مصر مستعدة لتنفيذ خطط خفض انبعاث الكربون
شركات الوقود الأحفورى ليست" الوحش"
ضبط أسواق الطاقة يتوقف على وقف الحرب الروسية فى أوكرانيا
شركات النفط والغاز تنفق المليارات على خفض الانبعاثات والإنتاج النظيف
عمر الوقود الأحفورى فى الأسواق لم ينته بعد وسيستمر على الأقل 30 عاما كمورد أساسى للطاقة
الأسابيع الأخيرة أظهرت معركة حامية بين العديد من الجهات فى مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الذى اعتبر شركات النفط والغاز "جشعة" ودعا الحكومات إلى "فرض ضريبة على هذه الأرباح الباهظة"، واعتبر أن ما حققته هذه الشركات من مكاسب حسب وصفه "من غير الأخلاقى أن تحقق شركات النفط والغاز أرباحا قياسية من أزمة الطاقة هذه على حساب معاناة الناس والمجتمعات الأكثر فقرا، وبتكلفة فادحة للمناخ."
كذلك اتهم الرئيس الأمريكى جو بايدن شركات النفط الكبرى باستغلال أزمة موارد الطاقة الأخيرة للتربح، مطالبا بفرض زيادة ضريبية كبيرة على عمليات إعادة شراء أسهم الشركات، لتوجيهها للاستثمار أكثر فى الإنتاج، واصفا الأمر بأنه فاحش".
حتى أن منظمات المجتمع المدنى وبعض المنظمات المهتمة بالبيئة اعتبرت أن حرق الوقود الأحفورى هو السبب الأساسى فى الاحترار العالمى، وأنه المسئول الأول عن تجاوز العالم لدرجة 1.5 درحة مئوية، حتى أن بنوكا كبرى والاتحادات المالية العالمية قررت عدم تمويل مشروعات الوقود الأحفورى الجديدة، والكثير من العراقيل والاتهامات بدأت تتصاعد مؤخرا ضد شركات النفط والغاز واعتبارها كأنها "سبب الكارثة البيئية الكونية".
لذا كان مهما أن نسمع رأى الجهة الدولية المسئولة عن أكبر عدد من شركات النفط الكبري، والتعرف على موقفها من هذه الدعوات، خاصة أن مؤتمر المناخ المقبل فى دبى – إحدى الدول التى يشكل إنتاج النفط والغاز الأساس الأكبر للناتج القومى – كما انتشرت حملات غربية ضد رئيس قمة المناخ سلطان الجابر باعتباره قادما من خلفية النفط ومسئول الشركة الوطنية الأولى فى النفط والغاز فى الإمارات.
فكان هذا الحوار مع إيمان هيل - المديرة التنفيذية للاتحاد الدولى لمنتجى النفط والغاز IOGP، وهو الاتحاد الذى يضم فى عضويته 90 شركة وكيانا من منتجى النفط والغاز على رأسها الشركات الخمس الكبرى متعددة الجنسيات، بجانب 25 شركة نفط محلية، وبعض الكيانات والشركات الصغيرة.
فالرسالة الأولى والأخيرة لإيمان هيل هى، أن عمر الوقود الأحفورى لم ينته بعد، والشركات ليست مسئولة عن الكوارث، ولكنها تعمل لتلبية الطلب العالمى على الطاقة ولن يتوقف الاستثمار فى الوقود الأحفورى طول ما لم تلبى مصادر الطاقة المتجددة الطلب العلمى للطاقة.
وتعتبر أن أزمة الطاقة العالمية الأخيرة وارتباك الأسواق والأسعار عائدة للحرب فى أوكرانيا، وبوقف هذه الحرب يمكن أن تعود الأسواق لطبيعتها.
لكنها تركز على زاوية فى غاية الأهمية، وهى أن مصر وبعض دول شمال أفريقيا أمامها فرصة ذهبية لتكون بديلا عن الغاز الروسى لإمداد أوروبا بالطاقة، وهذا من شأنه يحقق الكثير من المكاسب لهذه الدول.
والكثير من المعلومات التى أوضحن فيها إيمان هيل عن الرؤية والخطط المستقبلية، وخاصة ما يتعلق باستراتيجية الأبحاث والاستثمار فى التقنيات الخاصة بخفض الانبعاثات كالتقاط الكربون وتخزينه وتقليل انبعاثات الميثان، حتى أنها تعتبر أن للاتحاد الفضل فى تغير مسار الإنتاج إلى إنتاج أكثر أمانا ونظافة خلال العقد الأخير، وينفق على الأبحاث ذات الصلة والتى تساهم فى خفض الانبعاثات مليارات الدولارات... وغيرها من المعلومات فى حوارنا التالى:
متى يتوقف العالم عن إنتاج الوقود الأحفورى؟
يجب الانتباه إلى أن هناك اختلاف بين الشمال العالمى والجنوب العالمى فيما يتعلق بتحول الطاقة والانتقال إلى الطاقة النظيفة، فليس كلا العالمين لديهما ذات الظروف، مع العلم أن انتقال الطاقة هو عملية معقدة تتطلب سنوات من العمل.
والذين يطالبون بإنهاء إنتاج النفط والغاز لا يدركون أن التوقف عن الإنتاج لن يفيد المجتمع ككل، لأنه سيشكل عائقا للنمو الاقتصادى فى كل بلاد العالم، فهناك حاجة للعالم للكهرباء ولتشغيل المصانع والمستشفيات والمدارس وجميع مرافق الحياة، وكذا تشغيل المعدات، فمن أين سيتم ذلك إذا توقفت الشركات عن الإنتاج للوقود المحرك الأساسى لهذه المعدات وهذه القطاعات؟، فلا يمكن الاستغناء مرة واحدة عن الوقود دون توفير بدائل وهذه البدائل سواء الطاقة المتجددة أو المصادر الأخرى ستأخذ وقت طويل لترسيخ مكانتها والتوفير الكامل لاحتياجات المجتمعات والصناعات للطاقة.
ولابد أن يكون هناك بالتأكيد خطط للتوقف التدريجي، وهذا سيأخذ وقتا على الأقل ما بين 20 -30 عاما ليتم التحول الكامل إلى الطاقة المتجددة وليس فى كل البلدان على ذات المستوى ولا بذات الإمكانيات والظروف، ومشروعات الطاقة الجديدة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو غيرها من المصادر المتجددة لا تسير بالسرعة الكافية التى نقول إنها تلبى الطلب العالمى على الطاقة.
لذا أتوقع أنه لن يتم الانتقال بالكامل إلى الطاقة النظيفة، إلا بعد ثلاثين عاما على الأقل، وهذا بالطبع تخمين بناء على الحقائق والسياسات المتوفرة حاليا.
هل هذا الأمر ينطبق على الغاز الطبيعى؟
الغاز الطبيعى بطبيعته شريك أو يعد من المراحل الانتقالية إلى الطاقة النظيفة، ولذا فكثير من المشروعات والشركات تقوم بوضع استراتيجيات لبناء منظومات استخدام الغاز الطبيعى كمرحلة انتقالية، وقد يطول أمده، وهو حاليا يمثل 40% من مصادر الطاقة المستخدمة.
شركات النفط والغاز فى مرمى الاتهامات الدولية
هناك من يتهم الشركات بالجشع ، سواء الأمين العام للأمم المتحدة أو الرئيس الأمريكي، بعدما حققت مكاسب كبيرة تعدت 200 مليار دولار للشركات الكبرى، فهل أصبحت شركات النفط والغاز "الوحش" المكروة من الجميع؟!
لن أرد على الرئيس الأمريكى أو الأمين العام نيابة عن الشركات الأعضاء فى الاتحاد، لأن سياستنا تنافى ذلك وكل شركة لها الحق أن ترد على ذلك، ولكن فى رأيى الشخصي، أن شركات النفط الآن تلبى احتياج العالم للطاقة بعيدا عن مزاعم بايدن بالطمع والجشع، فالحرب الروسية فى أوكرانيا تسببت فى ارتباك كبير فى أسواق الطاقة العالمية، خاصة وأن دول أوروبا تعتمد أكثر من اللازم على الوقود والغاز الروسي، وهذا السبب الأول فى أن تحقق شركات النفط بعض المكاسب، فهى لم تسعى لارتباك السوق، ولكن الظروف الجيوسياسية هى السبب الأساسى فيما وصلت إليه الأمور، فليس شركات النفط هى "الوحش" ولا هى الجانب السيئ فى المعادلة.
والدرس هنا يجب أن يكون مستقبلا أن لا تعتمد الحكومات على طرف واحد أو جهة واحدة لإمدادها بالطاقة، وعلى الدول وضع سياسيات متوازنة فى توريد الطاقة أو الحصول على إمدادات الطاقة لتفادى أزمة كأزمة أوروبا فى الوقت الحالي.
لكن البعض يعتبر أن المكاسب تحققت من جيب الفقراء وعلى حساب المستهلك الذى دفع الثمن أضعافا مضاعفة هذا العام لصالح ميزانيات الشركات.. ألم تكن الشركات مغالية فى الأسعار؟
شركات النفط لم ترفع الأسعار عمدا، ولكن سياسة العرض والطلب كانت السبب فى هذا الارتفاع، فجميع الشركات الأعضاء فى الاتحاد لديها برامج استثمار تتنافى مع مزاعم الطمع، وما حدث كان لنتيجة سياسية العرض والطلب وسياسيات حكومية أيضا كانت متحكمة فى بعض القرارات أو التوجهات فى السوق كأن تحدد التعامل أو قطع التعامل مع شركات أو جهات بعينها فهذا الذى أخل بالمعادلة فى السوق.
الحرب الروسية الأوكرانية والطاقة فى أوروبا
كم نتوقع أن يستمر هذا الارتباك وأزمة الطاقة العالمية؟
عندما نجد الحل للأزمة الروسية الأوكرانية – الأوروبية، سواء بتوقف الحرب أو عثور الاتحاد الأوروبى على بديل للغاز الروسي، سيستعيد السوق توازنه.
الاتحاد الأوروبى حدد سقفا لأسعار النفط فى المقابل هددت روسيا بوقف التعامل من يطبق هذا القرار، فمن الضحية ومن الجانى فى هذا السيناريو؟
الاتحاد الأوروبى اتخذ القرار كعقوبة تعدى وانتهاك لحقوق أوكرانيا، ولكن السؤال هنا هل تستطيع اوروبا التخلص من الاعتماد الروسي؟
لدينا دراسة فى الاتحاد التى نظرت فى مصادر التوريد والبنية التحتية للشركات والدول لبحث هذا السؤال، وكانت النتيجة أن التخلص من الاعتماد الأوروبى على الغاز الروسى ممكن، ولكنه سيستغرق الوقت بداية من عام 2026 قد يبدأ تدريجيا.
وهنا نقول إن هذه فرصة كبرى للدول الغنية بالغاز مثل مصر، ودول شمال إفريقيا، لتكون بديلا عن الغاز الروسي، وأن تساهم فى إمداد دول أوروبا بالغاز والطاقة، وأن تزيد استثماراتها فى هذا القطاع لأنه سيجلب عليها الكثير من المكاسب.
فرصة مصر وشمال إفريقيا
ما هناك توصيات قدمها الاتحاد لهذه الدول من أجل انتهاز الفرصة وتطوير شركات الغاز؟
إذا تمكنت الدول من زيادة الإنتاج، وإتاحة الفرصة لدول وشركات أوروبا فى الحصول على الغاز فإنها فرصة كبيرة السنوات القادمة، الكثير من الشركات الأعضاء فى الاتحاد تساهم فى الاستثمار فى الغاز المصرى من أجل زيادة الإنتاج.
ما تقييمك لموقف الإنتاج المصرى من الغاز وفرصة التوقف عن إنتاج الوقود الأحفورى لصالح مصادر الطاقة المتجددة؟
مصر دائما تحترم الشريك الأجنبي، وهيئت بيئة مستقرة للاستثمار الخارجى فى قطاع النفط والغاز، وتحت قيادة الرئيس السيسى والحكومة الحالية، يرى الاتحاد أن مصر مستعدة لتنفيذ خطط خفض انبعاث الكربون، ومصر لديها سعة كبيرة من الغاز، وتوقفها الكامل عن الإنتاج الأحفورى هو أمر مستبعد خاصة خلال العقد القادم.
خطط الاتحاد لخفض الانبعاثات
هل للاتحاد خطة تكنولوجية لتقليل انبعاثات الكربون؟
يكرس الاتحاد العديد من الخطط من أجل احتواء وتقليل انبعاث الكربون، من ضمنها تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه، ويركز الاتحاد أيضا على تقليل أثار حرق الميثان ، فانبعاثات الميثان لها أولوية وأهمية كبيرة فى مشروعات النفط والغاز، لذا نشارك فى المبادرات المعلنة للتخالص من الميثان أو تخفيضه بحلول 2050، ومنها مبادرة من إطلاقها فى مؤتمر شرم الشيخ للمناخ، كذلك لدينا معايير تتعلق بكفاءة الطاقة وكهربة المشاريع الجديدة وهذه من أولويات الاتحاد حاليا.
هل هذه الإجراءات كافية لمد أجل الغاز والنفط، خاصة أن بعض دول الخليج تعمل على الطاقة المتجددة الآن؟
حتى تستطيع الطاقة المتجددة أن تلبى الطلب على الطاقة فى العالم، لن يتوقف الإنتاج فى الوقود الأحفوري، فتوجيه الاستثمار كليا للطاقة المتجددة هو أمر غير واقعى على رغم من أهميته، والحديث الذى يطالب البعض أن نترك الوقود فى الأرض ، العالم لم يستعد بعد لمثل هذه اللحظة أو هذه القرارات، فعمر الوقود الأحفورى لم ينته بعد.
فالاستثمار فى الطاقة الخضراء لا يعنى إلغاء الاستثمار فى الوقود الأحفوري، لأنه فى هذه الحالة لن يتم تلبية الطلب المتواصل من المستهلكين على الطاقة.
البنوك توقف تمويل المشروعات الملوثة وليس إنتاج النفط والغاز
هناك مطالب وقرارات لبنوك عالمية ستوقف تمويل مشروعات الوقود الأحفورى أو أى مشروعات تضر البيئة ومنها مشروعات النفط فما هى خطط شركات البترول للتعامل مع هذه القرارات؟
سياسات بعض البنوك الحديثة لا تتجه لوقف الاستثمار فى شركات الوقود الأحفورى بل تتوقف عن إقرار أو تمويل المشروعات الملوثة أو المشروعات التى تطور من آليات الاستخراج، فكل شركات الاتحاد حاليا تعمل على تطوير آليات الاستخراج والمعدات لتقليل الانبعاثات وكذا الحرص على أن يكون الإنتاج نظيف، وليس إلغائه.
ومن خلالكم أريد أن نوصل للعالم رسالة مهمة، أن شركات البترول أعضاء الاتحاد تستثمر الكثير من المال من أجل الإنتاج النظيف وحماية البيئة، فالنفط والغاز ليسا الوحش الذى يصوره الإعلام والمنظمات الحقوقية.
تمويل مشروعات الوقود الأحفورى فى إفريقيا والدول النامية
البعض يرى الغرب بأنه يعانى من " الإنفصام فى التصرفات"، ففى الوقت الذى أسرع فيه للدول العربية والإفريقية لنجدته بعد الحرب الروسية وعادت بعض الدول إلى الفحم، فى الوقت نفسه يمنع على الدول النامية وإفريقيا تحديدا الاستثمار أو تمويل مشروعات إنتاج جديدة من الوقود الأحفوري، فما تعليقك؟
لا يمكن تعميم الحديث عن خطط العالم الغربى أو العالم المتقدم لاستبدال الطاقة مع الجنوب، ولا يمكننا ترك الجنوب والعالم النامى بدون أسس اقتصادية تعوض نقص النمو، على العكس تماما، يجب علينا أن نساعد تلك الدول فى تنمية مشروعاتها بأكثر الطرق نظافة وأقلها ضررا على البيئة.
وهنا نستحضر هدف صندوق الخسائر والأضرار الذى أقرته قمة شرم الشيخ للمناخ COP27، والذى وضعه المجتمع الدولى والأمم المتحدة لتعويض الخسائر والأضرار فى الدول النامية، وكذلك هو ما يتماشى مع سياسة الاتحاد الدولى لمنتجى النفط والغاز فى تمويل مشروعات الوقود الأحفورى فى أفريقيا والدول النامية.
COP27 و COP28
ما هى نظرة الاتحاد فى رفض الغرب المشاركة الكثيفة لشركات النفط فى COP27
واعتراضهم على أن رئيس COP28 " سلطان الجابر" ذو خلفية ومسئول عن شركات النفط فى الإمارات؟أتعجب ممن لا يريدون حضور صاحب القضية، فكيف سيناقش الخبراء والمختصين والنشطاء قضية التخلص من إنتاج النفط والغاز، أو تنظيف البيئة ووقف الكربون من غير المسؤولين عن إنتاج الطاقة يشاركوا هذه المناقشات، هل يريدون أن يكون حوارا من طرف واحد ، من الذى سينفذ ما يقولونه إذا لم يكن أصحاب الشأن موجودين؟ّ!
جميع مؤتمرات المناخ قبل COP27 لم تحدث فرقا يذكر فى إنتاج الكربون العالمي، بسبب استبعاد شركات الاتحاد أو الشركات المنتجة بكل طاقاتها الانتاجية والاستثمارية، واعتقد أن COP28 هو فرصة عظيمة لاستكمال الحوار برئاسة شخصية لها اهتمام ومسئوليات فى شركات كبرى مثل سلطان الجابر.
فالطريق الوحيد والصحيح للتحدث عن المناخ هو مشاركة جميع الأطراف فى حوار واقعى يضع قضية العرض والطلب للطاقة فى الصورة والأولوية عند المناقشة.
ولكن العالم يبحث عن تحسين البيئة وتغيير الوضع القائم لضمان عدم تصاعد الاحترار العالمى لأكثر من 1.5 درجة مئوية فماذا يفعل؟
التخلص من الوقود الأحفورى يجب أن يكون تخلص تدريجي، وليس فجائي، لأن الطاقة النظيفة، سواء شمسية أو رياح، عاجزة عن تلبية احتياج العالم من الطاقة حاليا ولابد أن يكون هناك استثمارات كما هو الحال فى الطاقة المتجددة يكون استثمار فى تحسين ظروف وبيئة إنتاج النفط والغاز.