تمر أوروبا بطقس دافئ فى فصل الشتاء لأول مرة فى تاريخها، وفى الوقت الذى صب ذلك فى مصلحة أزمة الطاقة التى تمر بها القارة فى ظل توقف الغاز الروسى بسبب استمرار الحرب فى أوكرانيا، إلا أنه أيضا انخفضت معدل هطول الأمطار ونقص مفاجئ فى تساقط الثلوج، وهو ما أدى إلى موجة جفاف شديدة وبالتالى ارتفاع استهلاك المياه.
وأشارت صحيفة "لابانجورديا" الإسبانية إلى أنه غالبًا ما ترتبط صور مجارى الأنهار الجافة وتقلص البحيرات بالحرارة الشديدة فى الصيف وليس الشتاء، ولكن بداية العام شديدة الحرارة والجافة تؤثر على رقعة من أوروبا تشمل وسط وجنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا وإيطاليا، مما أدى إلى خلق حالة من القلق الشديد بشأن ما يمكن أن يعنيه هذا بالنسبة لإمدادات المياه، فى الوقت الذى تلاشى فيه القلق حول أزمة الطاقة مع انخفاض استهلاك الغاز الطبيعى وانخفاض اسعاره فى اوروبا بنسبة 25% منذ بداية العام الجارى وهذا يأتى بفضل الطقس الدافئ الذى يميز الشتاء الأوروبى لأول مرة فى تاريخها، مما يجعل روسيا تفقد سلاحها للضغط على القارة العجوز.
وأصبح الوضع المائى فى أوروبا "محفوفًا بالمخاطر للغاية"، وفقًا لدراسة نشرت فى يناير من قبل باحثين فى جامعة جراتس للتكنولوجيا فى النمسا، والذين استخدموا بيانات الأقمار الصناعية لتحليل موارد المياه الجوفية فى العالم.
وقال تورستن ماير جور، أحد الباحثين: "قبل بضع سنوات، لم أكن أتخيل أبدًا أن المياه ستكون مشكلة هنا فى أوروبا". "هنا نواجه مشاكل فى إمدادات المياه: علينا التفكير فى الأمر"، مضيفا أن فرنسا التى تشهد أكثر فتراتها جفافاً منذ أكثر من 60 عامًا، أن تفرض قيودًا على استخدام المياه قريبًا.
قال سايمون ميتلبرجر، عالم المناخ لشبكة سى أن إن على نسختها الاسبانية أن فرنسا عانت من سلسلة من 32 يوما متتاليا دون هطول كبير للأمطار خلال الفترة من 21 يناير إلى 21 فبراير، وهى أطول فترة منذ عام 1959.
ومن ناحية أخرى، فإن نقص المياه ستؤثر على المحاصيل الزراعية، حيث تقدر منظمة الأغذية والزراعة أن إنتاج الأغذية الزراعية يجب أن يزيد بأكثر من 60٪ فى عام 2050 ؛ ومن هذا المنطلق، تم تضمين القارة الأوروبية أيضًا.
وفى فرنسا، بدأ الوضع فى التعقيد بداية من الآن، حيث طلب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من مسئولى الصناعات الزراعية وضع خطة لتوفير المياه على غرار الموضوعة لحل أزمة الطاقة، وذلك فى سياق عجز قياسى فى هطول الأمطار وانخفاض منسوب المياه فى البلاد، والتى تسببت فى موجة جفاف خطيرة، حيث أنه أعلن خلال زيارته لمعرض باريس الزراعى بعد نقاش طويل مع المزارعين "نهاية وفرة المياه "، قائلا أن "أولئك الذين يتعين عليهم بذل جهد على هامشهم هم الموزعون"، مشيرا إلى أنه فى ظل الجفاف الذى يجتاح البلاد، دعا إلى "خطة رصانة مائية " تتبع نموذج توفير الطاقة.
وأوضح ماكرون: "نعلم أننا سنواجه مشاكل ندرة المياه مثلا الصيف الماضى، وليس علينا أن ننتظر إلى اللحظة الأخيرة وتعمق الأزمة ولكن يجب أن نخطط لكل هذا".
ودعا ماكرون إلى "جمع مياه الأمطار" و"تقليل التسربات فى شبكات المياه" و"توزيع استخدام مياه الشرب بشكل أفضل على أساس المستخدمين"، ولا سيما "الاستمرار فى الإنتاج والاستثمار فى الخزانات"، مضيفا أنه "من الضرورى أن ننتبه جميعًا، سواء مواطنون، وصناعيون، وموظفى الخدمات، والمجتمعات محلية، وأيضا المزارعون إلى هذا المورد الذى أصبح نادرًا ونتحرك نحو سلوك رصين فى ممارساتنا".
واعترف كريستوف بيتشو، وزير التحول البيئى، بأن "الحكومة الفرنسية فى حالة تأهب و" نحن متأخرون حوالى شهرين فى ملء مناسيب المياه الجوفية ".
اما فى إيطاليا، فقد تسببت حالة الجفاف الشديدة التى تعانى منها قنوات البندقية الإيطالية المشهورة بقنواتها المائية، فى توقف قواربها التى تستقطب ملايين السياح سنويا، بعد انخفاضا كبيرا فى مستويات المياه، وفقا لصحيفة "المساجيرو" الإيطالية.
وأشارت الصحيفة إلى أن جفاف قنوات مدينة البندقية الإيطالية منعت سيارات الأجرة المائية وسيارات الإسعاف والقوارب التى كانت تسير فى المياه، من العبور، وشهدت المناظر الطبيعية فى البندقية تغيرًا جذريًا فى الأيام الأخيرة، حيث جفف انخفاض المد والجزر بعض قنواتها، وشاهد السائحين بدهشة قوارب البندقية الشهيرة عالقة فى الوحل.
وقال الفيس بابا، رئيس مركز التنبؤ بالمد والجزر فى البندقية إنها ظاهرة "طبيعية تمامًا" مشيرا إلى أن "حوالى 70٪ من ظاهرة المد المنخفض تحدث على وجه التحديد فى تلك الفترة من يناير.
وقال الفيس بابا إنه حتى عام 2008، كانت هذه الظاهرة "تحدث كل عام، ثم لم تكن لدينا موجات منخفضة مثل تلك المسجلة فى الأيام الأخيرة".
وفى الوقت نفسه، فإن منسوب مياه نهر بو، الأطول فى إيطاليا، يقل بنسبة 61٪ عما هو عليه عادة فى هذا الوقت من العام، فى يوليو 2022 عانت إيطاليا من أسوأ موجة جفاف منذ 70 عامًا وأعلنت حالة الطوارئ فى بعض المناطق، كما انخفض منسوب المياه فى بحيرة جاردا فى شمال إيطاليا إلى مستويات قياسية، مما جعل من الممكن الوصول إلى جزيرة سان بياجيو الصغيرة عبر طريق مكشوف.
وعلى الرغم من أن البندقية معتادة على الفيضانات من ارتفاع المد أكثر من نقص المياه، إلا أنها ليست المرة الأولى التى تشهد انخفاضًا كبيرًا فى مستويات المياه: فقد وصلت فى عام 2018 إلى حوالى 60 سم دون المستوى الطبيعى، ولكن قبل ذلك، فى عام 2016، انخفض منسوب المياه بمقدار 66 سم، بينما فى عامى 1989 و2008 كانت المستويات. انخفض بمقدار 90 سم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة