من يريد الكتاب والقراءة سيجد طريقة للحصول على الكتاب، هذه هى الحقيقة التى يعرفها كل من اعتاد القراءة وارتبط بها، وهى النقطة التى تفرض نفسها ونحن نتحدث عن الكتاب والقراءة بمناسبة معرض القاهرة للكتاب، والذى يشكل موسما للكتاب، ورمزا يعبر عن استمرارية وجود الكتاب والثقافة بأنواعها، وربما يكون ارتفاع أسعار الكتاب نتيجة لارتفاع أسعار الورق حائلا أمام اقتناء الكتب، وليس أمام الحصول عليها وقراءتها.
معرض الكتاب مثل بقية الفعاليات والمناسبات التى تعبر عن حجم وشكل الثقافة فى حياتنا، وهو نتاج تراكم أجيال وعصور، وكل عنوان من العناوين المطروحة فى المعرض والمناقشات، هو نتيجة لجهد مؤلفه، كثر هذا الجهد أو قل، وعلى مدار الشهور تضخ المطابع مئات الآلاف من العناوين لروايات ومذكرات وكتب، منها العميق والسطحى والموسمى، لكن على مر العصور فإن العناوين التى عاشت وعاش مؤلفوها تمثل نسبة ضئيلة من ملايين العناوين عالميًا ومصريًا وعربيًا تبقى أفكار المؤلفين الأصلاء بعد رحيلهم، وهناك دائمًا الفكرة الإنسانية التى تعيش وتعبر الحدود بفضل الترجمة.
ويبقى أرسطو وسقراط وابن سينا وابن رشد والفارابى والألبانى والجبرتى، ومحمد عبده والمتنبى وأبو العلاء وطه حسين ولطفى السيد وسلامة موسى وبيرم التونسى وتوفيق الحكيم ومعروف الرصافى والجاحظ ودوستويفسكى ونجيب محفوظ ومحمود درويش ويوسف إدريس وعبدالرحمن الأبنودى وعبدالحكيم قاسم وجمال الغيطانى وخيرى شلبى وجابريل جارسيا ماركيز وبدر شاكر السياب وابن اياس وتولستوى ومارك توين وبرنارد شو وأرنولد توينبى ومايكل أنجلو ومحمود سعيد ومحمود مختار وتشيكوف وموليير وفولتير وكونت وماركس وفوكنر وسارتر وأراجون وكواباتا وأينشتين ونجيب سرور والشرقاوى وزكى نجيب محمود ومحمد حسين هيكل والعقاد وأحمد لطفى السيد ومحمود السعدنى وأحمد رجب ومحمود دياب وأحمد فؤاد نجم وبهاء طاهر وإبراهيم داود ومحمد البساطى وجار النبى الحلو ومحمد حسنين هيكل وأدونيس ونازك الملائكة وبنت الشاطئ ورضوى عاشور وإيزابيلا الليندى وغيرهم.. إلى آخره، وهى أسماء لأدباء وعلماء ومفكرين وفلاسفة من بلدان ومدارس وأنواع مختلفة للإبداع، ستجدهم وغيرهم يعيشون رغم العصور ويستمرون، وما زالوا مؤثرين وقادرين على منح الأفكار رغم رحيلهم.
وبجانب كل أنواع الشعر والرواية والفكر والعلم، هناك كتب تظهر وتفرض نفسها ضمن الأكثر انتشارًا، لمرة أو مرات ضمن ظواهر ليست حقيقية ومفارقة، وهناك أحيانًا طوابير لتوقيع كتاب لشخص مشهور على مواقع التواصل وليس معروفًا للقراء بشكل عام، ومثل هذه الظواهر تثير جدلًا عما إذا كان الزحام لتوقيع كتاب «نجم التريند» فهل يعنى رغبة فى التعرف على أفكاره؟ أم أنه ضمن ظاهرة التسويق التى يجيدها البعض بصرف النظر عن القيمة، ورغم أن البعض يرى هذه الظواهر جديدة لكنهم لا يدركون أنها موجودة على مر العصور، وتزداد ظهورًا مع التريند، ومع هذا فإن تأثير الكتاب والمفكرين العظماء يستمر والدليل بقاء فلاسفة وكتاب وشعراء من قرون واختفاء ظواهر قبل عام أو شهر.
والواقع أننا فى عالم افتراضى تتفوق فيه الشائعة على الخبر والنميمة على الجدية، والمهم أن نحاول تفهم الدور الذى تلعبه مواقع التواصل الاجتماعى وكيف تصنع نجومًا وتحرقهم، وهذه الظاهرة تتكرر، ويعرفها من يمتلك ذاكرة، وعلى مدار عقود فإن معرض الكتاب يضم آلاف العناوين والكتب من كل التخصصات والأنواع سواء الجادة أو التافهة، المعتدلة والعميقة أو السطحية والمتطرفة، كتب جديدة وأخرى قديمة، وليس شرطًا أن يكون الكتاب الأفضل، هم الأكثر شهرة، ربما العكس هو الصحيح، حيث يشتهر بعض من يستطيعون الدعاية وتتحول ندواتهم إلى زحام، بينما يفتقد كبار الأدباء والكتاب إلى جمهور.
لكن الأهم هو ما أشرنا إليه فى البداية أن الأفكار تبقى، ومن يريد القراءة سيجد طريقه للكتاب، والمهم أن نعرف أن الثقافة والقراءة جزء من التعليم والوعى، تبقى الأفكار وتعبر العصور ويختفى السطحى ويتراجع كأن لم يكن، ولهذا حديث آخر، وتعيش الأفكار مع القراء.