عندما اندلعت الحرب فى أوكرانيا ، قبل عام، بدأت أوروبا ترتجف، ليس فقط بسبب التهديد العسكرى الروسى، ولكن بسبب ما يعنيه ذلك لأمن طاقتها، حيث لم تعد روسيا، المورد الرئيسى للغاز الطبيعى وأحد أكبر مصدرى النفط، شريكًا موثوقًا به، وبدأت إمكانية انقطاع التيار الكهربائى وانقطاع التدفئة تصبح حقيقة فى معظم أنحاء القارة.
ومع ذلك، عندما ينتهى أسوأ فصل الشتاء، لم تتحقق أى من أسوأ التوقعات، حيث سمحت درجات الحرارة الدافئة غير المعتادة، والإجراءات الناجحة لتوفير الطاقة، وانخفاض الطلب، والتنويع السريع فى مصادر الوقود الأخرى للاتحاد الأوروبى بتوفير الأثاث فى واحدة من أسوأ أزماته، وفقا لتقرير نشرته قناة "ار تى فى " الإسبانية على موقعها الإلكترونى.
وينظر الأوروبيون الآن بقلق نحو الشتاء القادم، الذى سيكون فى 2023-2024، حيث أنه فى الوقت الحالى، تظل احتياطيات الغاز ممتلئة - فهى تقريبًا 70٪، أى 20 % أعلى من المتوسط للسنوات الأخيرة - ولكن دون الاعتماد على الوقود الروسى الوفير والرخيص لملء هذه المخازن، ولكن فى حال عودة البرد ماذا تفعل أوروبا.
وقال فيكتور بورجيت، الباحث الأسبانى فى مجال الجغرافيا السياسية والأمن العالمى، "احترس من الشتاء القادم"، مشيرا إلى أنه "يجب الاعتراف بأن أوروبا كانت محظوظة هذا العام، وكان هناك شتاء معتدل بشكل غير عادى، مما أدى إلى نقص استهلاك فى الطاقة.
وأشار إلى أنه للهروب من الاعتماد على الغاز الروسى، الذى يصل عبر خطوط الأنابيب، تحولت أوروبا إلى الغاز الطبيعى المسال كما لم يحدث من قبل، ويتم نقله فى شكل سائل فى ناقلات الميثان وإعادة تحويله إلى غاز فى الموانئ الأوروبية.
وعلى الرغم من أن هذا الوقود، الذى يأتى بشكل أساسى من الولايات المتحدة، قد سمح للاتحاد الأوروبى بتوفير الأثاث، إلا أن له عيبًا واحدا هو انه يجب على الدول الـ27 فى الاتحاد الأوروبى أن يتنافس عليه مع بقية الأسواق العالمية، بما فى ذلك آسيا، التى من المتوقع بشكل كبير أن يكون أكثر نشاطًا - وعطشًا للغاز الطبيعى المسال - فى الأشهر المقبلة.
وأشار تقرير الصحيفة الإسبانية إلى أن تقرير حديث للبنك المركزى الأوروبى حذر بالفعل من أن انتعاش واردات بكين من الغاز الطبيعى المسال "قد يحد من قدرة الاتحاد الأوروبى على ضمان إمدادات الغاز خلال عام 2023" وأشار إلى أنه على الرغم من أن أوروبا "خفضت اعتمادها بشكل كبير على الغاز الروسى، فقد أصبحت أكثر حساسية للتقلبات فى الطلب على الطاقة من بقية العالم، وخاصة من الصين.
وقال جونزالو إسكريبانو، مدير برنامج الطاقة والمناخ فى معهد إلكانو الملكى، فى نفس السياق: "فى الواقع، سيكون شتاء عام 2024 أكثر تعقيدًا لأننا لن نمتلك أى غاز روسى بعد الآن"، مشيرا إلى أن الاتحاد الاوروبى يستعد بالفعل لهذا مع محاولات للبحث إلى موردين جدد، حيث انتقلت موسكو من تمثيل حوالى 40% من واردات الغاز الطبيعى من27 % إلى 15%، واحتلت النرويج والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، رأس القائمة.
عجز الغاز بسبب انخفاض الواردات الروسية بنسبة تصل إلى 9٪
من العناصر الرئيسية الأخرى التى يجب أن تتجنبها أوروبا أزمة كبيرة العام الماضى هو خفض الطلب على الطاقة بنسبة 19٪ فى حالة الغاز بين أغسطس ويناير، كما أشار هذا الأسبوع مفوض شركة Ener.
وقال خوسيه ماريا يوستا، أستاذ فى جامعة سرقسطة وخبير أسواق الطاق أن "هذا له جانب سلبى، وهو الانخفاض بنسبة 20٪ الذى يحدث فى أوروبا، ونصفه تقريبًا صناعى، مما يعنى فقدان النشاط الاقتصادى. والجزء الآخر كان بسبب تدابير كفاءة الطاقة ودرجات الحرارة الملائمة".
ومن بين هذه التدابير الحد من التدفئة فى المبانى العامة أو إطفاء الأنوار فى نوافذ المتاجر والمعالم الأثرية والمكاتب، السارية فى إسبانيا أو ألمانيا أو فرنسا.
وعلى الرغم من زيادة واردات الاتحاد الأوروبى من الغاز الطبيعى المسال بنسبة 65٪، فمن المقدر أن هذا العجز يبلغ 30 ألف مليون متر مكعب من الغاز، وفقًا لرئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ويحسب البنك المركزى الأوروبى أن العجز يمكن أن يتراوح من 2٪ فى السيناريو الأكثر اعتدالًا إلى 9٪ فى أسوأ الحالات، اعتمادًا، مرة أخرى، على الطقس.
بالإضافة إلى ضمان إمدادات الطاقة، ستكون الدول الأوروبية منتبهة جدًا للسعر الذى تدفعه مقابل هذه الطاقة، وفى أغسطس الماضى، وصل الغاز إلى أعلى مستوى له على الإطلاق فى القارة، حيث وصل إلى 339 يورو لكل ميجاواط ساعة (MWh)، عندما كان قبل عام عند 27 يورو، وفقًا لمؤشر TTF المرجعى.
وارتفع متوسط أسعار الطاقة للمستهلكين والمنتجين فى منطقة اليورو بنسبة 49.5٪ و93.4٪ على التوالى، وفقًا للبنك المركزى الأوروبى، ومع ذلك، فقد انخفضت الأسعار فى الأسابيع الأخيرة، وبلغت حوالى 50 يورو / ميجاواط ساعة، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2021.