دائما، كان معرض الكتاب - ولا يزال - مكانا للقراءة والنقاش ولقاء الأصدقاء وتبادل الآراء، وربما تكون الحوارات التى يديرها البعض مع أصدقائهم وزملائهم، والتى لا يسمعها أحد، ولا تُنشر، هى الأكثر تأثيرا، وكل من ارتاد معرض الكتاب منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ما زال يحمل ذكريات كثيرة، مع زملائه وأصدقائه.
كانت الرحلة المدرسية إلى معرض الكتاب، عادة لدى مدارس مختلفة، تستعد لهذه الرحلة التى غالبا ما كانت تأتى فى إجازة منتصف العام، وتمثل ذاكرة لأجيال كثيرة، كانت تلك الرحلات جزءا من نشاط المدارس، وهى رحلة كان مشرفوها يحرصون على أن تكون شاملة لجولات وزيارات، وهذه الذاكرة لدى الطفل ربطت الكثير من التلاميذ بالمعرض وبالكتاب والقراءة، وتحولت إلى عادة لدى الشباب الذين ارتبطت ذاكرتهم بالمعرض والكتاب.
والواقع إن القراءة عادة تُكتسب بالاعتياد، من المدرسين الذين يوجهون التلاميذ إلى مكتبة المدرسة، أو يوجهونهم إلى قراءة كتب معينة، ودائما كانت أسعار الكتب أعلى من إمكانيات التلاميذ والطلاب، وكانت هناك حلول لمن يريدون القراءة، تدوير الكتب والاستعارات، أو أن يدخر الواحد مبلغا لاقتناء كتاب ما، لأن اقتناء الكتاب للقارئ يمثل متعة خاصة لكثيرين، ولم يكن سعر الكتاب حائلا، ودائما كانت هناك طبعات مخفضة، أو إصدارات من دور النشر العامة، مثل هيئة الكتاب، أو قصور الثقافة، مصدرا معقولا للكتاب، وهناك عناوين مهمة تصدر عن هذه الدور، تتضمن كتبا أدبية وروايات ومسرحيات وكتبا فكرية مختلفة، وفى السنوات الأخيرة أصدرت هيئة قصور الثقافة عددا من العناوين المهمة، وكلاسيكيات الكتب، والأعمال الكاملة.
طبعا فإن ارتفاع أسعار الورق وأدوات الطباعة يضاعف من أسعار الكتب الجديدة، لكن هناك الكتاب الإلكترونى الذى قدم حلا لكثيرين، وحتى مع استمرار الكتاب الورقى، فإن الطبعات الإلكترونية تمثل حلا وأصبحت هناك تطبيقات ونسخ ومواقع ومنصات لتسويق الكتب الإلكترونية، وهى حلول تقدمها التكنولوجيا ويتيحها التقدم، وتمثل خيارا لأجيال اعتادت التعامل مع التكنولوجيا بشكل أيسر.
ومع هذا فإن من بين الشباب من يقبلون على الكتاب الورقى، ويحرصون على اقتنائه، ويفضلونه فى القراءة، وهى حلول تتيحها المكتبات التى تقدم خدمة القراءة بجانب البيع، وهو نشاط ينتشر خلال السنوات الأخيرة، ويستحق نوعا من الدعم، وفيما يتعلق بمبادرة «حياة كريمة» فى القرى، والتى تشمل - بجانب المرافق والطرق والوحدات الصحية - تدشين مكتبات عامة للقراءة ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتلك المكتبات أمر غاية فى الأهمية، باعتبار القراءة والسينما من الأمور الضرورية المتصلة بالتعليم، وتمثلان رافدين أصيلين فى عملية التعلم، لأن الثقافة ترتبط بالوعى، ويفترض أن تكون جزءا من التعليم، وتستحق أن تكون هدفا فى ظل اتساع أدوات ومنصات التواصل.
لا توجد إحصائيات واضحة عن حجم القراءة وعدد من يطلبون الكتاب، وهل ارتفعت الأرقام مع انتشار منصات النشر الإلكترونى التى تستقطب أعدادا من القراء؟ وأيضا المكتبات العامة والخاصة، لكن بشكل عام هناك نقاش حول الكتب.
ومهما ارتفعت أسعار الكتب، هناك حلول لمن يريد، ويجب أن تكون الثقافة مركز اهتمام الجهات المختلفة، ودائما هناك أجيال تقبل على القراءة، المهم أن يكون هناك إيمان بأن الثقافة جزء من التعليم، بل إنها تعوض أى ثغرات، ليس مهما ماذا يقرأ التلميذ، لكن المهم أن تكون القراءة جزءا من التعليم وفى أهمية المناهج، بل إن التكنولوجيا تتيح خيارات كثيرة للقراءة، ويمكن توظيفها فى التعليم أيضا، وهناك منصات تعليمية تعمل «أونلاين» وتقدم مناهج وشروحا، يمكن أن توفر ميزات إضافية للتعليم.
كل هذا يثيره انعقاد معرض الكتاب بانتظام وعلى مدار عقود، بجانب معارض فى الإسكندرية وبعض المحافظات، توفر مصدرا مهما وضروريا للمعرفة، تستحق أن تكون نشاطا دائما لوزارة الثقافة.