" من ينتصر في المعركة ..؟ وهل السلاح وحده يكفي..؟ وهل تكون حرب العملات بداية لنظام عالمي اقتصادي جديد..؟"
تلك الأسئلة طرحتها في مقالي السابق والمؤشرات والبيانات التي بدأت تظهر للعلن تلمح وتؤكد أن تدويل العملات الوطنية للقوى الاقتصادية في أسيا وروسيا ومعهم عدد ليس الهين من دول أسيا وأفريقيا بشأن التجارة بالعملة المحلية يسير في طريقه
بيانات صندوق النقد الدولي في العام الماضي، تكشف بأن حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية للبنوك المركزية في الفترة الزمنية من الربع الرابع من 2020 إلى الربع الثاني من 2021 هي الأدنى في خمس سنوات عند 59%.
الاقتصاد الخامس عالميا والمرشح ثالثا خلال نهاية العقد الحالي أي في عام 2030 بدأ يعزز عملية تدويل العملة الوطنية- الروبية- من خلال حملة الهند لتسوية المعاملات التجارية بالروبية التي تهدف الى وقف تراجع العملة المحلية التي انخفضت لأدنى مستوى مقابل الدولار
وفي يوليو الماضي أعلن بنك الاحتياطي الهندي عن خطة تسمح بتسوية التعاملات التجارية الخارجية بالروبية، بما يسهل على الشركات المحلية التبادل التجاري مع الدول التي تواجه صعوبات في الدفع بالدولار الأميركي، مثل روسيا وإيران. أيضاً تهدف الخطة إلى وقف تراجع الروبية ، والمساعدة في خفض العجز التجاري، الذي ارتفع إلى مستوى قياسي.
فما تأثير تدويل الروبية الهندية..؟
التوقعات تشير الى أن تدويل الروبية يمكن أن يؤدي إلى هيكل مالي متعدد الأقطاب فدول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز ترتبط بصلات قوية بالأنظمة المالية الروسية، وبالتالي يسمح استخدام الروبية في المبادلات التجارية مع هذه الدول بخدمة المصالح الاقتصادية الهندية. ويمكن أن تؤدي هذه المعطيات إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبالتبعية يؤدي إلى احتمالية إيجاد أنظمة أكثر تعقيداً من الترابط الاقتصادي بين الدول الكبرى، وإلى انخفاض في الصراع بين الدول وإلى توازن في القوى بينها .
الى جانب منظمة شنغهاي، تسعي مجموعة "بريكس" التي تضم خمس دول حاليا وهي، الصين و روسيا و البرازيل و الهند و جنوب إفريقيا، إلى ايجاد نظام عالمي جديد يعتمد علي العملات المحلية بعيدا عن التعاملات بالدولار، وهناك توجه حقيقي من أعضاء مجموعة بريكس إلى اتخاذ قرارات مماثلة لروسيا من أجل فك ربط الدولار في التعاملات العالمية وإلحاق ضرر جسيم بالعملة الأقوى في العالم ومع انضمام المملكة العربية السعودية الى البريكس ربما تلعب هي الآخرى وهي الدولار، دورا مهما في القضية. ويشجع على هذا التوجه قرارات المركزي الروسي والمركزي الهندي والصيني في النظام النقدي متعدد الأطراف.
هل هذه الخطوات من دول ذات اقتصادات قوية يمكن أن تؤثر على " امبراطورية الدولار"...؟
الدول التي تربطها علاقات متوترة مع واشنطن أدركت ضرورة تحرير تجارتها الخارجية من هيمنة الدولار الأميركي بعد التطرف الغير مبرر من الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا، بعقوبات غير مسبوقة .بالتالي يمكن للتداول بالعملات الوطنية أن يخفف القلق بشأن استخدام الدولار في التجارة، ما يساعد الدول على استيراد المواد الخام والطاقة والغذاء بأسعار معقولة لأنشطتها التصنيعية.
ومؤخرا خرجت أصوات من صندوق النقد الدولي تطلق تحذيرات من أن العقوبات المالية غير المسبوقة على روسيا قد تهدد بإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي تدريجياً، وتؤدي إلى نظام نقدي دولي أكثر تعددا ، وتشجع على ظهور تكتلات عملات صغيرة على أساس التجارة بين مجموعات منفصلة من البلدان.
ويرى الاقتصاديون ومراكز الدراسات المتخصصة ومنظمات نقدية دولية، ان استمرار واشنطن في سياسات العقوبات سيولد ردة فعل عنيفة واستفزازية تدفع الى تزايد استخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية كما بدا في الفترة الأخيرة . فالتوسع في فرض العقوبات على الدول مثل إيران وروسيا يؤدي الى استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري كإحدى أدوات التحايل على العقوبات الغربية وتخفيف تأثيراتها السلبية.
والأهم أيضا هو دعم المكانة الدولية لبعض العملات البديلة والرغبة في التحول نحو نظام تعددي. وتأسيس سلة أخرى من العملات بخلاف الدولار، تحظى بثقة دولية . وأبرز تلك العملات، اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني و اليوان الصيني.