بيشوى رمزى

كارثة الزلزال.. والتساؤلات الملحة

الخميس، 16 فبراير 2023 05:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما لم تهتز الأرض وحدها، جراء الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا مؤخرا، وإنما اهتزت له القلوب بالمشاهد المروعة للمنازل التي تهدمت، وألاف الضحايا الذين فقدوا أرواحهم، بالاضافة إلى الأطفال الذين خرجوا أحياءً من تحت الأنقاض، ليجدوا أنفسهم، ليسوا فقط بلا مأوى، وإنما باتوا أيتاما، وليس هناك من يعولهم، ليتحرك معهم الضمير الإنساني، ربما متجاوزا تلك الزلزلة التي تحولت على إثرها البنايات إلى أكوام من تراب، ويثور بداخله "بركانا" من التساؤلات، ربما تبدأ جميعها بكلمة واحدة وهي "إلى متى؟"

 

فإلى متى تُقتل الإنسانية تحت مقصلة التسييس؟ وإلى متى يتقاعس العالم عن حماية ملايين البشر الذين يفقدون حياتهم يومياً بسبب العديد من الكوارث التي باتت تضرب العالم بوتيرة زمنية سريعة ومتقاربة؟ إلى متى تبقى إنسانيتنا رهنًا للمواقف السياسية؟ وإلى متى تطغى المصالح الضيقة على مصلحة الإنسان أيًا كان جنسه أو دينه أو عرقه؟ وإلى متى ستظل موازين العالم مختلة في إطار التمييز القائم بناءً على العديد من المعايير المتداخلة والمركبة؟ أضف إلى ذلك مئات ومئات الأسئلة الأخرى.

 

لعل توقيت الزلزال، المتزامن مع الصراع الدولي القائم في أوكرانيا، بمثابة أحد الجوانب الصادمة في المشهد الدولي، فلم يتفتق ذهن المتصارعين ولو للحظة، عن "هدنة"، ولو لفترة محدودة من الزمن "حدادًا"، على أرواح القتلى، على غرار تلك الثواني المعدودة التي نشهدها في مباريات كرة القدم، أو يتحول فكرهم ولو للحظة عن خطورة ما يرتكبونه في ساحات المعارك، على حياة هؤلاء الذين أرادت السماء نجاتهم، بينما كان الكثير منهم لا يتمنى النجاة، في ظل إدراكهم لما سوف يقبلون عليه، من مآس، تضاف إلى رصيد كبير يمتلكونه من الفواجع، بين حروب، وإرهاب وفقر، ليضاف إليها تشرد وجوع، وغيرها من المصائب، لا يأبه لها نظام عالمي، تخلى عن هدفه الرئيس، وهو حماية الانسان بعد سنوات الحروب العالمية، ليحقق مصالح قوى بعينها.

 

بينما حلت الكارثة في أعقاب الوباء الذي توقف على إثره العالم عن العمل والانتاج، في الوقت الذي عانت فيه سوريا تحديدا من أزمات الفوضى والإرهاب، والتي مازالت تداعياتها قائمة حتى الآن، وهي الأمور التي لم تكن بعيدة تماما عن تركيا، لتصبح الصورة أكثر قتامة، على المتضررين، في ظل حالة عامة من الركود والغلاء، في ظل غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمات، أو خطط إنقاذ للتعامل مع الكوارث الطارئة، وهو ما يمثل فشلا جديدا يضاف لمسلسل تراجع النظام الدولي، وعجزه عن الوفاء بالتزاماته.

 

وللحقيقة، يمكنني استثناء المنطقة العربية، التي سارعت نحو التحرك لإغاثة المنكوبين، وهو ما يمثل مؤشرا مهما وإيجابيًا في إطار العمل العربي المشترك، في ظل تجاوز الخلافات، ولو مرحليا، من أجل المساهمة في نجدة ألاف المتضررين، لتكون تلك الحالة فرصة استثنائية، للمنظومة العربية برمتها لإعادة الأمور لنصابها، ليس فقط لإنقاذ سوريا من تداعيات الكارثة الراهنة، أو على الأقل التخفيف من حدتها، وإنما للعمل مجددا لاستعادة دمشق إلى الحضن العربي، وإحياء هويتها بعد سنوات من الاستقطاب الدولي والإقليمي مع العمل على التقارب في الوقت نفسه مع الشركاء الاقليميين لتخفيف حدة المنافسة مع دول الجوار، في المرحلة المقبلة عبر تعظيم المصالح المشتركة وأبرزها مواجهة الأزمات العالمية.

 

ربما تبدو كارثة الزلزال مأساوية إلى حد بعيد، ولكنها في الوقت نفسه تمثل منحة للمجتمع الدولي بشكل عام، لمراجعة السياسات التي يتبناها في اللحظة الراهنة، عبر العودة للحوار الجاد وتحقيق التكامل المنشود، لمجابهة ما يلم به من أزمات طاحنة، وللمنطقة العربية لاعادة صياغة علاقاته البينية والإقليمية، حتى يتمكن من مواجهة أية طوارئ كارثية مع تعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الأزمات الجديدة.

 

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة