الشائعات جمع إشاعة، والإشاعة عبارة عن معلومة أو فكرة أو خبر، ليس لها مصدر موثوق، يتم الترويج لها ونقلها وإذاعتها في صورة شفهية أو مكتوبة أو مصورة عبر مصادر متعددة- من أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والصحف المجندة- بهدف التأثير على الرأي العام لتحقيق أهداف شخصية؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية، وتستند الإشاعة في أغلب الأحوال إلى جزء من الحقيقة كي يتم تقبلها، ومن ثم انتشارها وذيوعها على نطاق واسع؛ لتُحدِث أثراً فاعلاً في نفوس الناس.
والشائعات موجودة منذ فجر التاريخ، في مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، لكنها تأخذ أشكالًا مختلفة ما بين خرافة وسحر وشعوذة وأفكار أو أطروحات رجالات دين وسياسة وحرب وقيادة، وتعتمد على أسباب متباينة بغرض التأثير أو التحكم في الروح المعنوية للفئة المستهدفة، أو للكشف عن مقبولية أمر ما لظروف بعينها؛ لذا قُسِّمت الشائعات لأنماط عديدة وفق معيار الزمن والمصدر والدلالة الوظيفية والجمهور المستهدف.
وَأَوَدُّ الإشارة إلى أهم العوامل التي تساعد على انتشار الإشاعة، ومنها غياب الحقيقة؛ لتصبح الإشاعة بديلاً سهلاً لدى الفئة المستهدفة؛ فمن المعلوم أن إزالة الشكوك والغموض نحو أمر ما يوقف سريان الإشاعة بين أفراد المجتمع، والعكس صحيح، وهنا يتأتى دور المؤسسات الرسمية للدولة في تقديم الحقائق وإعلان الأخبار الصحيحة بشأن ما يثار من شائعات بواسطة المراكز الإعلامية المخصصة لها، كما ينبغي أن يَحدُث تضافر لجهود مؤسسات الدولة في مواجهة الشائعات؛ ليتشكل الوعي الصحيح القائم على معلومات تمثل الحقيقة أو الواقع المعاش.
ويُعدُّ تجاهل الغير عاملاً أساسيًا من عوامل انتشار الإشاعة، وفي المقابل فإن الشراكة في التفكير يُسهم في تقبل النتائج، ويحول دون الأهواء والرغبات الذاتية لدى الفرد والجماعة، ويدحض التخيلات غير المقبولة، وهذ ما ينادي به الرئيس عبد الفتاح السيسي من أهمية مشاركة الناس في قضاياهم وتعريفهم بها وبالتحديات المحيطة وبالصعوبات التي تواجهها الدولة في تحقيق غاياتها النبيلة؛ كي يصبح لدى أفراد المجتمع المناعة ضد ما يطلق من شائعات مغرضة، توحدت غايتها، في الفساد والإفساد، وإن اختلفت مصادرها.
ومن الطبيعي أن يكون القلق بمستواه الفردي والجمعي من العوامل التي تؤدي إلى انتشار الإشاعة، وبالطبع فإن مسببات القلق لا حصر لها؛ فقد يكون مصدره ترقب المستقبل، وقد يكون جراء تداعيات وأحداث معاشة، وقد يكون نتاج خبرة، وقد يكون متبادلًا عبر منابر تستهدف تسريبه في النفوس لأغراض بعينها، وينبغي على القيادات المؤسسية بتنوعاتها ووسائل الإعلام المختلفة أن تعمل جاهدة لبث الطمأنينة بين الناس، بما يساعد في الحد من تداعيات القلق، ويجعل الفرد والجماعة تعمل دون ضغط تسببه قلاقل لا أساس لها ولا جدوى منها، وعليه تصبح البيئة المجتمعية محصنة من الشائعات المغرضة، ومن ثم تمتلك العزيمة للجد في العمل دون كلل أو ملل أو إحباطات بتبايناتها.
ولاريب في أن مروجي الإشاعة يستغلون، في كثير من الأحيان، سذاجة المتلقي، وبالأحرى عقلية القطيع، في نشرها، وهذا ما يؤكد أهمية تنمية الوعي الصحيح لدى المواطن تجاه ما يحدث وما يتم القيام به وما يُنجز على أرض الواقع، وتنمية الوعي ليس مهمة وسائل الإعلام فقط، بل سائر مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية، تُسأل عن ذلك، عملاً بتعضيد الثقة بين المواطن ومؤسسات وطنه، ومن ثم ينمو الولاء والانتماء في النفوس التي تمتلك الوعي السليم.
وبما لا يدع مجالاً للشك، فإن انتشار الإشاعة يزداد بتنامي التردي الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث البطالة والبيروقراطية بأشكالها المتباينة، وفي هذا الصدد يتوجب على الدولة العمل على تدشين المشروعات ذات الطابع القومي التي تعكس تقدماً في المجالات المختلفة، ويتوقف نجاحها في مشروعاتها على تركها للبيروقراطية بكل صورها، ومشروعات الجمهورية الجديدة القومية تعد نموذجاً يُحتذى به في بتر الشائعات المغرضة التي تستهدف زعزعة الاستقرار في البلاد من خلال نزع الثقة في قيادتها السياسية.
وجدير بالذكر أن تنمية التفكير المنطقي خير سبيل للحد من تنامي التفكير الخرافي بين أفراد المجتمع، والذي يُسهم بقوة في نشر الإشاعة؛ فقد أضحى قبول الأفكار الجزئية أو الكلية دون ثبات صدقها أو فعاليتها أمر غير مقبول، لأن الدلائل تعد مؤشراً مهماً في إيقاف سيل الأفكار التي تشكل نتاجًا غير صحي لإشاعة مغرضة في جملتها؛ لذا لا ينبغي أن تصدر أحكامنا بسرعة أو بصورة جزافية، بل يتوجب الاستناد على الشاهد والدليل؛ لبرهنة ما نصل إليه من قناعات، ومن ثم نصدر الأحكام الصحيحة التي تساعد في البناء، وتقوية العزيمة نحو النهضة، لا الهدم والتشويه.
ويعد الانفتاح علي الحياة ومعايشة الحدث على نطاق عالمي وتبادل الخبرات متناسباً ومتوافقاً مع الطبيعة الإنسانية التي فطرنا الله عليها، مما يسهم في إيجاد حالة من الوعي الصادق لدى الناس، ويبعث بالشائعات إلى الهاوية؛ فمن المنطقي أن الانغلاق يغرق المجتمع في حياة تشوبها النمطية والركود؛ ليصبح هذا المجتمع منالاً سهلاً للشائعات التي تجعله في ثبات قاتم؛ حيث يمتلك رؤية هزيلة وعزيمة ضعيفة عن مستقبل يجهله؛ لذا باتت العلاقات بين مؤسسات الدولة ونظيرتها بالدول الأخرى ذات أهمية في تنمية مواردها المادية والبشرية على المستوى الخبراتي؛ لتتطلع برؤيتها الخاصة نحو مستقبل مشرق في مجالات تخصصاتها النوعية، وبما يحقق التوافق والتكيف المتلازمين على مستوى الفرد والجماعة داخل المؤسسة عبر علاقات اجتماعية تقوم على التواصل الفعال بين الطرفين.
وفي ضوء ما ذُكِر نجد أن الشائعات تذوب ذوبان الجليد في حر الصيف، حال امتلاك المجتمع الوعي الصحيح الناتج عن المعرفة، ومطالعة الحقائق، والشراكة في إحداث نقلة نوعية بمجالات الحياة العلمية والعملية والمعيشة، وفق آليات للتفكير الجمعي تعتمد على أدوات البحث العلمي، مما يُسهم في ازدياد الثقة نحو بلوغ مستقبل يحمل بين طياته الخير، برغم ما قد يواجهه من تحديات محلية أو عالمية.
إن ما تقوم به القيادة السياسية من أفعال على أرض الجمهورية الجديدة؛ يشكل عوامل داعمة لتجديد الثقة بالنفس، وحافزاً للعمل الجاد والمستمر في مجالاته المختلفة، وسياجاً منيعاً لما تطلقه أبواق الخزي من شائعات تستهدف إنجازات الدولة وعزيمة أبنائها، ويجعل المستقبل المبشر بالخير قريباً، يجني ثمراته جيل بعد جيل، ويحقق استراتيجية الدولة الطموحة.
ووضوح الرؤية نحو دحض الشائعات تكمن في الانتقائية التي تجعل الفرد لا يقبل كل ما يلقاه أو يتلقاه من أخبار أو أحاديث متواترة عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تعد بيئة داعمة للشائعات؛ حيث تغيب المسئولية والمحاسبية غيابًا يشكل تهديدًا للمجتمعات، فشواذ الفكر كثر، ومن ثم فإعمال العقل استناداً على الموثوقية يُعد سفينة النجاة من الغرق في بحور الشائعات التي لا تخدم إلا أصحابها ومروجيها من أصحاب النفوس الضعيفة والأفكار المتطرفة والنوايا اللئيمة.
نسأل الله جل في علاه أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، وأن يُوفق ويُعين قيادتها السياسية لما فيه سبل الخير والرشاد، وأن يمنحنا الوعي الصحيح، ويقينا شر عواصف الشائعات.