من الممكن أن تزيل مواقف إنسانية معينة آثار الخلافات السياسية بين الدول، وقد تذيب الجليد المتراكم عبر سنوات طويلة في العلاقات الدبلوماسية.
الزلزال المدمر الذي وقع يوم الاثنين الماضي في تركيا وسوريا وبلغت حصيلة الوفيات الناجمة عنه حتى أمس إلى أكثر من 37 ألفا و500 شخص، منها 31 ألفا و643 شخص في تركيا، وإصابة 80 ألف آخرين، ولقى 5900 فى سوريا حتفهم بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، كشف عن وجه آخر بعيدا عن السياسة وخلافاتها، وأظهر مواقف الدول عند الشدائد والمصائب، مهما بلغت درجة التوتر وخلافات وجهات النطر في العلاقات بين الدول.. لاحت "دبلوماسية الزلازل" وتناست الدول- ولو مؤقتا- أسباب الخلاف، التي ربما تزيلها المواقف الإنسانية وهو ما حدث بالفعل.
مصر كانت من أوائل الدول التي بادرت بالوقوف إلى جانب الأصدقاء والأشقاء، فمعادن الدول تظهر في وقت المحن. كما أن الرئيس السيسي بادر على الفور بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بسار الأسد.
قدم الرئيس السيسي للرئيس التركي التعازي والمواساة في ضحايا الزلزال المروع الذي أسفر عن آلاف الضحايا والجرحى، مؤكدا تضامن مصر مع الشعب التركي الشقيق، وتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية لتجاوز آثار هذه الكارثة، وقدم الرئيس التركي الشكر للرئيس السيسي على هذه المشاعر الطيبة، مشيراً إلى أنها تؤكد "عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي الشقيقين" كما جاء في بيان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية السفير أحمد فهمي.
في اليوم ذاته اتصل الرئيس السيسي هاتفيا بالرئيس السوري- في أول اتصال علني بينهما- وأعرب له عن خالص التعازي في ضحايا الزلزال، والتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين، مؤكدا تضامن مصر مع سوريا وشعبها الشقيق في هذا المُصاب الأليم، ووجه الرئيس بتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة. ومن المقرر وصول الشحنة الثانية من المساعدات المصرية لسوريا خلال ساعات. وأعرب الرئيس السوري عن امتنانه لهذه اللفتة الكريمة من الرئيس السيسي، مؤكداً اعتزاز سوريا بالعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط البلدين وشعبيها الشقيقين.
الأحداث المتسارعة والاتصالات الهاتفية قد تجعل البعض يسأل: "هل من الممكن أن تصلح دبلوماسية الزلازل ما أفسدته السياسة وخلافات وجهات النظر؟"
الرد يأتي ببساطة من تداعيات الحدث.. وهل كان أحد يتصور أن تهبط طائرة نيكوس ديندياس وزير الخارجية اليوناني يوم الأحد الماضي في مطار أنطاكية التركية للتعبير عن دعم أثينا لجارتها التي ضربها زلزال عنيف، ويستقبله نظيره التركي مولود تشاوس أوغلو بالعناق وبالأحضان، بل ويعلن عن الرغبة في ضرورة تطبيع العلاقات بين البلدين رغم الخصومة التاريخية بين البلدين.
المفارقة أيضا أن اليونان من أولى الدول الأوروبية التي أرسلت طواقم إنقاذ ومساعدات إنسانية إلى تركيا، بعد ساعات فقط على وقوع الكارثة. وهي الزيارة الأولى لوزير أوروبي إلى تركيا منذ الكارثة. وتواجد عناصر إنقاذ يونانيون في عمليات البحث والإغاثة، أشاد الرجلان بالتعاون القائم ودعيا إلى تحسين العلاقات بين بلديهما.
كل شيء جائز الآن فقد تعجل المواقف الإنسانية الحالية من إذابة الجليد السياسية وتسريع عجلة الدبلوماسية السياسية، وتطبيع العلاقات، واللجوء إلى حكمة المصالح الضرورة وليست العداوات أو الصداقات الدائمة.
التاريخ خير شاهد أيضا على واقعة معروفة كانت ضربة البداية في حراك العلاقات السياسية بين أكبر دولتين هما الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
فمباراة كرة تنس الطاولة الشهيرة في بطولة العالم في مدينة ناجويا باليابان بين لاعب الولايات المتحدة الأميركية جلين كوان، ولاعب الصين وزوهانج زيدونج في عام 1971 كانت البداية و"حجر الأساس" في عودة العلاقات الأمريكية الصينية، ومهدت الطريق لزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته الأشهر هنري كيسنجر إلى بكين في 28 فبراير عام 1972. ونجحت الزيارة مما دفع الولايات المتحدة إلى رفع الحظر المفروض على الصين في 10 يونيو 1971.
وخلال زيارة نيكسون إلى شنغهاي، صدر بين واشنطن وبكين "بيان شنغهاي" الذي اتفق فيه الجانبان على العمل على تطبيع علاقاتهما. واعترفت الولايات المتحدة بأن تايوان جزء من الصين ووافقت على عدم التدخل في القضايا بين الصين وتايوان.
"دبلوماسية كرة الطاولة " كانت مثل "دبلوماسية الزلازل"، فمع نجاح زيارة نيكسون للصين بدأت باقي الدول باستخدام تلك الدبلوماسية لإصلاح علاقاتها مع نظيرتها من الدول الأخرى.
أثبتت دبلوماسية كرة الطاولة نجاحها، حيث أدت إلى فتح العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة