من المعروف عن الفنانين الكبار قديمًا أنهم عادة كانوا يحبون أن يخفوا زواجهم، فيتزوجون سرًا، بهدف أن يحتفظ المطرب أو الفنان بمعجباته، لأنه يتوقع أن يتأثر ذلك عندما يتزوج وتصبح لديه امرأة واحدة يعرفها الناس، ولعل المقالة التى نشرها الموسيقار محمد عبد الوهاب فى سنة 1934 فى مجلة آخر ساعة بعنوان (لن أتزوج) واعترف فيها بعدم رغبته بالزواج حتى لو شنقوه!، وفى آخر المقال رسمه متخيله له بعد نشر المقال.
لماذا كتب عبد الوهاب المقالة؟
تقول المجلة فى مقدمة المقالة، عرض فى الموسم الماضى شريط (فيلم) الوردة البيضا، فلاقى نجاخا تضاءل دونه كل نجاح، وأجمع النقاد على أنه خير شريط محلى أخرج حتى اليوم، بعد أن اجتمعت له عوامل النجاح من صوت وموسيقى عبد الوهاب وإخراج محمد كريم وتمثيل نفر من أحب الممثلين إلى قلوب الجمهور.
وذاع عقب عرض الشريط المذكور أن القصة حقيقية وقعت لبطل الرواية عبد الوهاب وأنها تمثل صفحة من تاريخ حياته وأن "سميرة" الوردة البيضا ليست إلا السيدة خديجة هانم كريمة صاحب العزة حامد بك العلايلى، وأن مطربنا الشاب كان طلب يدها فأباها عليه والدها.
هذه الشائعة كاذبة من أساسها فلا عبد الوهاب طلب يدها ولا هو فكر يوما ما فى الزواج كما سنرى فى هذه المقال الذى كتبه صديقنا عبد الوهاب خصيصا لهذه المجلة.
ما قاله عبد الوهاب فى المقال
ليست هذه أول مرة أكتب فيها مقالا للصحف، ولكننى مع ذلك أمسك القلم بتردد وأرانى مضطرا للاعتراف بينى وبين نفسى على الأقل، بأننى جبان، وأننى أخاف عواقب هذا المقال، وليس خوفى من قانون الصحافة ولا من النيابة العمومية ولا من أن يصبح مقالى هذا بعد أن كان مقال التلاقى يصبح ما قال الوداع، ولكن خوفى هو من الرأى الذى سأبديه فى الزواج وبعدها يا لوعتى يا شقايا يا ضنى حالى من غضب الجنس اللطيف وأنا رجل أحب أن أحافظ دائما على رضاء الجنس اللطيف.
لن أتزوج
لن أتزوج ولو شنقونى
ذلك لأنى أعتقد أن الزواج يقضى على الفنان الذى يريد أن يحس وأن يحلم وأن يحلق كل ساعة فى سماء الخيال، الزواج رابطة مملة مهما كانت الزوجة، ومهما حسنت نية الزوج، وأرونى زوجين عمرت فى بيتهم الأحلام بعد سنة واحدة من الزواج، والفنان فى حاجة إلى عين لا تنضب من الخيال والحس والشعور بمختلف العواطف من حزن وفرح وبغض وحنان ولذه وألم وحب وكره إلى آخر هذه الألوان التى يصورها كل يوم بموسيقاه، والتى تتدافع فى صوره وتخرج منه أنغاما تشجى وتبكى، والزواج يقتل هذا كله.
وعلى من يعارضنى فى هذا الرأى أن يمد إصبعه ويدلنى على فنان واحد استطاع فنه أن يعيش كاملا بعد الزواج، وبعد فإنى أعترف أننى رجل ملول بطبعى لا أطيق القفص ولا القيود أريد أن أظل حرا أطير من غصن إلى غصن وأنتقل من زهرة إلى زهرة.
إذًا لن أتزوج ولم أفكر يوما ما فى الزواج.
عبد الوهاب
عبد الوهاب يخفي زواجه
لعل الغريب في هذا الأمر هو أن الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما كتب هذا المقال كان بالفعل متزوج منذ 3 سنوات، فقد تزوج عبد الوهاب للمرة الأولى فى 1931 تزوج من أرملة ثرية تدعى "زبيدة الحكيم" كانت تكبره بنحو عشرين عامًا، أحبته وهى سيدة مجتمع تزوجت منه سرًّا كى لا تعلم أسرة زوجها الراحل، ولم يعلم بهذه الزيجة سوى محمد التابعى وتوفيق الحكيم، وضمانًا للسرية شهد على العقد خادمان فى قصرها، استمر الزواج نحو 10 أعوام، ولم ينجبا، وانفصلا لأن الفنان التى تزايدت شهرته وتضاعف عدد معجبيه لم يتحمل غيرة زوجته، خصوصًا وأن معجباته بالذات كن فى تزايد مستمر، وكانت هى تغار عليه بشدة.
وفى رأس البر، وفى فندق كورتيل، تعرف عبد الوهاب بزوجته الثانية، وأم أبنائه السيدة إقبال نصار، وعند عقد القران حدثت مشكلة كبيرة؛ فقد رفض عبد الوهاب أن يعلن الزواج فى الصحف خوفًا على مشاعر معجباته! لقد حاول حتى آخر لحظة الدفاع عن صورته كرجل مرغوب لا يمتلكه أحد، لكنهما أكملا وأنجبا خمسة أبناء، وظلا معًا حتى تعرَّف إلى زوجته الأخيرة نهلة القدسي.
محمد عبد الوهاب وسميرة خلوصي، فيلم الوردة البيضاء 1933
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة