك في المصالح وتداخل في الحدود، وتاريخ يؤكد الأحقية عبر وثائق ودلالات لا ينكرها أصحاب الخبرة في المجال، وهنا تبدو الحكمة منقذ من يوظفها؛ لذا بادر الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع أجيال الحاضر والمستقبل في بوتقة الأمن والأمان؛ حيث عمل بجهد وجد على ترسيم الحدود مع دول الجوار ليبدأ رحلة الاستكشافات التي تعد بارقة الأمل نحو النمو الحقيقي للجمهورية الجديدة؛ لذا أضحت الحرية المسئولة تلزم من يمارسها الحفاظ على الرعية، لا الزج بها لمسارات الهلكة والضياع.
 
إن ما تقدمه الجمهورية الجديدة من نموذج اقتصادي رائد يقوم على التنافسية والمعيارية يعد طريقاً للنهضة على المستويين المحلي والعالمي؛ فلا ريب أن اقتصاديات الوطن لا تنفصل عن اقتصاديات العالم؛ لذا باتت الشراكات مع الدول العربية والأجنبية أمرًا مهماً وملحاً؛ لتحقيق غايات الدولة المصرية الاقتصادية، وتنمية الخبرة على مستوى الثروة البشرية، وتحسين المنتج الذي يلبي احتياجات المجتمع، ومن ثم فقد يصل لحد الرفاهية ويحقق جودة الحياة المنشودة، وتتمثل الحرية المسئولة في هذا المقام من ضرورة استيعاب المواطن اقتصاديّات وطنه والعالم، وعليه يقع واجب تقديم الدعم بصوره المختلفة على المستويين المحلي والعالمي.
 
وحرى بالذكر أن الحرية المسئولة لها مقومات لا تنفصل عنها، تتمثل في اعتراف المواطن بالثقافات والديانات المختلفة واحترامها وتقديرها، وأن يدرك بأن اهتمامه لا ينصب على دائرة الوطن فقط، بل ينبغي أن يمتد لدول الجوار ومحيط العالم كله، ويمارس أساليب التواصل البناءة ودوره المنوط به في مجاله النوعي على هذا الأساس، فالاهتمام بالشئون المحلية والدولية أمرٌ مهمٌ، حتى يعي جموع البشر أن العالم ينبغي أن يقوم على الإنصاف والاستدامة لموارده لأجيال لها الحق، والإنسانية جمعاء تعضد هذا الأمر وتعمل عليه.
 
أعان الرحمن الرحيم المخلصين من أبناء الوطن على نهضة البلاد وإعمارها ورفاهيتها لأجيال تستحق أن تحيا حياة كريمة في وطن عزيز على قلوب العالم بأسره.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة